الأخلاق النبوية في الحرب
6 محرم 1434
منذر الأسعد

الباحث محمد مسعد ياقوت من المهتمين بالذود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمن تطاول فيه السفهاء على خير خلق الله وسيد ولد آدم، من خلال الافتراء وعكس الحقائق.

 

فهو مؤسس مشروع نبي الرحمة وعضو المجلس التنسيقي للجهات المعنية بالتعريف بالنبي – صلى الله عليه وسلم - برابطة العالم الإسلامي، ولعل هذه الخلفية كانت الباعث الرئيس له على تأليف كتابه: الأخلاق النبوية في الصراعات السياسية والعسكرية، والذي استهله بمبحث: الحوار لا الصدام، لأن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلة المخالفين بالتي هي أحسن، هي نهج النبي الخاتم الذي يعد خير تطبيق عملي لأوامر ربه جل وعلا.ويتجلى ذلك في مراسلاته عليه الصلاة والسلام إلى الملوك ودعوتهم إلى الحق، وكذلك في المعاهدات التي عقدها مع القبائل المجاورة للمدينة المنورة.فالأصل هو الحرص على هداية الناس ونشر الإسلام بإقامة الحجة وبيان الحق ودحض الباطل بأسلوب بهي كريم.

 

ويقدم ياقوت صوراً على أولوية الدعوة لدى النبي الكريم من خلال ما جرى في صلح الحديبية، الذي كان فتحاً مبيناً، كما كان هدنة طويلة توقفت فيها الحرب وانتشرت الدعوة وتمكنت في القلوب بعيداً عن صليل السيوف، حيث توقفت عراقيل المشركين التي ظلت تتصدى لانتشار الحق والخير.لكن ذلك لا يتعارض مع اضطرار الدولة الإسلامية في المدينة إلى التسلح وخوض المواجهات المسلحة مع قوى الشرك والضلالة، لأن هذه القوى الشريرة لطالما حاولت استئصال الإسلام بكل السبل ابتداء من المحاولات الأثيمة لاغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وانتهاء بالسعي إلى اجتثاث الجماعة المؤمنة كلها.لكن الهدي النبوي الفريد في الحروب يتجلى في توجيهات المصطفى لقادة سراياه المؤمنة: فعن صفوان بن عسال قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سرية فقال: (سيروا باسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدا). كما يعلم الكافة النهي النبوي عن التمثيل بقتلى الأعداء، مع أن ذلك كان مألوفاً وشائعاً بلا نكير بين العرب وغيرهم في زمن الجاهلية!!

 

ويبقى نبل النبي الخاتم في موقفه من مشركي قريش يوم فتح مكة، يبقى موقفاً استثنائياً ليس له نظير في تاريخ البشر أجمعين، فقد عاملهم بكريم أخلاقه وجليل سجاياه بالرغم من إيذائهم البشع له وللمؤمنين به طول مكثه في مكة يدعوهم إلى الجنة والنجاة من النار، ثم استمر لؤمهم وتآمرهم عليه بعد هجرته وصحبه إلى يثرب.

 

ثم يأتي المؤلف على فرية انتشار الإسلام بالسيف وهي فرية روج لها المنصرون والمستشرقون كثيراً بالكذب والتلفيق، ويحرص على تعزيز رده بأقوال منصفين غربيين من أمثال سيديو وديسون ولوبون ودوزي وكارين آرمسترونج...

 

ويلح ياقوت على مواقف نبوية شريفة أخرى يتصدرها الحفاظ على العهود حتى مع قوم كافرين ما داموا يلتزمون عهودهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حسن معاملة الأسرى بالرغم من كفرهم وشركهم.قال تعالى في محكم التنزيل وهو يثني سبحانه على عباده الأبرار: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان: 8].

 

إن الكتاب جيد في محتواه وفي أسلوب عرضه، ولو كنتُ في مكان مؤلفه، لأضفتُ صفحات مشرقة من تاريخ الأمة الإسلامية في الحروب خلال عصورها الذهبية الزاهية، لأن أصحابها تأسوا بسيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وبخاصة في عهود الخلفاء الراشدين التي شهدت انطلاق الفتوحات إلى خارج جزيرة العرب، ثم الفتوحات التي تمت على أيدي التابعين في عصر بين أمية، ففيها كذلك مواقف رائعة من مفاخر أمتنا على سائر الأمم.صحيح أن الكتاب يتحدث عن الأخلاق النبوية لكنني أرى تلك الصفحات البهية امتداد لتربية النبي لأصحابه ثم تأثير القرآن الكريم والسنة الشريفة والسيرة العطرة في الأمة التي سارت على درب النور الفريد.