17 ذو الحجه 1434

السؤال

سؤالي باختصار يتعلق بخروج زوجي المتكرر من المنزل بشكل يومي، فهو يعمل في إحدى الشركات حتى الساعة 8 مساءً، وذلك لمدة ثلاثة أيام، في مدينة أخرى غير تلك التي نعيش فيها، فيعود إلى البيت حوالي الساعة 1 أو 2 ليلاً، أما في الأيام الباقية والتي يعمل فيها في نفس مدينتا، فيرجع إلى البيت حوالي الساعة 12 أو 1 ليلاً، رغم أنه يخرج من العمل الساعة السابعة مساءً.
هذه مشكلتي معه منذ زواجنا، كل يوم يخرج مع أصدقائه ويتركني أجلس طول اليوم وحيدة، جربت معه كل الطرق، لا تقولوا لي دعيه ربما يكون سعيدًا في الخارج، فلماذا تزوجني إذا، أنا أعيش في بلد بها كفار، وكل شيء فيها متاح، والخروج هنا سهل جدًا، حتى للسيدات، وأنا لا أريد أن أضعف، وأريد أن يأخذ زوجي بيدي إلى الإيمان، لكنه لا يفعل ذلك، ولا يغير عليَّ، إلا عندما أقول له: تصرف فأنت الرجل.
ذات مرة كنا في الخارج، وحصل خلاف بيننا، فقال لي بصوت عالٍ: أنتِ ترفضين ممارسة الجنس معي، بلغة أهل البلد التي نعيش فيها، وكان هناك رجل يمر في الشارع في هذه اللحظة فسمعه، فنظر إلينا، فأحسست ساعتها أني رخيصة جدًا.
ومرة أخرى تشاجر معي، واتهمني بأني أرفض ممارسة الجنس معه، وفتح باب الشقة، وقال نفس الكلام بصوتٍ عالٍ، والحقيقة أني لم أرفض ممارسة الجنس معه، إنما كنت أنتظر تركيب وسيلة لمنع الحمل، لأني كنت منذ فترة قريبة قد وضعت بعملية قيصرية ومازلت أعاني من آثارها، فقلت له أحضر واقيًا، وأنا ليس عندي مانع.
أشعر الآن أني أكرهه يا سيدي، كل يوم شجار بيننا، لدرجة أني فكرت في طلب الطلاق منه، فلم أعد أحتمل، فأنا تزوجته لأعف نفسي عن الحرام، وقد كنت أتمنى أن أسمع كلامًا حلوًا من زوجي، لأني لم أصاحب رجلاً غيره، وقد قال ربنا عز وجل في كتابه العزيز: (الطيبون للطيبات)، وزوجي ليس بطيب معي، فأنا لا أريد مشاعر جياشة، وكل يوم يقول لي أحبك، لكنني في النهاية زوجة، وأرغب في سماع كلمة حلوة من زوجي.
لقد قررت أنا الأخرى أن أعيش حياتي أنا وابنتي، وأن أعمل، ولكنه لا يريدني أن أعمل، وإنما يريدني أن أقعد في البيت، ولا أعمل في أي وظيفة، لأنه يعلم أنه لو كان معي مال وعندي عمل فإنه يمكنني أن أتركه، وأفعل ما أريد، غير أني أحاول أن أراعي الله فيه، لكنني لم أعد قادرة على التحمل.
أنا لا أريده أن يلمسني بكره، أنا امتنعت عن الحرام من أجل الحلال، لكن من خلال زواجي اتضح العكس ليّ، فلماذا يجعلون الحلال هكذا؟!، ألست زوجته، عرضه وشرفه، فلماذا يفعل معي هذا؟ّ، أوليس من المفروض أن يشدني هو للدين وليس العكس، فهنا النساء ينمن مع رجال غير أزواجهن، والمتزوجات كن صاحبات لأزواجهن قبل أن يتزوجن منهم، وهن يعشن سعيدات، غير أني والحمد لله لم أفكر في أي شيء من هذا لأنه حرام.
فماذا أفعل؟!، أشعر بأنني أبعد أكتر، وفي كل مرة أقترب فيها من الله عز وجل أشعر بأن البلاء يزداد عليَّ، مشكلتي أني طيبة في التعامل مع الناس، ولكنهم يستغلون هذه الطيبة، لأنهم يعرفون أني مهما فعلوا فلن أتركهم، لكنني لم أعد احتمل، وفي الوقت نفسه فإنني أخشى أن أفعل شيئًا حرامًا، أو أن أخرج معهم أو أفعل مثلهم، أخاف من الله لكنني لا أدري ماذا أفعل؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أختنا الفضلى:
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكِ، وشكر اللهُ لكِ ثقتَكِ بإخوانِكِ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فقد قرأت رسالتك ثلاث مرات، وأدرك مدى الحيرة التي تعانينها – أختنا الفضلى- وأعتقد أنها تحتوي على ثلاثة نقاط أساسية، أولاها: تأخره في العودة إلى البيت يوميًا، وثانيها: خروجه مع أصدقائه كل يوم وترككِ في البيت بمفردك، وثالثها: اتهامه لكِ مرارًا وتكرارًا وبصورة علانية بأنكِ لا ترغبين في معاشرته.
أود بادئ ذي بدء أن أوضح لكِ أن تأخر الزوج في العودة إلى منزله قد تكون طبيعية ومبررة إذا ما كان ينهي عمله في ساعة متأخرة، أو إذا كان هناك ما يقوم به من أعمال الخير والبر، أو صلة الرحم، على ألا يكون ذلك بصورة يومية.
أما تأخر الزوج في العودة إلى بيت الزوجية حتى الساعة الواحدة أو الثانية قبيل الفجر، رغم انتهاء عمله في الثامنة مساءً، دون مبرر منطقي أو عذر مقبول أو سبب مقنع، مع تكرار هذا الأمر بشكل يومي فإنه ولا شك أمر غريب، يستحق الوقوف عنده، وإدارة حوار هادئ- وأكرر هادئ- حوله.
وأنصحك بأن تكوني حكيمة في معالجة الأمر معه، بحيث تختارين الوقت المناسب للنقاش معه في الأمر (وهو في كل الأحوال ليس وقت عودته من الخارج)، وكذا يجب أن تختاري المكان المناسب (وهو بكل تأكيد ليس في حضور أي أحد)، وأن تنتقي الكلمات المناسبة التي تديرين بها الحوار معه، ولا يجب أن تزيدي في الكلام معه عن القدر المناسب للحديث، وهذا كله من دواعي الحكمة، ومن القواعد التي وضعها الإسلام في نصح الآخرين.
أختنا الكريمة:
لا شك أن لكِ على زوجكِ حقوقًا رتبها الشارع الحكيم، منها: أن يوفر لكِ سبل العيش الكريم، من مأكل ومشرب وملبس ومسكن،...إلخ، وأن يحسن عشرتكِ ومعاشرتكِ، وأن يحفظ ودكِ وودادكِ، وأن يكون لكِ زوجًا رحيمًا، وأبًا حنونًا، وأخًا حاميًا، وابنًا محبًا مخلصًا، يزود عنكِ، ويحميكِ، وينفق عليكِ من سعته، وإذا قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله.
كما رتب الإسلام لكِ عليه حقوقًا منها: حق الجلوس معكِ، وإشعاركِ بالإيناس والأمان، وليسبغ عليكِ من حبه وإنفاقه، كما لا يجب أن يحرجكِ أو يجرح كرامتكِ وكبرياءكِ أو يخدش حياءكِ خاصة إذا ما كان في حضور أحد أو في مكان عام أو خارج البيت، لأن أكثر ما يجرح المرأة أن تكشف سترها أو تفضح أمرها أو تذيع سرها.
كما يجب عليه أن يراعي ظروفكِ الصحية، والحالات التي تمرين فيها بمرض أو حيض أو نفاس، أو تلك التي تكونين فيها مجهدة جراء السفر الطويل، أو العمل المجهد في شئون البيت، كأعمال الطبخ أو الغسيل أو النظافة أو...إلخ، وأن يعطيكِ الوقت الكافي للراحة أو الشفاء أو الطهر أو...إلخ.
أختنا الفضلى:
وبعد استعراض كل هذه الحقوق التي منحكِ الإسلام إياها، اعلمي – زادك الله فقهًا- أن الشرع الحنيف رتب عليك واجبات مقابل هذه الحقوق، والتي هي بالأساس حقوق للزوج على زوجته، ومنها:
أ- وجوب الطاعة: جعل الله الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية، كما يقوم الولاة على الرعية، بما خصه الله به الرجل من خصائص جسمية وعقلية، وبما أوجب عليه من واجبات مالية، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: من الآية34].
ب- تمكين الزوج من الاستمتاع: مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه بالعقد إذا طلب، وإذا امتنعت الزوجة من إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحظور وارتكبت كبيرة، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض والمرض وما شابه ذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح". رواه البخاري (3065) ومسلم (1436).
ج- عدم الإذن لمن يكره الزوج دخوله إلى بيته: ومن حق الزوج على زوجته ألا تدخل بيته أحدا يكرهه. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه،....". رواه البخاري (4899) ومسلم (1026).
د- عدم الخروج من البيت إلا بإذنه: من حق الزوج على زوجته ألا تخرج من البيت إلا بإذنه. وقال الشافعية والحنابلة: ليس لها الخروج لعيادة أبيها المريض إلا بإذن الزوج، وله منعها من ذلك..؛ لأن طاعة الزوج واجبة، فلا يجوز ترك الواجب بما ليس بواجب.
هـ- التأديب: للزوج معاقبة زوجته بما يناسب عند عصيانها أمره بالمعروف لا بالمعصية؛ لأن الله تعالى أمر بتأديب النساء بالهجر والضرب الخفيف عند عدم طاعتهن. وقد ذكر الحنفية أربعة مواضع يجوز فيها للزوج تأديب زوجته، منها: ترك الزينة إذا أراد الزينة، ومنها: ترك الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهرة، ومنها: ترك الصلاة، ومنها: الخروج من البيت بغير إذنه.
أختنا في الله:
ويمكنك أختنا الفضلى أن تجلسي مع نفسك أولاً، جلسة صدق ومصارحة، تراجعين فيها نفسك، وتعرضين فيها أعمالك على نفسك، كما أنصحكِ بمطالعة وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس بنت عوف بعدما هيأتها لزوجها ملك كندة، ففيها الخير الكثير – إن شاء الله- حيث التفتت إلى ابنتها وقالت لها:
أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال.
أي بنية: إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت، إلى رجل لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً.
أي بنية: احملي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وذكراً:
1- الصحبة بالقناعة.
2- المعاشرة بحسن السمع والطاعة.
3- التعهد لموقع عينيه، فلا تقع عينه منك على قبيح.
4- التفقد لموضع أنفه، فلا يشم منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن، والماء أطيب الطيب.
5- التعهد لوقت طعامه فإن حرارة الجوع ملهبة، والهدوء عند منامه فإن تنغيص النوم مغضبة.
6- الاحتفاظ ببيته وماله والإرعاء على نفسه وحشمه وعياله، فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، والإرعاء على العيال والحشم جميل حسن التدبير.
7- لا تفشي له سراً، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره.
8- لا تعصي له أمراً، فإنك إن عصيت أمره أوغرت صدره.
9- اتقي الفرح إن كان ترحاً، والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير.
10- كوني أشد ما تكونين له مرافقة، يكن أطول ما تكونين له موافقة، واعلمي أنك ما تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت وكرهت والله يخير لك.
كما أنصحك بالتفكير في أساليب جديدة من شأنها أن تجعل من بيتكِ شيئًا هامًا لزوجكِ في غربته، كأن تبتكرين في الوجبات الغذائية، فتجددين في الأنواع والألوان التي يحبها، وكذا تهيئة البيت بنشر الهدوء والسكينة فيه، وأن تقترحين عليه دعوة أصدقائه الذين يحبهم ويأنس معهم ويخرج كثيرًا من البيت ليقضي وقته معهم، على أن يكونوا مع أسرهم، مع مراعاة عدم الاختلاط، كما يمكنك ان تخرجين معه لزيارة أصدقائه وأسرهم، وهكذا... تقتحمين عليه عالمه الذي يحبه، أو تنقلين له هذا العالم على بيته.
وختامًا:
في تقديري انه من الأفضل للزوجين أن يتفقا على مواعيد ثابتة لقضاء الوتر، شريطة أن تكون مناسبة لكليهما، مرة أو مرتين أو ثلاثة في الأسبوع بحسب حاجتهما وظروفهما وحالتهما الصحية والنفسية ورغبتهما في اللقاء ومدى اشتياق كلٍ منهما للآخر.
كما أنصح كل زوج مسلم أن يتجهز لزوجته كما يحبها أن تتجهز له، وأن يستعد للقائها كما يحبها أن تستعد للقائه، وأن يتطيب لها كما يحب أن تتطيب له، وأن يكون في أبهى حلة لها كما يحبها أن تكون في أبهى حلة له، وأن ينتظرها بلهف وشوق كما يحب أن يراها مشتاقة له متلهفة عليه، وأن يبادلها الكلام الحلو والحديث العذب كما ينتظر أن تبادله الكلام الحلو الحديث العذب، وأن يبتعد تمامًا في هذا اللحظات الجميلة عن العتاب وتوجيه اللوم، وعن الكلمات الجارحة والألفاظ الخارجة، وألا يتذكر لها إلا كل طيب. بهذه الروح وبتلك المشاعر يجب أن يقضيا وقتهما.
وأود أن أوضح لك- أختنا في الله- أن الهدم سهل لكن البناء شاق، وأن الطلاق ليس مجرد كلمة تلقى، وإنما لها تبعات وآثار ونتائج وأضرار، وأنصحكِ بالبعد عن العتاب، وتقليب الماضي، وإلقاء التهم، فإن هذا مما يوغر الصدور ولا يحل الأمور، وعليك بمراعاة الآتي:
1- أن تستعيذي بالله من شر شياطين الجن والإنس.
2- أن تصبري وتحتسبي، قال تعالى: (ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور).
3- أن تجلسي معه جلسة مصارحة تضعين فيها معه النقاط على الحروف.
4- أن تعلمي أن الزمن جزء من العلاج، وأن العشرة كفيلة بتضميد الجراح.
5- أن تلتمسي له الأعذار، وألا تتصيدي له الأخطاء.
6- ألا تتركي الملاحظات الصغيرة حتى تكبر وتصير مشكلات كبيرة.