تأملات داعية على أعتاب رمضان
2 رمضان 1433
ناجح ابراهيم

كان الشيخ الشعراوى - رحمه الله - يوصى كل تلاميذه قائلاً: «باب الانكسار لله ليست عليه زحمة.. فادخلوا على الله من هذا الباب.. فهو أعظم أبواب الدخول على الله».

وهذا المعنى من أدق المعانى التربوية.. فمعظم الناس يغترون بذاتهم.. وبعض العباد يغترون بعباداتهم.. وبعض العلماء يغترون بعلمهم.. وبعض الدعاة يغترون بالآلاف التى تسمعهم.. وبعض الإسلاميين يغترون بجهادهم وبذلهم وسجنهم.. فضلاً عن أرباب الحكم والسلطة والمال الذين تنتفخ أوداجهم بالغرور والشعور بالعظمة، ولا يكاد ينفك عن أرباب المال والسلطة الغرور إلا من عصمه الله وهم قليل.

 

كان الشعراوى يطبق هذا عملياً.. فقد كان يذهب بين الحين والآخر إلى مسجد الحسين بالليل ومعه حارسه، فيغسل دورة المياه فى المسجد.. وعندما يعاتبه أصدقاؤه يرد قائلاً: «أريد أن أكسر شوكتى.. حتى لا تقتلنى الشهرة وتفسد علىَّ نفسى».

وكان إذا حل ضيفاً على بعض أصدقائه ودخل الحمام غسله ونظفه حتى يجعل الحنفيات تلمع من النظافة.

 

وقد دخل من هذا الباب سيدنا يونس - عليه السلام - حينما ابتلعه الحوت، فلم يتوسل إلى الله بأعماله الصالحة وما أكثرها.. كما فعل الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، والذين توسلوا لربهم بخالص أعمالهم ففرج الله عنهم.

لقد آثر سيدنا يونس - عليه السلام - أن يدخل على الله من باب الانكسار لا من باب الافتخار.. فقال: «لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ».

فلم يقل كغيره هذه طاعاتى وقرباتى وبذلى وعطائى.. إنه باب الفخر بالطاعة، وهو أضعف أبواب القدوم على الله.. وقد كان فقهاء الصوفية الحقة يقولون: «رب ذنب تذل به لديه.. خير من طاعة تدل بها عليه».. أى تحدث دون دلال ومنة على الله.. آه لقد اندثرت هذه المعانى فى دنيا الناس اليوم.. وما أحوجنا إلى إحيائها فى هذه الأيام المباركة.

 

واللجوء إلى الله ومناجاته يحتاجان إلى قلب سليم وفن عظيم.. إنه فن التعامل مع ملك الملوك سبحانه وتعالى.. وأفضل لغة تتعامل بها مع ملك الملوك هى لغة الأطفال، وهى لغة البكاء والتضرع والإلحاح فى الطلب.. فلا تطلب من الله شيئاً إلا وأنت تبكى وتتذلل من كل شىء فيك.. من عينيك وقلبك ومشاعرك.

 

ألم أقل لكم إن اللجوء إلى الله فن عظيم يحتاج إلى تجربة ودراية وتواصل مع ملك الملوك سبحانه؟

قال الله تعالى: «إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ».. والأقوم يشمل فى معناه الأكمل والأقوى والأسلم والأشمل والأفضل.. فالقرآن يهدى للتى هى أقوم.. وواقع مجتمعاتنا هو الأسوأ والأضعف والأفقر.. فكيف يتسق هذا مع ذاك، وهذا يوقظنا على حقيقة مرة لها احتمالات ثلاثة هى:

١- إما أننا لا نفهم القرآن فهماً صحيحاً.

٢- إما أننا لا نعمل به.

٣- وإما أننا نقع فى الأمرين معاً.

فمتى نكون من أصحاب المنهج الأقوم والواقع الأفضل معاً لنجمع بين صلاح النظرية وجمال التطبيق؟!

نقلاً عن جريدة " المصري اليوم"