اليسار يتوحد ضد اسلاميي مصر
5 ذو الحجه 1433
علا محمود سامي

منذ تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك عن سدة الرئاسة المصرية يوم 11 فبراير من العام الماضي، والمشهد السياسي على وقع حالات عدة من الاستقطاب، والدخول في العديد من المعارك، ما أرهق هذا المشهد بالعديد من المصطلحات، التي ما يلبث أن يتم تحريرها، الى أن تطفو على السطح مرة أخرى، فتبدو هذه المعارك، كما لو كانت خلايا عنكبوتية لايمكن لها أن تلتئم.

 

من هذه المصطلحات التي جرى تحريرها أكثر من مرة أن الاسلاميين يسعون الى اقامة دولة دينية، على الرغم من النفي المتكرر بأن التيار الاسلامي لايسعى الى اقامة مثل هذه الدولة، وأن الاسلام ذاته لايعرف مثل هذا النوع من الحكم.
غير أن هذا النفي مرارا وتكرارا قولا عبر تصريحات اعلامية وفعلا باستحقاق الاسلاميين لأغلبية برلمانية ومنصب رئاسي ، كل ذلك لم يشفع لغلاة القوم بأنه ليست هناك نية أو رغبة في أوساط الاسلاميين لاقامة مثل هذه الدولة، غير أن ذلك لايقى صداه لدى قوى اليسار ومن على شاكلتهم، ما يجعلهم يعودون من وقت لآخر لتلوك ألسنتهم مثل هذه الافتراءات لارهاق الاسلاميين في مناوشات وخلافات بغية تعطيلهم عن مشروعهم في الاستحقاق الرئاسي.

 

وأمام حالة العبث بالمصطلحات بدعوى هيمنة الاسلاميين على الجميعة التأسيسية المعنية بوضع أول مشروع لدستور مصر بعد الثورة، والسعي لبسط نفوذ التيار الاسلامي على مفاصل الدولة، تحشد القوى الليبرالية والقومية واليسارية من كل حدب وصوب لمواجهة الاسلاميين عبر اندماجات وتحالفات لأحزاب وقوى سياسية، واجتماعات تنفض ثم تنعقد لمواجهة الاسلاميين، وليس هذا من باب التزيد على هؤلاء بشأن موقفهم وعلاقتهم بالاسلاميين، بل باعترافهم هم بأن الهدف من السعي لتجمعهم ووحدتهم هو مواجهة الاسلاميين، وكأن هؤلاء(الاسلاميي) وحاشاهم ولانزكيهم على الله عزوجل بالنبت الشيطاني الذي ينبغي تطهير مصر منه واجتثاثه من أرضها ، للدرجة التي جعلت البعض يؤكد أن معركتهم القادمة مع الاسلاميين، واعادتهم الى مصيرهم الذي كان ابان النظام المخلوع، في اشارة الى توقيفهم مرة أخرى بالسجون والمعتقلات.

 

على هذا النحو نظر هؤلاء الى الاسلاميين، وكأن مشاكل مصر قد تم حلها، وأنه لم يعد عائقا أمام نهضتها سوى الاسلاميين، وأنه وقت أن يتم الاجهاز عليهم واقصائهم من المشهد السياسي، فإن هذا سيكون هو طريق التقدم للوطن المصري، وأنه من دون تهميش الاسلاميين واقصائهم، فلن تتحقق النهضة لمصر، للدرجة التي جعلت بعض من يدعى الثورة بأن يتحسر على اطلاق نشطاء اسلاميين من السجون، في الوقت الذي كان ينغي فيه حسب مطالباتهم اطلاق المحالين لمحاكم عسكرية في قضائية جنائيه، بتهم القتل والاغتصاب والسرقة والاعتداء على منشآت الدولة.

 

يأتي هذا من جانب دعاة الحريات العامة ورفض الاقصاء والتهميش لأي فصيل سياسي، ولكن يبدو أن هؤلاء لا يعرفون الحرية سوى أنها لكل من هم خارج نطاق العمل الاسلامي، وأن السياسة ينبغي أن تكون متاحة لجميع الفصائل والقوى من دون التيار الاسلامي، حتى لايعمل على العودة بمصر الى عصور الظلام والرجعية والكتب الصفراء ، كما يزعمون ويدعون.

 

أمثال هؤلاء كأنهم لم يجدوا في مصر مشاكل وتحديات خلفتها الأنظمة الاستبدادية على مدى 60 عاما من القهر والتعذيب بأنظمة لم تكن تعرف للحريات سبيلا، أو للكرامة طريقا، وكانت ترى أن مقاعدها مرهونة بالقضاء على الاسلاميين، لذلك كان هدفها بالأساس تغييب الاسلاميين إما خلف السجون قهرا أو تكميم أفواههم قسرا، أو تصفيه أجسادهم عنوة، حتى توارثت قوى اليسار في مصر لهذه الأساليب القمعية فذهبت لتعمل على تطبيقها اليوم على الاسلاميين، ولم يدري هؤلاء أن في مصر ثورة أطلقت الحريات من عقالها.

 

غير أن غلاة القوم رأوا أن الاسلاميين وصلوا الى سدة الحكم على أكتاف من قاموا بالثورة، ونسى هؤلاء أو تناسوا الدور الذي بذله شباب الجماعات الاسلاميية عموما في حمايتهم لتخوم ميدان التحرير على مدى الأيام الثمانية عشر يوما، إبان الاعتصام في الميدان منذ 25 يناير من العام الماضي إلى تنحي المخلوع وسقوط النظام.

 

المشهد الحالي يؤكد أن قوى اليسار لم تجد أمام مصر أي من التحديات أو المشاكل سوى أن الاطاحة بالتيار الاسلامي أصبح ضرورة تفرضها الأوضاع الحالية في مصر، لذلك كان توحدهم واندماجهم على نحو ما هو قائم في تحالف القوى الليبرالية ضمن "حزب المؤتمر"، والأحزاب الناصرية في "الحزب الناصري"، والقوى الاشتراكية والقوى ضمن "التحالف الثوري"، وكان عنوان الجميع بلا مواربة هو الاطاحة بالتيار الاسلامي، وعلى الرغم من أن أمثال هؤلاء كان هدفهم هذا بالأساس منذ استفتاء المصريين على التعديلات الدستورية في 19 مارس من العام الماضي، الا أنهم اليوم يترجمونه بصورة أكثر واقعية على الأرض بتحالفات واندماجات، امتدادا لما كانوا يصدعون به المصريين منذ هذا التاريخ بأن الاسلاميين لا هم لهم سوى الهيمنة  والاستقطاب، حتى اذا كان البرلمان بغرفتيه، ادعوا أن الأداء البرلماني لا يرقي  لمستوى تحديات المصريين، للدرجة التي جعلتهم يسيرون مظاهرات ووقفات احتجاجية أمام البرلمان من وقت لآخر لاسقاط الاسلاميين وافشال دورهم داخله، الى أن كان مكرهم وخديعتهم على نحو ما فعلته نائبة رئيس  المحكمة الدستورية عندما طلبت من المجلس العسكري التدخل لحل البرلمان، منعا لتعزيز نفوذ الاسلاميين عليه، الى أن بلغ المكر والدهاء مداهما، عندما استخدم "العسكري" المحكمة الدستورية لاصدار حكم معيب تجاوز اختصاص المحكمة بالأساس، لتصدر حكمها بحل مجلس الشعب منتصف شهر يونيو الماضي.

 

ومع نجاحهم في حل البرلمان تمكنوا أيضا بمكرهم في حل الجمعية التأسيسية الأولى ، واليوم يسعون لابطال "الثانية"، بل والمناداة باعادة الاتخابات الرئاسية، بدعوى أنها لم تفرز رئيسا يعبر عن الثورة أو عن جميع المصريين، ولذلك يقومون بحشد وتعبئة واستقطاب مختلف قواههم السياسية لتحقيق مثل هذه الأهداف، بغية الوصول الى ترجمتها، حتى اذا فشلوا فيها في الهدف الأكبر، كان الأصغر هول الحاصل وهو ارهاق الاسلاميين  واشغالهم عن انجاز الاستحقاق الرئاسي، ليبدو الاسلاميين في أوساط الرأي العام بالعاجزين عن مواجهة مشاكل المصريين.
لذلك تدعم قوى اليسار ومن لف لفيفها في مصر أية مظاهرات أو وقفات احتجاجية، حتى مصابي الثورة وأسر الشهداء يتاجرون بقضاياهم ويزايدون بها على الرئيس محمد مرسي.

 

والواقع أن أمثال هؤلاء لم يقدموا مشروعا أو مقترحا لحل أي من الأزمات الحالة في مصر، بل يعملون على اذكاء ما هو قائم منها والسعي الى تفاقمها، ويصدرون هذه الأزمات الى الخارج، حتى أن أحدهم دعا بوضوح الى أهمية تدويل قضية الجمعية التأسيسية، وتوظيف الدول الكبرى للمطالبة بحل الجميعة أو تعطيل ما يدور بداخلها.

 

هؤلاء وإن كانت الانتخابات البرلمانية والرئاسية قد عكست ضحالة وجودهم في الشارع المصري، الا أنهم يمثلون بنفيرهم الاعلامي موضع ازعاج للمصريين، فهم أصحاب صوت عال واستجداء بالغرب، وامتلاك لسطوة الاعلام ونفوذه، وإن كان الرأي العام قد مل من تنظيرهم والاستخفاف بما يرفعونه، بعدما زعموا مئات المرات أن اختيارات المصريين ليست في مواضعها بالتصويت للاسلاميين، ما جعلهم يحدثون ضجيجا لا طحين من ورائه، وسيتعزز فشلهم هذا عندما تدور الكرة مرة أخرى باجراء انتخابات برلمانية، ليعرف أمثال هؤلاء أوزانهم الحقيقية في الشارع المصري، علها تكون حجرا تلقم به أفواههم، أو توجه بوصلتهم الى جادة الصواب، لتتجه تحالفاتهم الى بناء الوطن وليس الى الاستعداء أو التشوية أوالتشهير.