رسائل مرسي للحرس القديم في مصر
1 شوال 1433
علا محمود سامي

القرارات الثورية التي أصدرها أخيرا الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي وتتعلق بتغييرات هيكلية في قيادة المؤسسة العسكرية تعكس رغبة قوية من الرئيس المنتخب بأكثر من 13 مليون بأنه على وقع تحقيق آمال المصريين في اقامة حكم رشيد ببلادهم، بعدما حرموا منه لأكثر من 80 عاما .

 

وما فعله مرسي على مدى 40 يوما بالإجهاز على اشتغال المؤسسة العسكرية بالسياسة ، لايزال القادة السياسيين يعملون عليه  في تركيا منذ أكثر من عقد لإنهاء امساك "العسكر" بتلابيب السياسة والهيمنة على المؤسسة القضائية منذ اكثر من ثمانية عقود أيضا.

 

ولذلك حرص مرسي وهو يواجه "دولة الاستبداد والفساد" المتجذرة منذ النظام المخلوع على أن ينسف رأس هذه الدولة بالتخلص ممكن يمكن أن يكونوا غصة في حلقة مشروعه لنهضة مصر، والذي انتخبه المصريون بناء عليه، لتكون هذه رسالته الى القاعدة في مثلث ما صار يعرف بالدولة العميقة.  

 

من هنا لا توصف قرارات الرئيس محمد مرسي الأخيرة بأنها استهدفت إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بتغيير العديد من قياداتها وفقط، بقدر ما وصفت بأنها حملت العديد من الرسائل للحرس القديم، الذي لا يزال قائما في العديد من مفاصل الدولة المصرية.

 

ولذلك أراد مرسي أن يشتبك مع السلطة التي كان يستشعر أنها توازيه، وهي المجلس العسكري بتركيبته السابقة، ليوجه رسائل عدة من خلالها إلى الحرس القديم، بدأها بقيادة المؤسسة العسكرية ليضعهم في استراحة المحاربين، على نحو ما كان ينظر إليه في دوائر المؤسسات المختلفة، بأن المجلس العسكري لا يزال هو الممسك بزمام الأمور، على الرغم من انتخاب رئيس جديد يفترض أنه يتولى زمام السلطة.

 

من هنا حرص مرسي على أن يوجه رسائل للحرس القديم بداخل بالدولة العميقة، بأنه هو الرئيس الفعلي، وأنه لا توجد سلطة توازيه، وأنه صاحب القرار، بل والقادر على تنفيذه، وفق ما ترجمه على الأرض بالإطاحة بالقيادات العسكرية، التي يرى فيها الحرس القديم أنها امتدادا للنظام السابق، ولذلك كانت تعول عليه في أن تبادر هي بالإطاحة بمرسي قبل أن يطيح هو بها.

 

وربما يكون الرئيس المصري قد استشعر ذلك سريعا عندما اتبع عنصر المباغتة وما يشاع في المصطلحات العسكرية بالصدمة والرعب بإصدار مثل هذه القرارات على هذا النحو المفاجئ، وهى القرارات التي أصابت بالفعل أركان الدولة الميقة بكل فسادها واستبدادها، في ظل تسارع وتيرة الدعوات للتظاهرة يومي 24 و25 أغسطس الجاري للإطاحة بالرئيس مرسي وحل جماعة الإخوان المسلمين.

 

هذه الدعوة للتظاهرة المليونية المزعومة رأى فيها مقربون وداعمون من مرسي أن الحرس القديم بمؤسسات الدولة يدعم هذه الدعوات، وأنها ستكون مفصلية بالنسبة لهذا الحرس، كمحاولة للإطاحة بمرسي وحل "الجماعة"، واستثمار حالة التباين السياسي تجاه الرئيس من جانب بعض القوى لدعم المظاهرات المناهضة لمرسي.

 

وما عزز من رغبة الرئيس المصري في الإجهاز على أي تحركات مناوئة له ما تردد عن اشتراك عدد من أفراد الشرطة العسكرية المحسوبين على قائد الشرطة العسكرية السابق حمدي بدين، الذي أقاله مرسي مؤخرا، بهذه التظاهرات، وهي الرغبة التي استبقها مرسي بقول شهير فور توليه منصبه للمتطاولين عليه "اتقوا حلم الحليم"، ويبدو أنه أراد أن يترجمها بجملة قراراته لتكون رسالة الى من تسول له نفسه بالانقضاض على شرعيته المستمدة من الشعب الذي صوت 13 مليونا من جملة المقترعين لصالحه.

 

وهي الرسالة التي لم تكن أيضا تجاه المحاولين للانقضاض على شرعيته، ولكن للحرس القديم بكل مكوناته وتغوله في مفاصل الدولة، وكأن رسالته يتم قراءتها على نحو أن القادر على الإطاحة بقيادات هذا الحرس، قادر على الإطاحة بعناصره وكوادره الأخرى، في ظل ما ينظر إلى وزير الدفاع المقال المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان المقال أيضا سامي عنان بأنهما من نشأ في أحضان النظام القديم، وعلى الأخص وزير الدفاع السابق الذي تولى منصبه قبل عقدين، وكان قبلها قائدا للحرس الجمهوري، ما يعني أن الرجل كان شاهدا على عصرا بأكمله بكل فساده وجرائمه ضد المصريين ، ولذلك قامت الثورة للإطاحة به، واقتلاع جذوره بالأساس.

 

لذلك يرى المراقبون أن هذه القرارات سوف تتبعها قرارات أخرى قد تمس بنية الدولة العميقة ذاتها للتعامل معها غير أن أخطر ما يمكن أن يواجه مرسي في تعامله مع بنيان هذه الدولة توغل عناصرها في المؤسسات المختلفة عبر أجهزة المحليات الأمر الذي سيجعله أمام إنجاز ملف حركة المحافظين ورؤساء الأحياء بالصورة التي تدعم قراراته الفوقية التي اتخذها ليكون التخلص من قواعد الحرس القديم وليس فقط رؤوسه.

 

ولذلك وصفت قرارات مرسي بالجرأة وتعزيز النفوذ على مؤسسات الدولة، وخاصة العسكرية منها، إلا أنها وصفت باستباقها للزمن وما يمكن أن يشهده من تطورات ضده، في ظل حملات التشوية التي يسعى الى تكريسها الكثيرين ممن يدعون الوطنية ويزايدون على حبهم لوطنهم بدعم قوى الثورة المضادة، بدعوى الحديث عن مواجهة "أخونة الدولة"، على خلفية ما يتوهمونه باتجاه جماعة الاخوان المسلمين الى فرض هيمنتها على مفاصل الدولة المصرية.

 

ولم تكن هذه القرارات التي وصفها معارضوه قبل مؤيدوه بأنها تاريخية وجرئية تستهدف توجيه رسائل لتغول الدولة الميقة وفقط ، ولكنها استهدفت أيضا نسف مجرد التفكير للمؤسسة العسكرية للاشتغال بالسياسة على كافة وسائلها، خاصة في المرحلة الراهنة على الأقل في ظل رئيس منتخب، ومع ما كان يعطيه لها الإعلان الدستوري المكمل من الإمساك بتلابيب التشريعات والموازنة العامة للدولة والجمعية التأسيسية للدستور حال فشل القائمة حاليا، فضلا عن كل ما يتعلق بشئون المؤسسة العسكرية.

 

من هنا ، حرص مرسي على ألا يكون رئيسا شرفيا مقيدة صلاحياته، أو أن يكون قائدا رمزيا أيضا للقوات المسلحة، دون ممارسة اختصاصاته تجاه هذه المؤسسة على الرغم من خلفيته المدنية، ولذلك كانت قراراته، التي لم تكن تستهدف وفقط انتزاع صلاحياته بإلغاء الإعلان المكمل الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة منتصف شهر يونيو الماضي، ولكن لإنهاء نفوذ المؤسسة العسكرية على المشهد السياسي، بل قد يكون في تفسير المراقبين أبعد من ذلك، فإنه قد يكون إقصاء للمؤسسة العسكرية عن المشهد السياسي على مدى عقود عديدة قادمة، لما سيعمل عليه بأن يكون دور المؤسسة مركزا فقط في شئون مهامها العسكرية، والتواجد بالثكنات لعدم حلحلة هذا الدور في إغراقها بالأمور السياسية، خاصة وأن هناك عدو خارجي بها على الحدود، على نحو ما كان في العام 1967 بكل سلبياته باحتلال سيناء، فضلا عن العدو الآخر الداخلي والذي يستهدف أطراف الوطن أيضا على غرار كارثة مدينة رفح على الحاجز الحدودي، والتي أدى الانشغال بالسياسة على المهام الأصيلة لمسئوليها الى وقوعها، لتأتي القرارات الرئاسية بمثابة تصويب للمسار.