خالد مشعل.. حبرنا.. وشرنا!
20 ذو القعدة 1433
أمير سعيد

"خائن.. جاحد.. متآمر.. مهزوز.. من فرقة الطبالة"..

 

"نسألك عن عذابات أهلنا المحاصرين في غزة.. كيف تسكت على مواصلة الحصار من الجهة المصرية وقد صار إخوانك في الحكم؟ وكيف ترضى وتتعاون لضرب أنفاق الحرية والحياة كما كنت تسميها؟ أم أن وعود تطبيع علاقاتك بكيان الاحتلال والإدارة الأمريكية وصولاً لتسميتك رئيساً بديلاً للسلطة قد أفقرت المناعة وأسكتت العاطفة وطار الوجع وأطار الفزع.. يا جدع"..

 

"لم تعد مطلوبًا للاحتلال ولم تعد خطراً على أمنه (..) أدمنت على القسمة لمغانم السلطة، تناسيت القدس والضفة وغزة.." (التليفزيون الرسمي السوري)

 

كان قبل أسابيع قليلة، هو "الأخ المجاهد المهندس خالد مشعل" في مفردات السياسة والإعلام السوريين، لكنه الآن قد فقد كل هذا لأنه أبدى تعاطفه علناً مع الشعب السوري وتحدث عن عذاباته!
لا غرابة أن يبدل الإعلام السوري لغته وأوصافه مثلما يغير رئيسه ملابسه، ويتحول من النقيض إلى النقيض؛ فهذا شأن المبطلين دائماً على مر العصور..

 

أسلم حبر اليهود الأعظم عبدالله بن سلام، ولم يكن قومه يعرفون؛ فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت; وإنهم إن يعلموا بإسلامي بهتوني، فأرسل إليهم، فسلهم عني. فأرسل إليهم. فقال: "أي رجل ابن سلام فيكم؟" قالوا: حَبْرُنا، وابن حبرنا; وعالمنا، وابن عالمنا..قال: "أرأيتم إن أسلم، تسلمون؟" قالوا: أعاذه الله من ذلك.. قال: فخرج عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله; وأن محمدًا رسول الله.. فقالوا: شرُّنا وابن شرنا; وجاهلنا وابن جاهلنا.. فقال: يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت!

 

هذا ليس جديداً إذن على اليهود ولا على حلفائهم من المجرمين كأمثال النظام الفاشي السوري، ولكن الجديد فيما تقدم هو حالة الطلاق هذه بين حركة حماس والنظام السوري، التي ساهم الأخير في جعلها بائنة بحملته الرخيصة في قناته الرسمية والتي استدعت رداً فورياً من حركة حماس أعلنت فيه بوضوح اصطفافها مع الحق الشعبي السوري في كنس هذا النظام المجرم؛ فجاء في تصريحها الصحفي: "إن حركة حماس الملتصقة بشعبها ومقاومته وحقوقه إذ تنأى بنفسها عن الدخول في أية مهاترات إعلامية، فإنها ستبقى مع أمتها العربية والإسلامية، وتطلعات شعوبها في الحرية والكرامة والديمقراطية"، لتضع به الحركة النقاط فوق الحروف؛ فما قاله أبو الوليد لم يكن تصرفاً شخصياً، وهو المغادر قريباً لمنصبه كرئيس للمكتب السياسي للحركة بل موقفاً رسمياً ينسحب على كل أطر الحركة وأجنحتها، وربما يمتد إلى مخيم اليرموك نفسه في قلب العاصمة السورية دمشق الذي يحوي بطبيعة الحال ـ كغيره من المخيمات الفلسطينية ـ على موالين لحركة حماس.

 

ونحن هنا لا نحتاج أن نبرئ خالداً عن "تهمة" الخيانة للنظام السورى والجحود لـ"مكرماته" على حماس؛ فلقد طلب حافظ وبشار من الحركة شيئاً ونالوه، وأخذوا مقابل استضافتهم المشروطة لأركان الحركة وقادتها ما أفادوا به في الإيحاء بأنهم داعمون للمقاومة، ولقد اجتهد الحماسيون فظنوا حينها أن الزاوية التي حشرتهم فيها نظم أمريكية الهوى في المنطقة وإلجائهم دون رغبة منهم إلى المحور الإيراني، هم مضطرون فعلاً للجوء إليها.. فخالد لم يخن لكنه فعل ما يتوجب الآن عليه فعله، ولم يكن نظام بشار قد أظهر هذه الوحشية الفظيعة حينما تحالفت معه حماس.. خالد إنما فعل "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين"، فنبذ، وأعلن أن حركته تصطف مع تطلعات الشعب السوري، وتقف مع ثورته، لاسيما بعد أن شرعت قوات الخسة في قصف مخيم اليرموك الفلسطيني بدمشق برغم تجنب ساكنيه القتال ضد عصابات بشار وشبيحته..

 

إن مشعل لم يضل الطريق بل سار وفق معالمه؛ فلقد تصالح اليوم مع أفكاره ومعتقداته حين نظر إلى نظام بشار كرديف واضح للاحتلال الصهيوني الذي ما زال يعاديه؛ فكان النظامان صنوين فعاملهما معاملة واحدة أو حتى إنه لم يشحذ سلاحه ويشهره بوجه النظام السوري الصهيوني مثلما فعل مع نظيره بتل أبيب.

 

ولقد كان وجود حركة حماس الفلسطينية المجاهدة المقاومة ضمن محور إيران أو الهلال الصفوي نشازاً، وظلت طهران ودمشق حريصتين عليه في محاولة لتبييض وجهيهما وإظهار محورهما على أنه محور غير طائفي؛ فوضعه مشعل مؤخراً على السكة الصحيحة، كمحور طائفي منحاز للاستبداد، وإن لم يقل ذلك صراحة أو يبوح بكل ما يعتمل بنفسه تجاهه.

 

 
وإذ صارت المتغيرات بالمنطقة، وهبت عليها نسائم الربيع العربي، وجاء إلى سُدة الحكم بمصر رئيس وحكومة يتفقان مع رؤية حماس حول استراتيجية المقاومة، وبدا أن أكثر من عاصمة سترحب بالقادة الفلسطينيين، ومنهم القاهرة، الحاضنة الطبيعية للقضية الفلسطينية، وأدركت حماس أنها ليست مضطرة لتقديم تنازلات لأنظمة شمولية طاغية، شرعت بإدارة مؤشر بوصلتها بالاتجاه الصحيح، وتبدو اللحظة في صالحها؛ فثمة نظام جديد بشر به منظر السياسة التركية وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، عن نظام شرق أوسط جديد يضم مصر وتركيا إلى جانب دول المنطقة، وهو يعني أن بناءً "سنياً" خالصاً (وإن لم يحمل هذا المسمى أو يدعيه) يتشكل وسيكون لحركة حماس فيه موضعها المكين كأحد أبرز أطراف المقاومة الفلسطينية وممثلة الشعب الفلسطيني الأبرز، ولا حاجة إذن أن تستمر الحركة في محور لا يزيدها إلا خبالاً، يتاجر باسم القضية الفلسطينية فيما هو يعمل لحساب "إسرائيل"، ويقيد حركة "الحركة" إن هي أرادت انطلاقاً..
 

 

أقولها ـ وكل المخلصين للحركة المقدرين لنضالها وبطولاتها ـ لقد آن لكم أن تطلقوا هذا المحور إلى الأبد، ولقد جعل الله لكم في حلفاء شرفاء جدد غنية عن خبال النظم الشمولية الطائفية البغيضة التي تقتل وتذبح في الشعوب الحاضنة للقضية الفلسطينية، ومن أبرزهم هذا الشعب البطل، الذي يقاوم حلفاء تل أبيب في دمشق ويسطر بدمه سجلات تضاهي بطولات حماس وغير حماس في فلسطين الأبية..