إنها معركة خاسرة!
24 شوال 1433
إسماعيل ياشا

 سقوط عشرات القتلى والجرحى من رجال قوات الأمن التركية ومن المواطنين المدنيين في الأيام الأخيرة في اشتباكات مع عناصر حزب العمال الكردستاني أو في العمليات والتفجيرات التي قامت بها هذه المنظمة الإرهابية دفع الخبراء إلى مناقشة الأساليب والطرق المتبعة في مكافحة حزب العمال الكردستاني، والأخطاء التي اُرتكبت في سياسة الانفتاح على الأكراد ومحاولة حل المشكلة الكردية.

 

ويتفق معظم المتابعين على أنه لابد من التفريق بين مشكلة حزب العمال الكردستاني وبين المشكلة الكردية التي تعود جذورها إلى قيام الجمهورية التركية الحديثة على أسس قومية وتجاهل هوية الأكراد وثقافتهم رغم أنهم قاتلوا جنبا إلى جنب مع الأتراك ضد الأعداء سواء في عهد الدولة العثمانية أو في حرب التحرير، ويرون أن سياسة الانفتاح يجب أن لا تتوقف لمنح المواطنين الأكراد كامل حقوقهم الثقافية وغيرها في إطار تعزيز الحريات والديمقراطية كما يجب التعامل مع حزب العمال الكردستاني بحزم وضرب العناصر الإرهابية بيد من الحديد.

 

ويقول المراقبون إن تصعيد حزب العمال الكردستاني وقيامه بالهجوم مباشرة على بعض المناطق مثل منطقة شمدينلي بمحافظة حكاري ومنطقة بيت الشباب بمحافظة شرناق في أقصى جنوب شرق تركيا، يهدف إلى فرض السيطرة على جزء من تلك المناطق، ولو لمدة بسيطة، ورفع علم المنظمة الإرهابية فيها وترويج ذلك إقليميا وعالميا على أن هناك ثورة شعبية كردية ضد النظام التركي ومناطق خارج سيطرة القوات التركية، كما هو الحال في سورية، وبرأي المراقبين والخبراء أن هذه الخطة إيرانية بامتياز للانتقام من تركيا بسبب موقفها من النظام السوري وإشغال الحكومة التركية بالداخل وإبعادها عن سورية. ومما يدل على ذلك، إلقاء القوات التركية القبض على شبكة تجسس تعمل لصالح الاستخبارات الإيرانية وتسعى لإثارة الفوضى والبلبلة في المناطق الكردية بالتنسيق مع عناصر حزب العمال الكردستاني، كما أن إعلام النظام الإيراني يحاول أن يصوِّر الوضع في جنوب شرق تركيا كأنه يشبه الوضع السوري، كَزعمِ وكالة فارس الإيرانية - مثلا - أن رئيس فرع حزب العدالة والتنمية بمحافظة حكاري عبد المجيد تارهان، لم يختطفه عناصر حزب العمال الكردستاني، بل انشق عن الحزب الحاكم ليلتحق بـ"المعارضة الكردية"، على غرار الانشقاقات عن النظام السوري.

 

الخطة الإيرانية هذه لم تنجح حتى الآن رغم هجوم عناصر حزب العمال الكردستاني على المناطق المذكورة بأعداد كبيرة ومنيت المنظمة الإرهابية بخسائر بشرية فادحة في الاشتباكات مع قوات الأمن التركية، فضل الاستخبارات التركية التي علمت مسبقا بخطة الإرهابيين ومن يقف وراءهم، وبفضل وعي السكان وعدم استجابتهم لدعوات القيام بثورة شعبية ضد النظام التركي، ولأن الوضع في تركيا يختلف تماما عن الوضع في سورية.

 

النظام الديمقراطي في تركيا يفسح المجال أمام الجميع للمشاركة في الحياة السياسية سواء كانت عبر الأحزاب السياسية أو كسياسيين مستقلين وهناك عدد كبير من السياسيين الأكراد يمارسون الأنشطة السياسية في مختلف الأحزاب، بالإضافة إلى حزب السلام والديمقراطية الذي يعد ذراعا سياسيا لحزب العمال الكردستاني، كما أن هناك جهودا كبيرة قامت بها الحكومة التركية في سبيل الإصلاح وتعزيز الحريات والديمقراطية وما زالت المساعي مستمرة للوصول إلى حل سلمي للمشكلة الكردية.

 

وأما المنظمة الإرهابية التي تدعي زورا وبهتانا بأنها تقاتل من أجل حقوق الشعب الكردي تعرقل كل الجهود الرامية إلى حل المشكلة الكردية التي لا ترغب في إنهائها، بل تستغلها أبشع استغلال لفرض أجندتها على الشعب الكردي. وكانت هناك فرص كثيرة للتقدم نحو الحل ووقف نزيف الدم إلا أن حزب العمال الكردستاني ضيَّع كلها وضربها إما بهجمات إرهابية وإما بأعمال وتصريحات استفزازية، وفي النهاية رفض إلا أن يكون مرتزقا يقتل الأتراك والأكراد خدمة للنظام السوري  وملالي قم.

 

مكافحة إرهاب حزب العمال الكردستاني لا تستهدف - ويجب أن لا تستهدف - الشعب الكردي الذي يعاني هو الآخر من هذا الحزب وعنجهيته، بل ستسهم في تحرر الأكراد من تسلط منظمة إرهابية ماركسية دكتاتورية ذات أيديولوجية عفَّى عليها الزمن، لأن معظم الأكراد لا يتفقون مع أهداف هذه المنظمة ويرفضون استخدام العنف والقتل بدلا من الحوار والنضال الديمقراطي السلمي. التقارير تشير إلى أن عددا كبيرا من قتلى حزب العمال الكردستاني ممن دون السن الثامن عشر وبينهم فتيات. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: "لماذا يُقْتَل هؤلاء الفتية والفتيات من أجل بقاء النظام السوري الذي حرم الأكراد من جميع حقوق المواطنة وحتى من مجرد امتلاك البطاقة الشخصية وارتكب ضدهم مجازر؟"

 

هناك مثقفون وسياسيون وقادة أكراد يناضلون من أجل حصول الشعب الكردي على حقوقه ولكنهم يرفضون سياسة حزب العمال الكردستاني الذي يمارس عليهم أيضا الضغوط والإرهاب. ومن هؤلاء - على سبيل المثال - السياسي والمفكر الكردي كمال بوركاي، الذي عاد إلى تركيا بعد 31 عاما قضاها في أوروبا بعد تحسن الأوضاع في البلاد في عهد حكومة العدالة والتنمية. ويشدد بوركاي على ضرورة رفع الوصاية التي تفرضها المنظمة الإرهابية على السياسيين الأكراد تحت تهديد السلاح حتى يتمكّنوا من نهج سياسة كردية حرة. ويجب أن لا ننسى أيضا موقف السياسي الكردي الشهير مشعل تمو الذي اغتاله النظام السوري، من حزب العمال الكردستاني وأعماله الوحشية.

 

المعركة التي يخوضها حزب العمال الكردستاني هذه الأيام ضد تركيا نيابة عن القوى الإقليمية والدولية لا شك في أنها معركة خاسرة، لأنها حرب ضد إرادة الشعوب الكردية والعربية والتركية، وستمنى المنظمة الإرهابية بهزيمة ساحقة مع سقوط النظام السوري، وأما شرفاء الشعب الكردي فسيواصلون نضالهم السلمي من أجل حقوق هذا الشعب الطيب وحريته وكرامته.

 

المصدر/ المركز الاعلامي السوري