تسع سنوات في أقبية الأسد
24 شوال 1433
منذر الأسعد

(خمس دقائق وحسب/ تسع سنوات في سجون سورية) عنوان كتاب مهم للسيدة هبة الدباغ، التي تروي محنتها مع جلادي عصابة الأسد في عهد المقبور حافظ الأسد الذي أورث ابنه الجزار الاستبداد بالبلد والدموية الفظيعة وتعذيب السوريين وإذلالهم بصورة نمطية ممنهجة ربما لم يعرف لها التاريخ نظيراً.

 

القيمة التاريخية للكتاب تأتي من أنه حكاية أمينة وتجربة شخصية شديدة الإيلام مرت بها بانة حماة في فترة الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي، أما قيمته اليوم فتنبع من كونه شهادة دامغة على استمرارية الوحشية في حكم عائلة الأسد، فما يجري الآن من مذابح وتنكيل همجي ليس أمراً طارئاً البتة.

 

كانت هبة عندما هجم عليها خنازير النظام في ريعان صباها تتلقى تعليمها في كلية الشريعة بجامعة دمشق، متدينة لكنها لم تدخل في عضوية أي حزب أو تنظيم سياسي من أي صنف، وإن كان أخوها منتمياً إلى جماعة الإخوان المسلمين، وقد هرب من الملاحقة إلى الأردن.

 

اقتيدت هذه الشابة المؤمنة الغافلة وزميلاتها في المسكن، إلى أقبية التعذيب الرهيبة وقال لها الجزارون إنها مطلوبة مدة خمس دقائق، لكنها قبعت تسع سنوات كالحة فقط لأن أخاها هارب من النظام، فتلتقي هناك بحالات كثيرة مماثلة حيث يختطف الجلادون زوجة المطلوب أو والده أو أخاه أو والدته لكي يضطر إلى تسليم نفسه.

 

تحكي هبة معاناتها وآلام زميلاتها في غياهب المعتقلات الأسدية البشعة بذاكرة تلتقط أدق التفاصيل ولا تغيب عنها اللمسة الأدبية العفوية بصدق متدفق وتوثيق نادر ،  وذلك على مدى 229 صفحة،  لتقدم صورة أمينة عن مدى حقد العصابة الحاكمة على الإسلام جملة وتفصيلاً،  وبغضاء دفينة ضد أهل السنة بخاصة والسوريين بعامة، وعنفاً هائلاً يمارسه النظام بلا حساب ضد الجميع لترهيبهم وكبح أي خاطر في قلوبهم لمعارضته.

 

التفاصيل التي ترويها هبة الدباغ تقشعر لهولها الأبدان وتشيب من خستها الولدان، وأصناف التعذيب لا تخطر ببال الأبالسة، وأشدها بالطبع الهزء بالدين وسب مقدساته والتطاول المقصود على رموزه.وكذلك الاعتداء على الأعراض وتعرية بعض السجينات من ثيابهن أمام الخنازير التي لا يضاهيها انحطاط الوحوش المفترسة.

 

ومن المآسي التي عاشتها هبة هناك اعتقال أطفال ونساء حوامل وضعن حملهن في زنازين الجزار، لينشأ الوليد البريء في تلك الأجواء غير الإنسانية!!

 

وبينما كانت هبة تلاقي أشد أنواع الإيذاء على مدار الساعة، كان الطاغوت حافظ أسد يدك مدينتها حماة فوق رؤوس أهلها المسلمين، ليقضي والدها وخمسة من اشقائها نحبهم، ولا تعلم عن تلك الكارثة إلا بعد شهور، فالسجناء في جملوكية الأسد محجوبون عن العالم الخارجي بصورة مطلقة.

 

ويلمس القارئ المنصف أمانة الكاتبة من إيرادها مواقف بعض السجانين الطيبة –ولكن من وراء ظهور الضباط والعناصر المجرمة وهي الأكثرية-، كما تجد تلك الموضوعية في وصفها المحايد لبعض السجينات غير المتدينات  أوغير المسلمات  اللواتي اتصفن بطيبة القلب وحسن التعامل، فذاك ما تعلمته المؤلفة من دينها الذي يوجب عليها العدل والإنصاف والشهادة بالحق مع الناس كافة.

 

إن الكتاب سيرة بلد كامل نُكِبَ بطاغية لا مثيل له بين طواغيت التاريخ كله، وليس حكاية فتاة تم تغييبها وتعذيبها وسرقة تسع سنوات من عمرها بلا ذنب ارتكبته ومن دون أن تعرف سبباً حقيقياً لهذه المحنة!!