الربيع العربي والفرص المتاحة
16 شوال 1433
د. محمد العبدة

مازلنا نسميه الربيع العربي رغم مايظهر هنا وهناك من أخطاء وأشياء تكدر هذا المصطلح، ورغم الذين كانوا حذرين من القادم الجديد تخوفا من أن ينجر هذا القادم إلى الدجل الايراني وحديثه الكاذب عن فلسطين وما يسمى ( المقاومة ) وحديثه الكاذب عن الوقوف في وجه أمريكا، إلى آخر هذا الهراء الذي لايخفى على العقلاء وعلى من يعلم حقائق الدين وحقائق السياسة.

 

مازلنا نسميه الربيع العربي رغم ماحدث ويحدث مثلا في تونس من استقبال لما يسمى حزب الله اللبناني الذي يقتل الشعب السوري، ورغم التصريح المصري بأن ايران هي جزء من الحل وليست جزأ من المشكلة ( كانت كلمة الرئيس محمد مرسي في طهران جيدة وكنا نتمنى أن لايحضر هذا المؤتمر لأن ايران منحازة للنظام المجرم في سورية ) الحرية هي التي تصحح الأوضاع مادام هناك أناس ينتقدون  ويتكلمون الحق .

 

إنها فرصة متاحة للذين تقلدوا الأمور في الدول التي حصل فيها التغيير، فرصة قد لاتعود أو قد تعود بنسبة أقل، ربما لم يكن الذين رشحوا الدكتور محمد مرسي متأكدين من فوزه بالرئاسة، ولكن عندما احتدم الصراع مع المرشح الآخر أحمد شفيق وقفت كل الجماعات الإسلامية وكل المتدينين مع المرشح مرسي، ومع ذلك فقد وضع كثير من المصريين أيديهم على قلوبهم وكادت الديمقراطية – وهذه إحدى سلبياتها – أن تأتي بأحمد شفيق ولكن الله سلم، ويجب ألا ينسى هذا الفضل للذين ساهموا مساهمة قوية في إنجاح الرئيس مرسي،  وهذا النجاح هو فرصة ثمينة لإصلاح ما فسد خلال عقود طويلة، إصلاح في الداخل وفي الخارج، وهو عبء كبير ولكن البدء بالأوليات يخفف من هذا العبء،وقد تكون الرؤية للإصلاح الداخلي واضحة رغم صعوبتها، إصلاح الإدارة والمال، والتعليم والجامعات، والإهتمام بالصحة والتأمين الإجتماعي، ولكن الأمر الذي يجب أن يؤكد عليه هو ما يتعلق بالأحداث في المنطقة العربية وأمن هذه المنطقة، وما يجري في سورية هذه الأيام هو من أكبر هذه الأحداث، ولاينبغي لمصر في مركزها وأهميتها أن تكون بعيدة عن هذا الحدث، ولاعذر لمن يقول : إن مصر مشغولة بأمورها الداخلية .

 

إن عدم الوعي لخطورة أهداف ايران في المنطقة وماتخطط له، ودجلها عن فلسطين لهو شيء يحز في النفس ويقلق بال المسلم، والكل يأمل أن تعود مصر لدورها العربي الإسلامي، وأن تكون دولة فاعلة مؤثرة في سياسات المنطقة، وإن الحيادية في هذا الأمر غير مجدية بل هي مرفوضة . إن منطق الدين والتاريخ يتطلب من حكومة مصر موقفا ايجابيا وقويا مع الثورة في سورية . من لايقرأ التاريخ لايستطيع أن يفهم الحاضر بله أن يحكم على الحوادث السياسية التي تجري هذه الأيام . يقول علي شريعتي – وهو كاتب ايراني - :" من القضايا الواضحة وجود ارتباط بين الصفوية والمسيحية ( الغرب ) حيث تضامن الإثنان لمواجهة الإمبراطورية الإسلامية العظمى  ( الدولة العثمانية ) التي كان لها حضور فاعل على الصعيد الدولي وشكلت خطرا جديا على أوروبا "

 

إن تأمين الحاجات الأساسية للإنسان شيء ضروري ولكن الأهم من ذلك أن يكون للدولة استراتيجية وأهداف كبرى تسعى إليها ولو كانت على مراحل متفرقة، ومن الأشياء التي تساعد الدولة على هذه الغايات أن تفضل الإسلام على كل جماعة أو مؤسسة أو حزب، وإذا كان تقدم الأمة يتطلب أن تمحى جميع اللافتات والشعارات فليكن ذلك، العمل والجهد يجب أن يكون لصالح الأمة وليس لصالح حزب أو جماعة معينة، وهكذا تلتف الأمة حول الدولة .

 

هناك نماذج في تاريخنا من التضحية في سبيل المصلحة العامة، مصلحة الإسلام ومصلحة الأمة، وهو ماقام به السيد العظيم الحسن بن علي في التنازل عن الخلافة ( وقد بايعه أهل العراق ومن كان في جيش والده رضي الله عنه ) وقد كانت كل القوة العسكرية بيده والدلائل الشرعية تؤيده، فهو تتمة الخلافة الراشدة كما جاء في الحديث ولكنه رأى أن هذا الصراع قد اسنفذ قوة المسلمين فتنازل اجتهادا منه وعلى بصيرة.