استغلال الدولة العميقة لجنازات الشهداء .. تركيا نموذجاً
21 رمضان 1433
أحمد يوسف

 لقد كان حادث مقتل الجنود المصريين على الحدود المصرية مع حدود فلسطين خبرًا أدمى قلوب كل المصريين قبل أن يدمي قلوب آباء وأمهات المفقودين.

إن التحليلات التي رأيناها حول الحادث تقول في غالبيتها بتورط إسرائيل وأطراف أخرى من مصلحتها إرباك الوضع المصري في الحادث.. إذا غضضنا الطرف عن الحادث نفسه وتطرقنا إلى ما بعده، حين ننظر إلى الشخصيات التي تم الهجوم عليها هي شخصيات محددة وبعينها فلم يهاجم أحد قيادات الجيش مثلًا أو عمرو موسى أو حمدين صباحي .. بل هو أمر مدبر ومدروس.

عندما نتكلم عن التجربة التركية والاستفادة منها ففي أيدينا كمية من الأحداث الضخمة والكثيرة التي مرت بها تركيا على مدى 50 عاماً من التحول الديموقراطي والصراع بين اليمين واليسار والصراع بين العسكر والأحزاب الإسلامية.

المتابع للواقع التركي بشكل جيد يرى مثل هذه الأحداث في جنازات شهداء الجيش التركي الذي يهاجم على الحدود من قبل العصابات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني.

بعد الإطلاع على العديد من المصادر والبحث عن الأحداث الشبيهة التي حدثت في تركيا بالوضع الآن في مصر نجد عدداً من الوقائع الشبيهة بنفس الحدث ومن أُناس مجهولون يهاجمون شخصيات بارزة ورجال الدولة.

مختصر تلك التحقيقات التي أخرجتها المحاكم أثناء العمل في قضية الانقلابات العسكرية في تركيا المعروفة بـ "إركنكون" يحكي عن نتيجة لتحقيقات في حادثة تحريض وهجوم وضرب في جنازة شهداء أتراك وقعوا قتلى في هجوم مسلح.. تفيد التحقيقات أن الذين قاموا بالهجوم والضرب يريدون تحويل الجنازة إلى مظاهرة واستغلالها سياسياً.

من ضمن القضايا التي وردت في أحد التقارير المسجلة في قضية "أركنكون" يقول التحقيق أن جمعية "علمانية" اتفقت أن تُوفر حضور ومشاركة ضخمة في الجنازة ووجدت في أوراق إحدى الجمعيات اتفاقات ونصائح حول تحويل جنازات الشهداء إلى حالات من السخط ضد الحكومة والدولة والحزب الحاكم (العدالة والتنمية).

وأن مؤسسة تدعى "جمعية الفكر الأتاتوركي" والمرتبطة "بالدولة العميقة" بالانتقال إلى مدن أخرى بها جنازات خصيصاً للهجوم على رجال الدولة، تقول التحقيقات التركية أن أعضاء تلك الجمعيات كانت سبباً في إندلاع واضطراب الوضع في الجنازات في مدينة أزمير على سبيل المثال.

 

استهداف رجال الدولة
وقبل انتخابات الرئاسة التركية السابقة كان هناك جنازة لشهداء الحدود قام بعض المجهولون بالهجوم اللفظي والفعلي على أعضاء معينين في الحكمة ونائب رئيس الوزراء الحالي "بولنت أرينج" وقالت الفيديوهات التي تملكها الشرطة في مدينة "مانيسا" (وسط تركيا) أن أعضاء تلك الجمعيات هي من قامت بالهجوم.

 

إخراج الصراعات الكردية – العربية من فعل الدولة العميقة
قال التحقيق رقم (2) في قضية الانقلاب العسكري "أركنكون" أن هذا التنظيم هو من دبر لأعمال من شأنها تأجيج الصراع التركي- الكردي؛ إخراج أحداث أثناء الجنازات ورفع أعلام عرقية وتمزيق العلم التركي أمام الناس لإثارتهم.

 

عمليات تحريضية منظمة تديرها مؤسسات مرتبطة بالدولة العميقة
في إحدى المضبوطات في القضية مكالمة تليفونية مسجلة لزعيم عصابة ومعه من تحته يحدثه عن ما سيفعله في إحدى الجنازات حيث قال "الشعب لا يفهم؛ نحن من سنسيطر من الأعلى، علينا أن نتسلح، الأكراد يفعلون هذا جيداً، ليقتلوا كل يوم 5 أفراد، وكلما حانت الفرصة أججنا الوضع، علينا أن نؤجج الوضع بشكل مستمر حتى لا تذهب الدولة من يدنا" .

تحمل تلك القضايا ملفات كثيرة جداً تثبت هذه الاحداث التي تدار بشكل دقيق أن تلك العصابات المدارة من قبل الدولة العميقة تعمل على تأجيج النعرات الطائفية والعرقية واستخدامها في جنازات الشهداء على وجه الخصوص لتحريك عواطف المواطنيين.

من ضمن العمليات التي يقوموا بها هو تحريض المواطنين بعضهم على بعض، وتنظيم الاغتيالات، وعثرت كذلك على خطط دقيقة ومُحكمة لتغيير العواطف الدينية والقيمية والهوية لدى الشعب على المدى البعيد.

التحول من الإسلامية إلى أي شيء آخر
من ضمن الأشياء الملفتة للنظر أيضًا في التحقيقات أن أحد المحامين المتهمين في القضية أعترف بأهداف أخرى بين الأهداف التي قررها التنظيم الانقلابي هو تحويل الشعب التركي عن الدين الإسلامي وتوصيل مفهوم لدى الأكراد أن الترك يدهم ملطخة بالدماء لخلق الكراهية بينهم؛ وهذا ليس من البعيد تطبيقه بين كثير من الأطياف المصرية خصوصاً من هم على الحدود كالسيناويون والبدو والنوبيين وإثارة المخاوف لديهم والتأكيد على أن الدولة ظلمتهم وسبلتهم حقوقهم وأهدرت كرامتهم .. إلخ.

 

مثقفون وصحفيون وإعلاميون بين الانقلابين
حمل أحد التحقيقات تورط أحد الصحفيين في تناول تعليمات لتوصيل مفاهيم ومصطلحات ومعلومات معينة في أعماله الصحفية لتأثيره على نسبة مقدرة من الشعب.

في عام 2006 حضر عدد من رجال الدولة جنازة بعض الشهداء في أنطاليا قام البعض بالهجوم على وزير العدل وقتها "جمال شيشك" وبل تم خطفه لعدة دقائق من قبل بعض الأشخاص، تم أيضا التظاهر ضد "عبد الله جول" الرئيس الحالي لتركيا الذي كان وزيراً للخارجية حينها، وقاموا بالهتاف للجيش والتصفيق له وقاموا بالهتاف ضد الوزراء والحكومة ووصفوها بأنها "الحكومة القاتلة".

الذي نريد أن نستخرجه من هذا المعلومات أن الوضع الذي تعيشه الآن مصر هو عمل مخطط ومرتب له بشكل دقيق جداً؛ ومستهدف فيه إفشال عبور تلك المرحلة الحرجة من عُمر مصر ولا تريد الدولة العميقة أن تخرج كفة السيطرة من يدها فهي تقوم بكل ما في وسعها لزعزعة الأوضاع ومن ثم تحميل المسئولية للحكومة الحالية أو حزب الأغلبية.

ما يعيشه الرئيس " مرسى" الآن عاشته التجربة التركية بداية من "عدنان مندريس" الذي أعدمه العسكر وعاشه "أربكان" الذي منعوه من العمل السياسي ودمروا حزبه، وهاهم يحاولوا مع أردوغان وحزبه العدالة والتنمية لكن الحسابات والأوضاع مختلفة.

مصر تحتاج إلى تثقيف وتوعية بشكل كثيف حول الأخطار التي تتعرض لها الآن لإزالة الغشاء عن عقول الشعب الذي حاصره هذا الإعلام الموجه الذي تديره أطراف لها مصالح مع النظام البائد ولها تاريخ في الفساد والإفساد؛ لكن هل نحن – شباب الثورة والمشاركين فيها - قادرون على المواجهة او قادرون على مصارحة الشعب حتى يرتاح.

 

المصدر/ رصد