ماذا حدث لقطار المشاعر؟
21 ذو الحجه 1433
تقرير إخباري ـ محمد لافي

كانت حادثة الفوضى التي وقعت عند قطار المشاعر وقت نفرة الحجاج من عرفات إلى مزدلفة من أبرز أحداث موسم حج هذا العام وأكثرها إثارة للجدل.

 

فبدلاً من أن تتم عملية تفويج الحجاج بكل يسر وسهولة كما كان منتظراً، فقد أدى تدافع جموع الحجيج إلى إحداث حالة من الفوضى نجم عنها حالات من الإعياء وإصابات بين الحجاج، إضافة إلى تأخر في مواعيد انطلاق القطار وانتظار البعض ساعات طويلة حتى يتم نقلهم، وقد دفع ذلك بالبعض إلى البحث عن وسائل نقل بديلة.

 

وكان من تبعات هذه الفوضى أن رفعت 125 من شركات حج الداخل دعوى ضد شركة قطار المشاعر المقدسة بالتسبب في قصور أدى إلى تخلف 70 ألف من حجاج الداخل عن الصعود على متن القطار وتحمل الشركات مسئولية نقلهم عبر الحافلات إلى مشعر مزدلفة على نفقتها، وقد بلغت قيمة المطالبات نصف مليار ريال

 

قطار المشاعر:

ومع أن فكرة إنشاء قطار لنقل الحجاج بين المشاعر بيسر وسهولة لم تكن وليدة السنوات الأخيرة، إلا أن العمل عليها لم يأخذ حيز التنفيذ الفعلي إلا بعد التغلب على مشكلة التدافع على رمي الجمار في الحج وذلك بإزالة جسر الجمرات القديم واستبداله بجسر متعدد الأدوار

 

وكانت الفكرة من إنشاء مشروع قطار المشاعر هي المساهمة في حل مشكلة الازدحام أثناء تنقل الحجاج بين عرفات ومنى مروراً بمزدلفة وليختصر مدة التنقل إلى 15 دقيقة بعد أن كانت تتجاوز مدتها الثمان ساعات عبر الحافلات التي كان يستخدم منها أكثر من 70 ألف حافلة في عملية النقل.

 

وقد تم ترسية مشروع قطار المشاعر على إحدى الشركات الصينية الحكومية، حيث بدأ القطار بالعمل في مرحلته الأولى عام 1431هـ بـ 50 بالمائة من طاقته الاستيعابية، وعمل في عام 1432هـ 75 بالمائة من طاقته الاستيعابية وفي موسم حج هذا العام 1433هـ عمل القطار بكامل طاقته الاستيعابية والتي تصل لـ85 ألف حاج في الساعة.

 

أسباب التأخر:

وقد تناقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حينها أنباءً حول تعطل قطار المشاعر وحدوث تدافع نتج عنه وفيات وإصابات بليغة. إلا أن هيئة الهلال الأحمر السعودي أفادت بأن 36 حاجا من جنسيات مختلفة أصيبوا خلال الحادثة، وتم نقل 18 منهم للمستشفيات الموجودة في عرفة، كما تمت معالجة 18 حالة في موقع الحادث، كما نفى مصدر مسؤول في مشاريع المشاعر المقدسة أن يكون القطار قد تعطل أو توقف. 

ونتيجة لذلك وجه أمير منطقة مكة المكرمة بتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب تأخر القطار وتدافع الحجاج.

 

وأشارت التحقيقات الأولية أن الأسباب وراء تأخر القطار تكمن في دخول أكثر من 150 ألف حاج من الحجاج المخالفين لا يحملون تذاكر إلى محطة القطار، إضافة إلى تورط إحدى مؤسسات الطوافة فيما حدث وذلك بتفويج أعداد كبيرة من الحجاج فاقت العدد المسموح به.

 

وحملت بعض الجهات جزءًا من المسؤولية على الحجاج وذلك من خلال حمل بعضهم لأمتعة كبيرة ومضايقة الحجاج وإلقائهم بالنفايات ونوى التمر في عربات القطار مما أدى إلى تعطل أبواب القطار، ومحاولة بعض الحجاج فتح باب القطار عنوة أو منع قفله رغبة في الدخول لداخل القطار وهو ما أدى إلى توقف القطار بشكل آلي.

 

ومن الأسباب أيضاً تكدس أعداد كبيرة من الحجاج بداخل بعض المحطات ورفضهم صعود القطار لرغبتهم في الوصول إلى محطة أخرى خلاف المبرمج لها القطار علاوة على رفض مجموعات من الحجاج الخروج من بعض عربات القطار ومكوثهم فيها لبعض الوقت لرغبتهم في الوصول إلى محطة غير مبرمجة في الخطة وافتراش بعض الحجاج لبعض المحطات وإعاقة حركة الركاب واستخدام مخارج الطوارئ من قبل بعض الحجاج ودخول عدد كبير من الحجاج غير النظامين وبدون تذاكر وركوبهم القطار.

 

مشكلة المفترشين:

ومما لا شك فيه، أن تفاقم ظاهر الحجاج غير النظاميين أو ما يطلق عليهم "بالمفترشين" والذي تدافع منهم قرابة 200 ألف لركوب القطار، ساهمت وبشكل مباشر ليس في عرقلة سير قطار المشاعر فحسب، بل كان لها الأثر السلبي الواضح في منع انسيابية الحجيج في مراحل الحج المختلفة وحالت دون استفادتهم من الخدمات المقدمة للحجاج.

 

فقد كشفت الأرقام التي أعلنتها إمارة منطقة مكة المكرمة ووزارة الداخلية السعودية عن تزايد أعداد الحجاج غير النظاميين المفترشين هذا العام حيث تجاوزت بحسب إحصاءات لجنة الحج التنفيذية إلى 4ر1 مليون حاج مخالف.

 

ومع الجهود المبذولة من قبل أجهزة الدولة في مكافحة ظاهرة الافتراش، والتوعية بضرورة أن يكون الحج نظامياً، بل وصدور فتاوى من كبار العلماء بتحريم الحج غير النظامي والافتراش لما فيه من مخالفة لولي الأمر وإيذاء للحجاج، إلا أن البعض يصر على أداء الحج بشكل غير نظامي وتكرار الحج مرات عدة بنفس الطريقة، بل إن بعض المفترشين ممن يملكون تصاريح حج نظامية، يفضلون الافتراش في مشعر منى بالقرب من جسر الجمرات على المكوث في مقر سكنهم والتردد على منى لرمي الجمار مما يفاقم المشكلة عاماً بعد عام.

 

مشكلة التفويج:

ولا يمكن إغفال أن أي خلل في عملية التفويج سينجم عنه تأخر في حركة القطار وذلك بالنظر إلى الأعداد الغفيرة التي تنتظر ركوب القطار في وقت واحد وهو وقت نفرة الحجاج من عرفات إلى مزدلفة، حيث ينجم عن ذلك الخلل تدافع الحجيج على القطار وعدم التمكن من إغلاق أبوابه وعرقلة تحركه.

 

لذلك، يرى البعض أن المشكلة التي حدثت في قطار المشاعر كانت نتيجة حتمية لإدارة نقل وتفويج الحجيج، فإلقاء الحجيج بأعداد غفيرة في بقعة ضيقة أمام محطات القطار وتغيب بقية الوسائل، والخوف من الانتظار لساعات طويلة على هذا الحال مع عدم وفرة في الخدمات، جعل الحجيج في حالة ضيق شديدة، الأمر الذي أدى بهم إلا التدافع بشكل غير منتظم نحو بوابات القطار لكسر حالة الانتظار الطويلة.

 

كما أن الحجاج المتواجدون ينتمون إلى جنسيات مختلفة، ولا تجمعهم لغة واحدة ولا يعرفون خارطة المكان والاتجاهات ولم يكن أصحاب الحملات متواجدين مع حجاجهم في نقاط التوجيه والانطلاق مما إرباكا لما يجب أن يفعله الحاج وتبقت فكرة وحيدة وهي الوصول إلى بوابة المحطة والعبور إلى القطار.

 

حلول مقترحة:

ونقلت مصادر صحفية اقتراحات تم رفعها إلى الجهات الرسمية من مؤسسات وجهات علمية عالمية محايدة شاركت في متابعة القطار قدمت حلولاً مناسبة لتدارك المشكلة في الأعوام المقبلة وتتلخص هذه الحلول في استبدال المؤسسات المخالفة بمؤسسات تلتزم بالعدد المحدد لها من قبل وزارة الحج، وتخصيص المخيمات الواقعة على مسار القطار فقط لمستخدمي القطار.والعمل على منع الافتراش أسفل محطات القطار، وعمل بوابات للتحكم عن بعد في تدفقات الحشود إلى محطات القطار، إضافة إلى مراقبة المخيمات المستهدفة للنقل بالقطار بحيث لا يغادر منها إلا الحجاج الذين يحملون تذاكر ركوب القطار والحرص على توجيههم في مجموعات لضمان توزيع الكتل البشرية الهائلة بالشكل المطلوب الذي يمنع التكدس والافتراش والتدافع.

 

وأيا كانت الجهة التي تثبت التحقيقات تقصيرها أو خطأها في حادثة القطار، فإنه من غير المقبول أن يتحمل الحاج نتائج ذلك التقصير أو تلك الأخطاء، خاصة مع وجود الإمكانات الهائلة التي يتم تسخيرها للحجاج في أيام معدودات من كل عام.