من الذي ينتفع من القرآن؟!
22 ذو القعدة 1433
د. محمد العبدة

يؤكد القرآن الكريم في آيات كثيرة على دور الإنسان في التجاوب والتفهم ومن ثمَ الإستفادة من آيات الله المبثوثة في الكون وآيات الله المكتوبة بين دفتي المصحف ( الوحي) ، أي لابد للإنسان أن يقوم ( بفعل ) أن يتدبر ، يتذكر ، يخشى ، يعقل ...

 فهذه الآيات لا تعطي الثمرة المطلوبة والتأثير المطلوب إلا لمن يتلقاها بفهم عميق وروح ايجابية ( قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) .

(وهوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ)

( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )

( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى )

( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب )

( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )

( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد )

( إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب )

إذن لابد من ( فعل ) من جانب الإنسان ، والذي لا يمارس فعل التعقل والتدبر والتذكر فهذه الآيات لن تبلغ منه مبلغ التأثير وستكون حجة عليه ،وسيستمر في ضلاله وعمايته عقوبة من الله ، ليس لأن هذه الآيات هي أمر يعجز عنه ولكن لعدم توفر الإرادة عنده .

 إن أمثال هؤلاء من أصحاب القلوب القاسية المغلقة لا يستفيدون لأنهم زاغوا عن الصراط المستقيم اختيارا ورضا ، وكرها لطريق الهدى والرشاد ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا )

يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " فتوطين النفس على عدم الإنقياد للحق لاينفع معه تذكير ولا وعظ قال تعالى ( نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ) وإذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة فهو كما قال تعالى ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) ( 1 ) قال الشيخ المقبلي في تفسير قوله تعالى ( هدى للمتقين ) : " فهو هدى لمن شأنه وينبغي له وحاله بصدد التقوى ، مثل قولك : هذا السيف سلاح لولدك ، للمقاتل منهم " ( 2 )

إن هذا القرآن هدى وشفاء للذين يؤمنون ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) وقال تعالى ( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ) إن فوائد تنزيله وتفصيله لقوم يعلمون دون غيرهم .

إن فعل ( أسلم ) يدل على شخص يسلم نفسه طوعا لإرادة الله ، وهذا تكريم للإنسان في علاقته مع خالقه سبحانه وتعالى ، فالمصطلحات مثل : خشوع وتضرع وتواضع هي نوع خاص من التسليم لله ، وقد أثبت القرآن أن الإنسان له مشيئة ، قال تعالى ( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ) أي أن الله هو خالق الإستطاعة وخالق الأمور التي تساعد الإنسان على المطلوب ، مثال : الإنسان لم يكسب الماء صفة الإرواء أو الإسهام في إنبات الزرع ، ولم يجعل هذه التربة صالحة للزراعة ولكن لابد للإنسان أن يضع البذرة الصالحة فتنبت بإذن الله إذا توفرت بقية الشروط . وقد جاء في الحديث " إذا مات أحدكم آذننوني حتى أصلي عليه فإن الله جاعل بصلاتي بركة ورحمة ،فالله سبحانه هو الذي يجعل الرحمة وإنما يجعلها بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " إن العباد الذين علم الله أنهم يطيعونه إنما يفعلون ذلك بإرادتهم ومشيئتهم وقدرتهم ، وإن كان خالقا لذلك ، بمعنى أنه هو الذي خلقهم قادرين شائين بما زودهم به من ملكات المشيئة ، ومريدين بما منحهم من إمكانات الإرادة " ( 3 )
=================
1- انظر مؤلفات الشيخ ابن سعدي 3/521
2- الأبحاث المسددة /50
3- انظر الفتاوى كتاب القدر