المؤامرة على الدستور
9 ذو الحجه 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

منذ أن خسرت التيارات اليسارية والليبرالية في مصر معاركها الانتخابية بعد الثورة وهي تركز جهودها على الدستور, في محاولة لانتزاع مكاسب سياسية لا تستحقها متذرعة بعبارات جوفاء وجمل فضفاضة عن "حرية الرأي والفكر وحقوق المواطنة والمساواة", وهي تعبيرات لا يمكن في أي دستور أن تترك هكذا دون بيان وإيضاح وإلا كانت مدعاة لتفويت قوانين تتنافى مع عقيدة وثقافة الأمة..

 

لقد عاد الحديث مرة أخرى عن الدستور بعد حكم محكمة القضاء الإداري أمس بوقف جميع دعاوى حل اللجنة التأسيسية التي تضع الدستور وإحالة القضية برمتها إلى المحكمة الدستورية, وهو قرار اعترضت عليه القوى العلمانية واعتبرته "مسيسا", وهو أمر عجيب عندما  يحكم القضاء لمصلحتهم يعتبرونه مستقلا وعندما يحدث العكس يتهمونه بـ "التسييس" بمعنى أنه يجامل الرئيس وجماعته, رغم أن الحكم الاخير رمى الكرة في ملعب المحكمة الدستورية المناوئة للرئيس الإسلامي والموالية للعلمانيين وهو ما يتضح جليا في إشادتهم بها طوال الوقت, حتى أن بعضهم قال: "ليس لنا غيرها الآن" ..الخطير أن تخالف المحكمة الدستورية جميع الاعراف كما فعلت في حل البرلمان وتسرع باتخاذ قرار بحل التأسيسية مما يضيع أشهرا عديدة ومجهودا كبيرا لاعضاء التأسيسية والذين نزلوا في مواضيع كثيرة على رغبة اتجاهات يسارية وليبرالية ومع ذلك تعرضوا لحملة تشهير كبيرة من قبلهم..

 

والناظر إلى المخطط العلماني بشأن معركة الدستور يجده يستخدم توزيع الادوار للوصول لأكبر قدر ممكن من المكاسب؛ فبعض العلمانيين لم ينسحبوا من اللجنة التأسيسية وظلوا داخلها يسعون لإزاحة الشريعة وكل ما يشير إلى امكانية تطبيقها بشكل فعلي وليس صوري, أما البعض الآخر فانسحب وطالب بحلها وإعادة تشكيلها من جديد ليكون التيار العلماني غالبية داخلها وهنا يستطيع تحقيق مكاسب أكبر قد تعفيه من النزول إلا الشارع والالتحام بالجماهير وتخلصه من عقدة نقصان الشعبية حيث سيستطيع من خلال دستور مزيف أن يطبق أفكاره ويفرضها فرضا على الغالبية التي قد توافق عليه مكرهة لإنهاء حالة الفراغ في البلاد والوصول للاستقرار الذي تبحث عنه منذ قيام الثورة..

 

على الجهة الأخرى نجد الإسلاميين يتخبطون وأشعر وكأنهم لا يجلسون معا  للتخطيط لمعركة من أهم معارك المستقبل فبعضهم يرى سرعة الانتهاء من الدستور مهما كانت التنازلات لأن هذا خير من حل اللجنة والإتيان بواحدة جديدة وطبعا العلمانيون داخل اللجنة يستغلون حالة اللهاث هذه ويضغطون أكثر وأكثر, والبعض الآخر من الإسلاميين يرفض هذه التنازلات ويصر على وضع الشريعة في مكانتها اللائقة ولكنه لا يقدم حلولا موضوعية ولا يقيم تحالفات تمكنه من الضغط داخل اللجنة, كما أنه لا يضغط إعلاميا بالشكل الكافي من أجل أن يوصل هذه الفكرة لجموع الناس ويحشدهم مع أطروحاته في هذا الشأن...المشهد كما هو واضح الآن مليء بالضبابية وتشعر أحيانا أن هناك صفقات ما قد تجري للتوصل لحل يرضي العلمانيين أكثر مما سيرضي الإسلاميين وهي حالة غائمة تعيش فيها البلاد منذ وصول الرئيس مرسي للحكم.. إن جماعة الإخوان والدكتور مرسي عندهم شعور بأنهم وصلوا للحكم برضا العلمانيين وأنهم إذا غضبوا عليهم لن يصلوا مرة أخرى وستفشل تجربتهم, وهو خطأ فادح نجحت حرب العلمانيين النفسية مع قلة خبرة الإخوان في الحكم في جعله أمر مسلم به والتعامل على أساسه في شتى القضايا بداية من قضية الدستور إلى قضية إقالة النائب العام, على الناحية الاخرى لا يلتف الرئيس مرسي وحزبه إلى التعاون والتنسيق الكافي مع التيارات الإسلامية الاخرى وكأنهم لا يمثلون الكتلة الثانية في الشارع ويمكن بالتحالف معهم الانتصار في أي معركة انتخابية قادمة..

 

التحالفات اليسارية والليبرالية تتوالى صحيح أنها هشة ولكن على الاقل جلسوا معا وفكروا وخططوا أما الإسلاميون فكل منهم في واد وكأنهم وصلوا لكل ما أرادوا بوصول واحد منهم إلى الحكم رغم أن التجربة ما زالت في بدايتها ولم تحقق النجاح المطلوب بعد وبالتالي  كتكون الاخيرة لو لم يحسن الإسلاميون تنظيم صفوفهم والتواضع لبعضهم والاعتزاز بمبادئهم وبذل أقصى جهد من أجل الإصلاح دون الالتفات لصيحات الموتورين.