اليهود ومسودة الدستور
2 ذو الحجه 1433
الهيثم زعفان

لم يكن شهيد حرب العاشر من رمضان يتخيل أن من يقتلهم من اليهود سيخلد ذكرهم في الدستور المصري يومًا ما... مأساة سيشعر بمرارتها كل من شارك في تلك الملحمة العسكرية وما سبقها من آلام وأحزان.
تقدمة بين يدي "المادة الثالثة" من مسودة الدستور المصري المقترحة والتي تنص على أن "مبادئ شرائع المصريين المسيحيين و(اليهود) المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية".

 

 مادة شديدة الغرابة أن تأتي بجُملتها في باب مقومات الدولة الرئيسية؛ ولنا مع كلمة "اليهود" تحديدًا عدة وقفات منها:
أولاً.... سؤال يفرض نفسه ابتداءً ..هل في مصر يهود مصريين؟ ... للإجابة على هذا السؤال أذهب بالذاكرة إلى قبل عشرة أعوام، فقد كنت أجري دراسة عن الجمعيات اليهودية في مصر وتبين لي حينها أن عدد اليهود في مصر 200 فرد معظمهم فوق الستين، قبل أيام خرجت تصريحات بأن عددهم 50 فردًا غالبيتهم فوق السبعين. فهل لأجل هؤلاء المسنين الخمسين الذين لا ذرية لهم في مصر، نصيغ مادة كاملة على وزن مادة الشريعة الإسلامية؟

 

ثانياً... هذه المادة برمّتها لا أنظر إليها إلا نظرة "محاصصة" قبل أن تكون النظرة تشريعية، وعواقب ذلك ستكون "استحقاقية" في المستقبل القريب، وهو ما يمثّل خطورة فعلية على الأمن القومي المصري، وهو ما حاولت الدساتير المنصرمة تجنبه تصريحًا أو تلميحًا في صياغاتها.

 

ثالثًا....إذا حسبنا الأمر كنسبة وتناسب سنجد أن عدد المسلمين في مصر يتجاوز 95% وأن عدد النصارى في حدود 4.5% بواقع خمسة ملايين نصراني وعدد اليهود 50 فرد مسن، وبتأمل المسودة نجد أن المسودة أعطت في مقومات الدولة وما يرتبط بالتشريع مادة غير كاملة ومختلف عليها للمسلمين أصحاب الـ 95%، - لنا معها وقفات أخرى بإذن الله- وأعطت اليهود والنصارى مادة كاملة مفصلة، فما المبرر لذلك ونحن نضع دستورًا، هل تليق المواءمات السياسية في نصوص دستورية؟ وهل مقبول أن نرضخ بعد الثورة بأي شكل من الأشكال للضغوط الأمريكية واليهودية الفاشلة؟

 

رابعاً.... مفهوم أن يدافع المسلمون داخل الجمعية التأسيسية عن الشريعة الإسلامية وبخاصة المتدينين منهم، سواء تيارات إسلامية أو الأزهر الشريف أو حتى الصوفيين، ومنطقي في ضوء ذلك أن تسود الشريعة الإسلامية النص الدستوري، وقد يكون متفهمًا الحرص على النصارى لوجود عدد من القساوسة والمسيحيين داخل الجمعية التأسيسية، لكن ما لا أتفهمه أبدًا ولا أجد له تبريرًا هو " من يدافع عن حقوق اليهود داخل الجمعية التأسيسية"؟ ويسعى لتحقيق مطالبهم ، ويحرص على "تعطير ذكرهم" في الدستور المصري؟

 

خامساً....الآن أستطيع أن أتفهم الدعوات التي أُطلقت مؤخرًا لدعوة اليهود بالعودة إلى مصر، وغالب ظني أن عددًا كبيرًا من اليهود ينتظر بشغف إقرار هذه المادة من أجل الحشد لملء البلد باليهود، ومن ثم تثبيت الأقدام على الأراضي المصرية والدخول في دوامة من الاستحقاقات اليهودية و ما سيصاحبها من "إزعاج يهودي مقزز"؛ ولن أتشاءم بأن يتم توظيف المادة الدستورية جيدًا في حالة الاحتلال العسكري لا قدّر الله.

 

سادسًا.... إن أول مجموعة يهودية ستستفيد من هذه المادة هي جماعة "شهود يهوه" التي تدور حول نفسها من أجل تصريح السلطات المصرية لها بممارسة أنشطتها المشبوهة في مصر ولكن السلطات ترفض بشدة... ومسودة الدستور الآن تقدم الموافقة على طبق من ذهب لليهود؛ ولا عزاء لمدافعة الجاسوسية والانحرافات العقدية.

 

سابعاً...في ضوء هذه المادة لن يكون عندنا "أبو حصيرة" واحد بل ألف "أبو حصيرة" وألف "معبد" ولا أزمة عند القوم لا في الشيكلات ولا الدولارات ولا حتى اليوروهات، ألم تنص المادة على تنظيم اليهود لشئونهم الدينية؟

 

إنني أطالب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن يصدر بيانًا رسميًّا بعدد اليهود في مصر، وعدد النصارى في مصر، وأن نبتعد تمامًا عن فكرة "المحاصصة" في الدستور فهي والله الحارقة المهلكة.
 كما أشدّد في الطلب بأن تحذف كلمة "اليهود" تماماً من مسودة الدستور ، فلن يسمح أي وطني بتمريرها، فكلمة " اليهود" بنظري هي أخطر كلمة في مسودة الدستور المصري.

 

المصدر/ المصريون