المسيري وقرارات مرسي!!
26 رمضان 1433
منذر الأسعد

في هذا اليوم فاجأ الرئيسُ المصري المنتخَب محمد مرسي فاجأ الجميع في مصر وفي العالم بجملة قرارات جريئة اجتث فيها جذور الهيمنة العسكرية على البلاد بما يمثل امتداداً غير مباشر لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.

 

وهي قرارات نمطية "روتينية" في أي بلد طبيعي لكنها إنجازات ثورية في الوضع المصري، حيث قبض جنرالات المجلس العسكري الأعلى على السلطة الفعلية بالرغم من انتخاب رئيس مدني للمرة الأولى في تاريخ أرض الكنانة.
هنا أدرك استغراب كثير من القراء الأفاضل لإقحام هذه التصرفات في نطاق مقالة ثقافية!!

 

والحقيقة أنها لا تنفصل عن محنة أمتنا في العصر الحديث في ضوء سيطرة الخطاب التغريبي على كل شيء بقبضة القوة العارية، حيث اصطنع القوم أكذوبة الدولة الدينية كفزاعة لديمومة الاستبداد والفساد على البلاد والعباد.

 

وهنا أستذكر المفكر الكبير الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، تلك القامة الفكرية السامقة، والتي كانت تؤرق القوم وتهز مضاجعهم، لأنه تصدى لدجلهم من خلال رؤية إسلامية مدعومة بعمق فكري غزير، وهو القادم من خلفية تغريبية سابقة تغلب عليها الرجل بجرأة نادرة.

 

فهذا المفكر الفذ أبدع في تعرية العلمنة في سِفْره القيّم (العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية)، وكذلك في كتيّبه الجميل ( فكر الاستنارة وتناقضاته)، فأفحم تجار الفكر المتغربين بالبحث العلمي النزيه وبالأدلة القاطعة، مستخدماً ثقافته الغربية الموسوعية، فألقمهم حجارة وحجارة وحجارة.

 

أعاد المسيري هراء القوم إلى مهده الفعلي فالعلمانية نشأت في الغرب لفصل الكنيسة عن الدولة، في ظل ثورة فكرية وسياسية على سيطرة كهنة الكنيسة على السلطات كلها بالتواطؤ مع حكام طغاة كانوا يفترون على الله الكذب فيزعمون أنه سبحانه قد فوضهم حكم البشر حكماً مطلقاً، وتؤيد الكنيسة طغيانهم فتسبغ عليه رداء دينياً محرفاً يجعلهم فوق النقد فضلاً عن إمكان مساءلتهم!!

 

وفي هذه النقطة المفصلية فضح المسيري خداع التغريبيين لعامة الناس، بتزوير معاني العلمانية وتقديمها بأغلفة زائفة ليس لها من الحقيقة أدنى محتوى.

 

واليوم تبين للمصريين-ومن ثم لسائر العرب والمسلمين- بالدليل الناصع أن الإسلاميين هم الصادقون في حماية الدولة من عدوان المستبدين عليها سواء أكان هؤلاء المتغولون عسكريين أم "رجال دين" بحسب المصطلح الغربي الذي يأباه الإسلام. وبعد عقود من تعاون التغريبيين مع الطغاة مع أنهم يرفعون شعارات الحرية والحقوق والعلم والموضوعية، إلى آخر أكاذيبهم، رأيناهم حتى بعد نهوض الشعب المصري في ثورته السلمية، يواصلون انحيازهم إلى الاستبداد لأنهم أدركوا استحالة أن يختارهم الناس في أي انتخابات حرة ونزيهة.

 

ولذلك هاجوا اليوم وماجوا ضد قرارات مرسي بالرغم من رضوخ العسكر لهذه القرارات، لأن العسكر يعلمون علم اليقين أن الرجل جاء إلى منصبه من خلال انتخابات حرة وشفافة بوجه عام، أما الجنرالات فلم ينتخبهم أحد، وهم اعتدوا على السلطة بذريعة حماية البلد!

 

إننا نجدد ذكرى المسيري لأنه كان بشير ثقافة الأمة الأصيلة، التي يجب أن تسود، والتي يستحيل على ثقافات تناقضها أن تسود، في أي مناخ طبيعي يخلو من القمع والقهر.

 

لقد اندحرت ثقافة العلمانية الزائفة إلى غير رجعة، وتبين للجميع عقمها وعجزها عن تقديم أي خير للأمة في أي مجال، هذا إذا غضضنا النظر عن إفلاسها الفكري وتناقضاتها المضحكة.

 

فحتى بالمقاييس النفعية العملية ثبت لكل ذي بصيرة أن ثقافة التغريب لا تهيمن إلا بحماية القهر والبطش، وأنها لا تقود إلى الهزائم العسكرية والاقتصادية فضلاً عن الهزيمة الحضارية وهي أم الهزائم التي جلبوها على أمتنا عقوداً مديدة من الزمان، لكن أبواقهم التي تحترف الدجل دأبت على تقديم الهزائم على أنها " انتصارات" تاريخية باهرة!!

 

ولعل كبار السن يذكرون احتلال الصهاينة لشبه جزيرة سيناء في عدوان عام 1956م على مصر لكن أبواق النظام الناصري ضحكوا على جيل كامل فتصور أن عبد الناصر انتصر على العدو.

 

وأما كارثة 1967م –والتي سموها: نكسة!!- فلطالما كذبوا جهاراً نهاراً بصفاقة غير مسبوقة فادعوا أن اليهود لم ينتصروا فيها، بالرغم من احتلالهم سيناء والجولان السوري والضفة الغربية!!فالمضحك المبكي تمثل في أكذوبة أن اليهود حاربونا لكي يقضوا على الأنظمة "التقدمية" وهي نظام عبد الناصر المستبد في مصر ونظام البعث المستبد في سوريا!!

فهل كان اليهود يحلمون بأنظمة حكم عميلة أكثر من هؤلاء الخونة الذين قدموا لهم ضعفي مساحة فلسطين بلا قتال لكي يفكروا بالقضاء عليها!!