11 شوال 1433

السؤال

هل الزوجة هي السبب دائما في غياب الزوج عن البيت وكثرة خروجه حتى لو اجتهدت في محاولة تلبية احتياجاته؟

أجاب عنها:
د. صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أختي السائلة الكريمة إن أكبر معاناة تقاسي منها الزوجة هي غياب زوجها عن البيت، حيث تبدأ تراودها الأسئلة وتتبادر الهواجس إلى ذهنها مما يؤدى إلى حدوث مشاكل زوجية بين الطرفين، واتهام نفسها بالتقصير، أو اتهام زوجها بالخيانة، أو وجود زوجة ثانية بحياته، وما أكثر ما تشتكي الزوجات من هذا الغياب المتكرر المبرَّر أحيانا والغير مبرَّر أحيانا أخرى ..

أما جواب سؤالك أختي الكريمة فإن هذهِ الظاهرة لها أسبابها الكثيرة التي لا يمكن أن تتحمل مسؤوليتها المرأة وحدها بل كلاهما أو أحدهما، وأذكر من بين هذه الأسباب ما يلي:

أولا: أوجِّه انتباهك أختي الكريمة وانتباه كل زوجة تشتكي غياب زوجها عن البيت إلى قاعدة مهمة جداً تغفل عنها الكثير من الزوجات وكذلك الأزواج وهي: قاعدة الاختلاف البيولوجي والسيكولوجي بين الرجل والمرأة، والتي أقرَّها القرآن الكريم في آياته منها قوله تعالى: (وليس الذكر كالأنثى) ( آل عمران: 36)
وهذه القاعدة هي جوهر النظرة الصحيحة التي تقوِّم سلوك وتعامل كلاهما، وتبعث الاستقرار والهدوء داخل البيت، وتحيي المعاني الحقيقية للزواج الإسلامي السعيد، فغياب الرجل عن بيته ليس ناتجا في كل حالاته عن تقصير الزوجة أو تقصير الزوج، ولكن لأسباب الاختلاف الطبيعي بينهما، فالرجل بطبعه يختلف في عواطفه وأحاسيسه وانفعالاته، كما يختلف في طريقة تفكيره ومنطقه، وأسلوب تعبيره، وتعامله وسلوكه العام عن المرأة

كذلك المرأة بطبعها تحكمها العاطفة، ويسيطر حبها لزوجها على كل تفكيرها وأحاسيسها، فيصبح زوجها هو بطل قصتها، هو سر سعادتها، وهو ملاذها في كل لحظاتها، مما يجعلها كالطفلة التي انتقلت من حضن أمها وأبيها لحضن زوجها فصارت أشد ارتباطا وأكثر تعلقا به، وهذه حكمة الله في خلق المرأة على درجة عالية من العواطف الجياشة، والأحاسيس الرقيقة والناعمة، لأنها موطن الحب والرحمة والحنان التي يحتاجها الزوج، فكلاهما يهب للثاني نصفه الآخر الذي يفتقده، ويحقق معا التكامل والتوازن

فالبيت بالنسبة للمرأة مملكتها والرجل هو سلطان يتربع على عرشها، والبيت بالنسبة للرجل سكن يأوي إليه ويبحث فيه عن الراحة مع إنسانة تحتوي كل همومه ومشاكله، وتتقبَّل كل حالاته وطباعه، لأن عالمه أكبر من البيت والأسرة، ومن الزوجة والأولاد، فهو يتحمل من المسؤوليات والأعباء ما يشغله، ويستغرق معظم وقته، والرجل بطبعه إنسان اجتماعي لا يستطيع أن يسجن نفسه داخل محيط واحد هو محيط البيت والأسرة، أو يختلي في كل حالاته بزوجته، ، بل هو ينشد دائما الحرية ويحب مخالطة غيره والاستفادة من أفكارهم واستشارتهم، والترويح عن نفسه بالجلوس مع كوكبة من أصدقائه، أو ممارسة هواياته المفضلة، أو الاختلاء بنفسه في مكان يمارس فيه التعبير عن حريته ، ولللتخلص من روتين العمل، ومن الضغوط اليومية، ومن المشاكل الأسرية ..

ثانيا: كثرة المشاكل بين الزوجين، وحدوث الخلافات المتكررة، وعدم وجود الراحة التي ينشدها الزوج داخل بيته، تدفعه للهروب والفرار إلى أي مكان آخر حيث يجد الهدوء والراحة والسكينة ..

ثالثا : كثرة المسؤوليات والأعباء التي يتحملها الزوج خارج بيته، وما تحتِّم عليه وظيفته أو منصبه من واجبات المتابعة والدقة والإدارة الجيدة، أو كثرة ساعات العمل، أو مزاولة أكثر من وظيفة وعمل خارج بيته لتوفير احتياجات أسرته أو لقضاء ديونه أو توسيع أبواب رزقه ..

رابعا: كثرة علاقات الزوج الاجتماعية لأجل مصلحة العمل أو الوظيفة التي يزاولها، أو لأن من عاداته التي تعوَّد عليها قبل الزواج السَّهر والمسامرة مع مجموعة من أصدقائه خارج المنزل، وليست حالة جديدة ظهرت بعد زواجه .

أما الحلول التي أقدمها للتخفيف من هذه الحالة فهي كالتالي:

- على الزوجة العاقلة الحكيمة إن رأت تقصيرا منها أن تبادر لإصلاحه، وأن توفِّر لزوجها أسباب الراحة والسعادة التي يفتقدها داخل بيته ويبحث عنها خارجه،

- أما إن كانت تلبِّي كل طلباته ولا تقصِّر في حقوقه، فما عليها إلا أن تعتبر كثرة خروجه من بيته يعد من أسباب سعادته، وعليها أن لا تحرمه من ذلك، ولا تجبره على البقاء داخل البيت لإرضاء رغبتها الشخصية، بل عليها أن تشعره بحريته في الاختيار، وتمنحه فرصة الاستمتاع بوقته والاختلاء بنفسه، ولا تضخِّم المشكلة، ولا تتذمَّر وتكثر الشكوى إليه، وحينها سيعود حتما إلى بيته وزوجته التي تسعى دائما لإرضائه .
كذلك على الزوجة أن تعمل في صمت وهدوء وذكاء لجذب انتباه زوجها وامتلاك قلبه، وابتكار أسباب جديدة تحبِّب إليه العودة إلى بيته وملازمته:

- كأن تجعل بيته دائما جميلا ونظيفا ومرتبا ورائحته طيبة، وأن تضفي عليه لمساتها المبدعة، وكلما عاد من عمله ودخل بيته شعر بأنه في بيت جديد يشد انتباهه، ويستريح بالجلوس في كل زاوية فيه وكل ركن وكل مقعد،..

- أن توفِّر الزوجة لزوجها أسباب الراحة والهدوء، وتتجنَّب استقباله بالعتاب أو الشكوى، أو الحديث عن المشاكل، وما يحتاجه البيت من مصاريف ونفقات الأولاد .. وكل ما يمكن أن يزعجه ويكدِّره من أحاديث أو تصرفات تجبره على الفرار من البيت لتنفس هواء نقي ومنعش .

- تعامل الزوجة مع زوجها داخل البيت وأمام أولاده بحب واحترام، والتعبير عن تقديرها وافتخارها به، وبعمله، وسعادتها بوجوده معها، وإظهار استمتاعها بحديثه و تقبُّلها لنصائحه وإرشاداته، والرَّفع من قيمته ومكانته الكبيرة التي يحتلها داخل قلبها وحياتها، فهذا سيشعره بالمتعة ويسعده.

- اهتمام الزوجة بأناقتها ومظهرها وشكلها العام أمام زوجها، لأن الزوج يبحث دائما داخل بيته عن عروس جميلة ومرأة متجدِّدة تملأ عينه وقلبه وحياته ..

وختاما: مهما كانت الأسباب التي تدفع الزوج لترك بيته وكثرة خروجه، فالزوجة المؤمنة الصالحة، والعاقلة الحكيمة هي التي تجاهد وتصبر وتتقرَّب إلى الله بطاعة زوجها وإرضائه ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، ولا تقف عند محطة الانتظار تترقّب حضور زوجها والأسئلة تسمم أفكارها متى يعود؟ ولماذا لم يعد؟ وما أسباب عدم عودته؟ .. بل عليها أن ترتقي بعواطفها وأفكارها إلى التنقل عبر محطات جديدة، تنمِّي قدراتها وكفاءاتها في التعبير والتعامل، وفي التصرف والسلوك، وفي المظهر والتنظيم ، وفي الإدارة لشؤون حياتها وبيتها..

ولتعلمي أيتها الأخت الكريمة بأن البيت هو مملكة المرأة، وهي من تملك أن تنجح في أن تكون السلطانة المتوجة على عرشه، أو تفشل في أن تكون كذلك فتظل مجرد خادمة أو موظفة تدير شؤونه ...