عباس.. غياب الاستراتيجية و الشرعية
24 ذو القعدة 1433
حمزة إسماعيل أبو شنب

للعام الثاني على التوالي ينجح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في شرح معاناة الشعب الفلسطيني من على منصة الأمم المتحدة ، وضّح من خلالها ما وصلت إليه الأوضاع في ظل فشل مسار حل التسوية والتعنت "الإسرائيلي" ، ولكن هذا العام أسهب في شرح اعتداءات المستوطنين اليهود بالأرقام وفصّل في قضية الأرض المسلوبة والبيوت المهدمة وذكر عدد الأسرى  .  

 

النجاح ألحقه بخيبة الأمل من الحالة التي وصلت إليها العملية السلمية وتخلِّي الراعي الرسمي الولايات المتحدة وصعوبة حل الدولتين الذي وصفه بأنه قد يصل إلى المستحيل ، ولكن أبقى على الاستراتيجية التي حددها وهي المفاوضات ، وبعد الفرقعات الإعلامية التي صاحبت الذهاب إلى الأمم المتحدة من استحقاق أيلول العام الماضي إلى دولة مراقبة بدون عضوية كاملة إلا أن عباس استجاب للضغوط خلال المرتين .

 

ففي العام الماضي تم التفاهم مع الفرنسيين على دعم طلب دولة غير عضو وكان هذا هو الاتفاق بين الدول العربية ، ولكن نتيجة الضغوط تم تغيير الطلب ليصبح طلباً لمجلس الأمن ، وهذا العام كان الجميع يتنظر موعد التصويت إلا أن المشروع لم يطرح أصلاً واكتفى بالحديث عن التشاور مع الأطراف الإقليمية  استجابة للضغوط الأمريكية التي طلبت الانتظار لحين الانتهاء من الانتخابات الأمريكية .

 

لماذا لا تطالب السلطة بتطبيق القرارات الدولية السابقة (ومنها قرار التقسيم) بدل السعي وراء استصدار قرارات جديدة تضاف لما هو قديم.

 

لماذا لا توقف السلطة التنسيق الأمني
الناظر إلى الحالة التي يدير بها الرئيس الفلسطيني دفة القيادة في حركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية يلحظ بأن الاستراتيجية والخطوات الواضحة غائبة تماماً عن أداء السلطة السياسية ، والافتقار إلى تقديم الحلول التي تخرج من المسار الذي وُضع منذ عشرين عاماً ، فالعودة للمنظمات الدولية بعد أن فشلت سابقاً وغياب الخطوة القادمة  و تكرار الحديث عن المفاوضات والأيدي الممدودة للسلام ، في ظل الوضع المالي الصعب الذي تعيشه السلطة والتي تعتمد على الدعم الخارجي الذي يحميها من الانهيار، فهي تبني سياساتها على أساس الدعم المالي الذي تحصل عليه ، والسؤال : ماذا بعد هذه الخطوة ؟ هل المقاومة الشعبية السلمية هي الحل ، والتي كثر الحديث عنها دون أن نفهم ما هو مقصود السلطة منها ؟ خروج تظاهرات على دوار المنارة وسط رام الله أم تكرار نموذج الانتفاضة الشعبية الأولى؟

 

ويبقى السؤال لماذا لا تطالب السلطة بتطبيق القرارات الدولية السابقة ؟  ( قرار التقسيم ) بدل السعي وراء استصدار قرارات جديدة تضاف لما هو قديم لماذا لا توقف السلطة التنسيق الأمني مع الاحتلال إن كانت الخطوة جدية 
غياب الاستراتيجية لدى عباس هو نتاج لغياب الشرعية ، فالرئيس عباس يقود السلطة وهو منتهي الولاية منذ يناير 2009 وتولى قيادة منظمة التحرير بالاختيار و هي مؤسسة لا تعكس التمثيل الحقيقي للشارع الفلسطيني في الداخل والخارج ، بسبب عدم إجراء الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني الذي يختار أعضاء اللجنة التنفيذية منذ ربع قرن تقريباً ، لا أدري كيف نصَّب عباس نفسه للحديث عن أن الشعب الفلسطيني قد وافق على التنازل عن 78% من فلسطين لتقوم عليه دولة إسرائيل خلال خطابه في الأمم المتحدة ! فلا اتفاق أوسلو عُرِض على الشعب حتى نأخذ رأيه من خلال استفتاء ، ولم يجرِ توكيل بأغلبية الفلسطينيين في الداخل والخارج ، فكيف يقرر ذلك في ظل غياب الشرعيات الفلسطينية التي تمثل الشعب !

 

لقد أسقطت الشعوب العربية من خلال ثوراتها الأنظمة المستبدة والطواغيت التي كانت تجثم على صدورها بالإرادة الشعبية ، فحري بنا في فلسطين أن نلحق بهم بعد أن كنا نسبقهم ، فالمطلوب اليوم هو العودة إلى القاعدة الشعبية   بإجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني ، يصوت فيه كافة الفلسطينيين......واللاجئون والنازحون والمغتربون رغم صعوبة الخطوة ولكنها ليست مستحيلة ، يتم من خلالها تشكيل استراتيجية وطنية واضحة المعالم تعبِّر عن طموحات الشعب الفلسطيني ، يُناقش من خلالها وضع السلطة الفلسطينية : أتبقى أم تُحَل ؟ وطرق وأساليب النضال والمقاومة ، وتشكل مخرجاً لحالة العقم السياسي الفلسطيني والحوار الوطني ,  ولا معنى للحديث عن انتخابات لرئاسة السلطة والمجلس التشريعي في ظل الوضع الراهن .

 

الفرقعات الإعلامية التي يطلقها عباس حول الانتخابات ولجنتها وعدم ترشحه للانتخابات القادمة لا تحميه من الثورة الشعبية ، لأن لغة الكلام تحتاج إلى أفعال ولو كان محقاً فيما يقول ، فأمامه حركة فتح  ومنظمة التحرير وكلاهما لا يحتاج للجنة انتخابات مركزية ، وكما تولى المنصب دون مرجعية شعبية في المنظمة فليتركها كذلك ولتختار فتح من يقودها .

 

لقد سقطت الدكتاتوريات في العالم العربي وسقط الزعيم الأوحد.