الغياب القسري للمشروع السنّي
3 رمضان 1433
د. محمد بن صالح العلي

قد يبادر بعض القرّء إلى اتهام كاتب المقال بالطائفية، متعجّلين في الحكم من غير تبيّن، والحقيقة أنني مضطر لولوج هذا الموضوع ؛ لأنّ الموضوعية والنظرة العلمية تفرض عليَّ البيان وعدم السكوت.
فالأصل أن يكون المسلمون أمةً واحدة، ولكن هناك أسباب وعوامل ساهمت في تمزيق الأمة إلى فرق عديدة كما جاء في حديث الافتراق، إلا أن أهل السنّة والجماعة يظلّون الممثلين  للأمّة، وكما قال الدكتور عبد الله النفيسي في تعليقه على مصطلح "الصراع الطائفي بين السنّة والشية" قال: إنّ أهل السنّة هم الأمّة والشيعة طائفة، وليس من العدل أن نقول أن السنّة طائفة والشيعة طائفة  .

 

ومنذ انبعاث الثورة الإيرانية برز المشروع الإيراني الفارسي الشيعي واضحاً بأهدافه واستراتيجياته، وأصبح من السهل تتبع هذا المشروع وكشفه، ومن أبرز أهداف المشروع هو تحقيق الحلم الفارسي ببناء إمبراطورية فارسية عظمى، والسيطرة والهيمنة على الدول العربية، وخاصة دول الخليج، واستخدام المذهب الشيعي وسيلة وستاراً للمشروع، يُخدع به السذّج من العرب والمسلمين.
والأمر الذي ينبغي أن نعترف به هو الحذق والدقّة والإحكام في التخطيط والتنفيذ لهذا المشروع، وقد قطع المشروع الفارسي الإيراني مراحل عديدة واقترب من قطف الثمرة(1).

 

لقد كان المشروع السنّي ــ عبر التاريخ ــ هو الذي يمثل المشروع الإسلامي،وظلّ الأمر كذلك إلى أن قامت الثورة الإيرانية، وظهر إثر ذلك المشروع الشيعي الفارسي وقام باختطاف الأضواء وأصبح هو الناطق باسم المشروع الإسلامي وهو الذي يمثله.
ولسنا هنا نوجه اللوم إلى الشيعة ؛ لأنه من الطبيعي أن يسعى أصحاب كل نحلة ومذهب وأن يعملوا لنشر نحلتهم  وأن يقيموا مشروعهم الخاص، ومن حقّهم أن يضعوا الاستراتيجيات ويرسموا الأهداف لمشروعهم.
إلا إنّ اللوم كلّ اللوم نوجهه إلى أنفسنا ــ نحن أهل السنة والجماعة ــ وهناك تساؤلات لاتجد جواباً : أين المشروع السنّي؟؟ وأين أهل السنّة؟؟ وهل لهم وجود ؟؟ ولماذا تركت الساحة للشيعة ؟؟ هل ذلك بسبب غفلة أهل السنّة؟؟ أم هو تغييب قسري؟؟ ومن الذي يتحمل المسئولية ؟؟ وهل ستطول هذه الغفلة وهذا الغياب أو التغييب؟؟؟ أسئلة حائرة تبحث عن الجواب الشافي ، فهل من مجيب ؟؟؟.

 

وإني أستأذن القارئ الكريم لأعرض له رؤيتي للموضوع، مع أن الموضوع أكبر من أن أتحمّل الجواب عليه لوحدي، فأقول :
لقد مرّت الأمة العربية والإسلامية بعصور من الضعف والتراجع الحضاري، وتبع ذلك دخول الاستعمار إلى بلادنا فأسهم في إضعاف الأمة ؛ بل  سعى إلى نزع هوية الأمة وعزلها عن دينها وقام بعملية تغريب واسعة للمجتمعات العربية والإسلامية، والطامّة الكبرى تمثّلت في القيادات غير الراشدة التي ابتليت بها الأمة، وكانت عاملاً أساسياً في ضعف الأمة وتفرقها وتمزقها واستلاب قدرتها على  إعداد وصنع مشروع سنّي إسلامي.
وهناك أملٌ يلوح لأمتنا، حيث بدأت هذه الأصنام تتهاوى صنماً بعد صنم، وهذا الأمر يزيح أكبر العوائق أمام المشروع الإسلامي السنّي، وخاصة أن الذين استلموا زمام القيادة في البلاد العربية هم الإسلاميون، فهل يشعر الإسلاميون بعظم التبعة وثقل المسئولية ؟؟.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)    مع كل الذكاء والحذق في المخطط الفارسي إلا أنه وقع في مأزق الأزمة السورية، حيث انكشف زيف الدعاية الإيرانية وادعائها بوقوفها مع الشعوب المستضعفة، وتبينت الأهداف الطائفية لإيران، ولعل هذه الأزمة تقوّض المشروع الإيراني الفارسي بأكمله.