12 جمادى الأول 1434

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا كنت عاقا لوالديّ، وكنت أرتكب معاصي كثيرة، ولكن تاب الله عليَّ والتزمت ودرست العلوم الشرعية، وأصبحت إماماً للمسجد وداعية دينيا، ولكن لديَّ مشكلة لا أعرف حلها: إن أمي تكرهني وتعاملني معاملة سيئة غير التي تعامل بها إخوتي، ولا أعرف لماذا؟! وبعد الالتزام ازداد سخطي لها.. لماذا تكرهني وتستغلني وهى تكرهني، وأنا لم أفعل لها شيئاً؟ حين أذهب للمسجد تسبني، بل وتدعو عليَّ حتى لا أذهب له.. كيف كيف؟!!

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الأخ السائل: محور ما تشكو منه هو شعورك أن أمك لا تتواصل معك تواصل المشاعر المأمولة، بل وتسيء معاملتك، بل وتشعر منها أنها قد تكرهك..
والحقيقة أن لي مع سؤالك عدة وقفات مختصرة:
1- حقيقة محبة الأم لولدها لا يعرفه إلا الأمهات، ولا يتصور عاقل أن تكره أم ولدها أبدا، نعم قد تكون معاملتها غليظة أو في بعض الأحيان شديدة، لكن قلبها هو قلب الأم دوما، مهما حدث من تغيرات، وأنت تجد كثيرا من وصايا الشرع للأبناء بأمهاتهم ولا تجد إلا قليلا من وصايا الأمهات بأبنائهم، ذلك لأنه شىء فطري طبيعي لا يمكن لأم أن تنفصل عنه، حتى إنك لتجده في الأنعام.
2- يبدو أن لك معها تاريخا طويلا قبل التزامك، جعلها تغضب عليك، وجعلك تبتعد عن تواصلها المشاعري، وتسبب ذلك في هذا الذي يحدث، وعليك في ذلك أن تراجع تاريخك معها وتنظر إلى ما سبق وفعلته فأغلق نفسها دونك.
3- يبدو أنك حتى بعد التزامك لم تستطع أن تصل لقلبها، وهذا يشي لنا أن التزامك لا يزال يبدو منقوصاً؛ لأن التزامك لو صح لصحت فعالك ومن ثم للاحظت أمك تغيرك الفعلي ومن ثم ستبدأ في التحسن تجاهك.
4- حق الأم منوط بك وواجب عليك مهما كانت أحوالك ومهما كانت شكواك، وهو حق لا يسقط بمجرد الظنون أو المشاعر، فأنت مأمور شرعا ثم عرفا أن تحسن إليها مهما فعلت، وأن تنفق عليها إن لم يكن عندها ما تنفق منه، ورعايتها صحيا إن لم يكن هناك من يرعاها..
5- اعلم أن قلب الأم سريع العودة، بمجرد أن يشعر بصدق ابنها في ذلك، فأنصحك بالتقرب إليها والتحبب إليها، بالهدية تارة وبالكلمة الحسنى تارة وبالسؤال عنها تارة وبفعل ما تحبه.
6- يجب أن تنتبه ألا تجعل من التزامك وذهابك المسجد شيئا يضيرها أو يقلل من اهتمامك بها أو يسيء إليها، فربما يكون غضبها عند ذهابك للمسجد لكونك ستتركها وحدها أو لكونك مقصرا في حقها أو شيئا من ذلك، فعليك ألا تقصر في ذهابك للمساجد لكن اجعل برك دائما في اللحظات قبل الخروج إلى المساجد، فتشعر أمك بالكفاية والاستغناء عن أوقات خروجك، وارعها رعاية لا تنتبه معها لبعدك عنها في بعض اللحظات.
7- أهمس في أذنك بشيء أرجو أن تراجعه مع نفسك، أوصيك أن تتوب إلى الله توبة نصوحا، وتكثر من الاستغفار، وتدعو ربك كثيرا بأن يعينك على بر أمك وأن يحبب قلبها فيك، فأفضل الدعاء الاستعانة بالخالق على مرضاته... وفقك الله.