20 ربيع الثاني 1434

السؤال

السلام عليكم.. أنا متزوجة منذ 3 سنوات ونصف، عندي طفلتان (الأولى 3 سنوات والثانية سنة) وحامل في الشهر السادس.. الوضع الصحي جيد الحمد لله، والوضع النفسي بفترة هذا الحمل ليست جيدة، توجد فترات أكون فيها عصبية المزاج وأصرخ على كل شيء صغير يصدر من البنات، وفترات يصيبني الإحباط والملل بعد يوم جميل. المشكلة هي أني لا أريد أن يؤثر مزاجي السيئ على نفسية بناتي؛ فهن لا زلن صغاراً ولا أستطيع أن أشرح لهن أني في فترة حمل (كما يقولون)..
المشكلة الثانية هي أني مثل أغلب الفتيات قبل الزواج.. لم يتسنَّ لي أن أكون مسؤولة عن أي شيء، ولم يطلب مني أحد أن أقوم بواجبات البيت، وعندما تزوجت لم أكن فقط غير مؤهلة لأكون ربة بيت، بل لم أجد من يشرح لي على ماذا أنا مقبلة؛ فتارة أتخبط في الروتين (من إطعام وحمام...) وتارة أفكر لماذا أنا في هذا البيت وما هي واجباتي تجاه زوجي وبناتي ونفسي؟! وإن كنت على علم بما أريد بالنسبة للبنات مثلا من أين لي المعلومات (فاقد الشيء لا يعطيه، بالرغم من أني كنت أكذب هذه المقولة في زمن العزوبية..
والمسألة الثالثة هي كيف لي أن أتصرف أو بالأحرى كيف سيكون وضعي مع ثلاث بنات كلهن يعتمدن عليَّ كل الاعتماد في كل شيء، ومن أين لي الطاقة والوقت الكافي؟ تشتتت أفكاري فهناك الكثير من التساؤلات الأهم من المهم وهي الغفلة عن وجود خالق!! أنا أصلي وأقوم بالفرائض (أسأل الله أن يثبتني) ولكني لا أشعر أني مع الله؛ فأنا لا أقرأ القرآن، ولا أقول أذكار الصباح والمساء، والتسبيح والاستغفار بالصدفة.. ها هو حان الوقت لأنهي؛ لأن الطلبات بدأت تنهال الواحدة تلو الأخرى..!

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ومرحباً بك في موقع المسلم.
يمكن أن نلخص السؤال في النقاط التالية:
- حامل، ووضعك الصحي والنفسي ليس بجيد.
- عندك طفلتان دون الثالثة.
- تعانين من العصبية، وأحياناً الإحباط والملل، وتخافين من تأثير ذلك سلباً على طفلتيك.
- لم تُدربي على تحمل المسؤولية، ولا تعرفين حق زوجك، وأبناءك، ونفسك.
- كثرة الأعباء.
- التقصير في قراءة القرآن، والأذكار.
أولاً: يسر الله أمرك، وهون عليك الولادة، ورزقك طفلاً معافى.
ثانياً: بتحديدك للمشكلة قطعت نصف المشوار نحو الحل، وبقي معرفة الخطوات المناسبة، والعزم على الإصلاح.
لاشك أيتها الفاضلة أن كثرة الأعباء مع قلة الخبرة تولد ضغطاً نفسياً شديداً، وإرهاق الحمل، وإحساسك بالذنب بسبب انفعالك الزائد على الصغار يزيد الأمر سوءاً. وللخروج من هذه الدائرة لابد من التقليل قدر المستطاع من أسباب هذا الضغط، وقد أشرت لأهم الحلول في ختام سؤالك؛ الاستعانة بالذكر. فالذكر سبب لطمأنينة القلب يقول تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: من الآية28].
والذكر من أيسر العبادات لمن وفق له، وقد وصى الله به حبيبه عليه الصلاة والسلام وصحابته رضي الله عنهم وهم في حالة الحرب والقتال، أكثر الأحوال التي ينشغل فيها الذهن ويستهلك فيها البدن، قال تعالى بعد أن ذكر صفة صلاة الخوف: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: من الآية103]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]، ووصى المؤمنين عامة بكثرة الذكر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41-42]، وهو وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها لما شكت من كثرة الأعمال وجاءته تطلب خادماً يعينها فأمرها وزوجها رضي الله عنه أن يسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمداه ثلاثاً وثلاثين، ويكبراه أربعاً وثلاثين كلما أويا إلى فراشهما، وقال هو خير لكما من خادم. فعليك بوصية الله تعالى لأحب خلقه، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه تسعدي.
وتذكري أن قراءة القرآن أفضل الذكر، فاجعلي له من وقتك نصيبا مفروضاً ولا تعطيه فضول الأوقات، لأنك لو قلت سأعمل كذا وكذا ثم أتلو حزبا من القرآن في الغالب ستنجزين أعمالك وستأتيك أعمال أخرى وسينتهي اليوم دون أن تفتحي المصحف.
تخيري ولو نصف ساعة تقل فيها مشاغلك وانشري كتاب الله بين يديك، واقرئي ولو صفحات قليلات تجلي قلبك، وتطهر روحك.
أكثري من الذكر أثناء العمل، وعند الراحة، رددي مع صغيراتك بعض الآيات أو الأذكار، ينشغلن بها عن فعل ما يزعجك، ويتعلمن ما ينفعهن، وينشأن على كثرة ذكر الله.
احرصي أيتها الفاضلة على أذكار الصباح والمساء فهي لا تستغرق أكثر من عشر دقائق، وتحفظك وبناتك من كيد الشيطان، فدعي كل شيء بعد الفجر وقبل المغرب واجعلي لنفسك من الذكر نصيب.
تذكري أيتها الكريمة احتساب الأجر في كل عمل تعملينه، فقيامك على شأن زوجك وعيالك يعدل الجهاد والجمع والجماعات. وتحملك لأعباء الحمل والوضع والتربية ثمرته عمل لا ينقطع بموتك، فلئن كان بعض الصالحين يسافر من بلد لبلد فيسلم على يديه اثنان وثلاثة فيغبطه الناس على ذلك، فأنت تتسببين في وجود مسلمين تتعهدينهم بالرعاية، وتنشئينهم على السنة، وتربينهم على فعل الصالحات، ونصرة الدين. إنه لإنجاز عظيم يستحق أن تتحمل المسلمة في سبيله الرهق والمرض ومختلف الضغوط. فاستعيني بالله، واعتصمي به، وثقي بأنه يجزل العطاء لمن عمل ابتغاء لمرضاته.
اقرئي عن حقوق الزوج والزوجة حتى لا تقعي في التقصير، وفي كتب علم نفس النمو التي تبين خصائص كل مرحلة عمرية يسهل عليك التعامل مع الصغيرات، وتعرفين حاجاتهن الحقيقية.
بالنسبة لأعمال البيت المعتادة فيمكن إنجازها بشيء من التنظيم دون أن تشكل هماً ثقيلاً إلى هذا الحد. من أهم الأمور تعويد الصغار على النوم بمفردهم في مثل هذا العمر. فنوم الأطفال في هذه السن كابوس مزعج لكثير من الأمهات، وقد يكون سببا لبعض المشكلات بين الزوجين. فجلوس الأم لتنويم الصغار يستهلك وقتاً طويلاً يكون مستقطعاً من وقت راحتها وراحة زوجها غالباً، ولأن الطفل يعرف أن أمه ستتركه مجرد أن ينام يحرص على مقاومة النوم لأطول وقت ممكن، وإذا نام نام نوماً متقطعاً يمنع الأم من الراحة أو الانصراف لأعمالها.
كذلك رتبي بقية الأعمال، واستعيني بما يمكن أن يختصر الوقت والجهد من آلالات، وارتاحي متى ما شعرت بالتعب، وستجدين أنك أنجزت في نهاية اليوم. متى ما تعذر عليك العمل اطلبي من زوجك المساعدة في حدود طاقته واكتفي بأهم ما يجب إنجازه.
ليكن همك دائماً التخلص من أسباب المشكلات لا التفكير في من كان سبباً فيها. عدم استعدادك لتحمل المسؤولية من سن مبكرة أنت طرف فيه بلا شك، والعادات الاجتماعية الجديدة التي تجعل الأم المثالية هي التي تفرغ ابنتها للتحصيل والدراسة سبب آخر، فأمك ضحية لهذه الأفكار مثلك تماماً، وعلى كل حال أنت الآن في تدريب حقيقي تستفيدين منه كل يوم تجربة، فلا داعي للتحسر، فاستفيدي من تجربتك في تنشئة بناتك على مساعدتك يفزن ببرك وبالاستعداد لما ينتظرهن في المستقبل من مهام.
يسر الله أمرك، وتقبل منك، وأقر عينك بصلاح ذريتك.