15 محرم 1434

السؤال

أنا وأختي تكثر بيننا المشاكل هي عمرها ١٥ وعمري ١٨، الأسباب غالباً تافهة وكلٌ منا تذكر سوابق الأخرى أنا دائماً هادئة وما أحب الصراخ وما أفقد أعصابي بسرعة وهي عصبية وعلى أي شيء تصرخ، أنا ما أسمع لمشاكلها إما لأشغالي ولأنها كثيرة الكلام وفي نظري أنها تافهة ولا تستحق كل هذا الكلام، وأختي حساسة وأنا أغضبها بالكلام في أغلب الأحيان، أتمنى نكون مع بعض ومتحابات وبالنا على بعض لكن يوجد نفور بيننا، أنا ما ألقي لها بالا أو اهتماما، وألاحظ اهتمامها بي بعض الأحيان، لا أريد أن افقد ودها، أتمنى أن أعرف طريقة التعامل معها وأصير لها مثل الأخت الكبرى الحقيقية. آسفة على الإطالة وأتمنى أن تساعدوني ولو مشكلتي بسيطة لكن ما أريدها تتطور أكثر. جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
في البداية أرحب بكِ علي صفحة الاستشارات في هذا الموقع المتميز وأحب أن تكوني علي ثقة أنكِ بين أسرتكِ الثانية، فلا تترددي في الاتصال بنا في أي وقت، كما نؤكد لكِ أنكِ في العين والقلب نجتهد لنضيء لكِ الطريق ونستعين بالله تعالي فيما ننصح به والله الموفق والمستعان.
ابنتي الحبيبة.. أعجبني عرضكِ لمشكلتكِ التي وصفتها بالبسيطة (مشكلتي بسيطة) والتي تودين أن تحتويها في الوقت الحالي حتى لا تتطور (ما أريدها تتطور أكثر) وهي بالفعل لن تتطور لسبب رئيس وهو أنكِ ذكرتِ أن أسبابها (غالبا تافهة) كما أنكِ شخصّتِ بدقة نقاط القوة ونقاط الضعف في شخصيتكِ أنت وأختكِ علي السواء بحيادية تامة وبصورة جعلتني أُعجب برجاحة عقلكِ ونظرتكِ الموضوعية دون أن تركزي علي سلبيات أختكِ فتبرزيها وتضخميها، وفي نفس الوقت تبالغي في إبراز ايجابياتكِ لتحققي انتصارا يصب في جانبكِ فقط.
ابنتي العاقلة.. ذكرتِ أن أسباب الخلاف بينكِ وبين أختكِ (تافهة) وأنتما تشتركان في خطأ واحد وهو أن كل منكما (تذكر سوابق الأخرى) ثم تابعتِ بذكر سمات إيجابية في شخصيتكِ (أنا دائماً هادئة وما أحب الصراخ وما أفقد أعصابي بسرعة) بينما ما يزعجكِ في أختكِ أنها (عصبية وعلي أي شيء تصرخ)، ورغم التناقض بين الشخصيتين إلا أنكِ ذكرتِ نقاطا مهمة من المؤكد أنها السبب في وجود فجوة بينكِ وبين أختكِ وهي كما سطرتها أناملكِ بصدق (أنا ما أسمع لمشاكلها) أي أنها لا تجدكِ عند حاجتها إليكِ، فأنت لا تعيريها أي اهتمام وليس بينكما حوار وتعللين السبب في ذلك (إما لانشغالي ولأنها كثيرة الكلام وفي نظري أنها تافهة) وأكثر من ذلك أنها ( لا تستحق كل هذا الكلام)! أي أنكِ دائما تصدينها عنكِ ولا تحاولي أن تشاركيها حديثها وأفكارها ولا تحاولي أن تعطيها جزءا من وقتكِ لأنها في نظرك ثرثارة وتافهة ولا تستحق منكِ أي اهتمام، أليس كذلك؟
بالله عليكِ يا قرة العين كيف لفتاة صغيرة تستشعر من أختها الكبرى تلك الأحاسيس وهي كما وصفتها أنها (حساسة) ثم بعد ذلك تقولين (أتمني نكون مع بعض متحابات وبالنا علي بعض)! كيف يتم ذلك وأنت دائما تصديها وتنفري منها وتقيمي الحواجز بينكِ وبينها، إما بتجاهلها (ما ألقي لها بالا أو اهتماما) أو بالكلام السيئ (أغضبها بالكلام في أغلب الأحيان) رغم أنكِ تقولين (ألاحظ اهتمامها بي) وتسألين (أتمني أعرف طريقة التعامل معها وأصير لها مثل الأخت الكبرى الحقيقية) وهنا أقف علي نقطة مهمة جدا وهي أنكِ تريدين أن تكوني مثل الأخت الكبرى الحقيقية؛ فهل أنت لستِ بأخت حقيقية؟!
ابنتي الحبيبة.. حقيقة وبصدق استشعرت من خلال سطورك أنك تتعالي علي أختكِ رغم فارق العمر البسيط بينكما (3أعوام) وتشعرينها دوما بأنها إنسانة تافهة لا ترقى للحديث معكِ مما يسبب لها جرح لكبريائها فتترجم تلك المشاعر بالعصبية والصراخ، وكان أولي بكِ أن تضميها إلي صدرك وتحتويها، فهي بلا شك في حاجة لكِ كأخت حقيقية وصديقة وفية وناصحة أمينة، تنصحينها وقت حاجتها إليكِ وطلبها مشورتكِ، كما أنها في حاجة إليكِ كاتمة لأسرارها وساترة علي عيوبها، فهي أختكِ التي دمكِ يجري في عروقها، ومحبتكِ متجذرة في قلبها، وقديما قيل : أخاك، أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح.
فوصيتي لكِ يا حبيبة القلب أن تشعري أولا أنكِ بالفعل أخت حقيقية، وهذه الأخت قد وهبها الله سبحانه وتعالي لكِ، وغيركِ قد حُرم من هذه النعمة، وهذه الأخت ستكون لكِ الصديقة الحقة والأخت الوفية علي مسار حياتكِ الممتدة، وستكون بإذن الله تعالي خالة لأبنائكِ، فهي مشروع استثماري عظيم يجب التعامل معه بحرص وتغذيته بالعواطف الدافئة والمحبة الصادقة والاحتواء الكامل.
تعاملي مع أختكِ بكرم فإن تعصبت عليكِ فلا تتجاهليها وأعيريها كلتا أُذنيكِ وأنصتي إلي حديثها وإن كان في نظركِ تافها؛ فهي تعرض قضيتها التي تشغلها فلا تسخري منها.
إن شعرتِ أنها في حاجة للمعاونة فلا تترددي في تقديم أي معاونة تطلبها منكِ ولا تنصرفي عنها بحجة كثرة انشغالاتكِ، وتذكري عندما تحتاجكِ صديقة لكِ كيف تلبي حاجتها قبل أن تطلب منكِ، وتذكري أنها أختكِ بطيب تعاملكِ معها ترضين الله عز وجل وتزرعين غرس محبة في قلبها ينمو ويزدهر بتوالي أفعالكِ الطيبة معها.
خصصي لها وقتا تجلسي فيه معها وقولي لها هذا وقتكِ يا حبيبتي وكل وقتي لكِ، ولكن خصصت لكِ هذا حتى لا يشغلني أحد عنكِ، ومن الممكن أن تستثمري هذا الوقت في عمل مشترك أو فتح حوار في قضية أو تطلبي منها أن تحدثكِ عما يجول بخاطرها.
فاجئيها بهدية منكِ تشعريها بأنها دائما علي بالكِ فالهدية تزيد المحبة "تهادوا .. تحابوا".
احترمي حديثها وأفكارها وشطحاتها وحاولي أن توافقيها فيما تطلب طالما كان الأمر في المتاح والمباح.
احذري وقت الخلاف بينكما أن تفتحي الملفات القديمة ولا تستدعي الذكريات الحزينة ولا تأتي بالقديم لتصبيه علي الجديد فيزداد الحال سوءا، بل انس وتناسي واغفري وسامحي فكل هذه شيم النبلاء.
خططي معها للمستقبل وقدمي لها نصائحكِ وما أجمل أن تعقدا جلسة عائلية يشترك فيها الأب والأم وباقي الأخوة والأخوات لتتحدثوا عن المستقبل والأحلام والآمال وكل فرد من أسرتكِ يذكر من وجهة نظرة بعض الخواطر.
اشتركي معها في عمل مشترك وليكن نظافة البيت وترتيبه، أو صلاة ليل، أو حفظ قرآن، أو زيارة مريض، أو عمل خيري فهذا من شأنه زيادة روابط الألفة بينكما.
غضي بصركِ عن بعض أخطائها ولا تتعاملي معها كالأستاذ مع التلميذ ولكن في وقت صفاء بينكما انصحيها برفق بطريقة غير مباشرة ولا تحدثي أحد بخطئها طالما تستطيعي احتواءه، فإن تعدى الأمر الحدود فسري لأمكِ كي تعالج المشكلة بحكمة.
تذكري أن أختكِ في مرحلة المراهقة وهذه الفترة يزيد فيها عناد المراهق وحاجته للاستقلال وإثبات وجوده.
وفي الختام.. أسأل الله تبارك وتعالي أن يجمع بينك وبين أختك برباط الود والحب ونسأله سبحانه وتعالي التوفيق والنجاح لكما ولبنات المسلمين أجمعين.