براءة هيئة بلجرشي التي لم ينصفها الإعلام
29 شعبان 1433
تقرير إخباري ـ محمد لافي

" حمل الإعلام الجزء الأكبر من المسئولية على الهيئة، بينما التحقيقات تؤكد عكس ذلك" هذا ما قاله الأمير مشاري بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة الباحة أثناء تقديمه العزاء لأسرة الشاب عبدالرحمن الحرفي الذي توفي إثر حادث مأساوي تعرض له بعد مطاردته من دورية شرطة بمحافظة بلجرشي.
 
تصريحات الأمير جاءت بمثابة إعلان البراءة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد أن سارعت الصحف وكتابها في اعتبار المتوفى عبد الرحمن وأسرته ضحية جديدة من ضحايا ما أسموه بـ" مسلسل أخطاء الهيئة " طيلة فترة تقصي الحقائق من قبل اللجنة العليا التي شكلها الأمير ووعد بمتابعة مجريات عملها شخصياً والوقوف على تفاصيل الحادث بدقة.
 
قصة الشاب عبد الرحمن (رحمه الله)  بدأت بإفادة شهودعيان بتعرض سيارة يقودها أحد الشباب برفقة عائلته لمطاردة من قبل دورية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودورية شرطة أثناء خروجه في وقت متأخر من الليل من منتزه الشكران في مدينة بلجرشي جنوب غربي البلاد مما أدى إلى سقوطه أسفل جسر قيد الإنشاء.
 
وقد أدى الحادث الأليم لوفاة صاحب المركبة وهو الشاب عبد الرحمن أحمد الحرفي 34 عاما وبتر يد زوجته 28 عاما وهي حامل في الشهر الخامس، فيما تعرض أبناؤه الاثنان إلى إصابات مختلفة. كما أصيب ثلاثة ممن شاهدوا الحادث بالإغماء، ونقلوا للمستشفى.
ورفض أقارب المتوفى في حينها استلام جثته من مستشفى بلجرشي العام، قائلين بعدم قناعتهم بتقرير الوفاة الذي أفاد بأنها ناجمة عن حادث مروري، وأكدوا أن الحادث ناجم عن عمل جنائي من قبل مطاردي المتوفى.
 
وعلى الفور ووجه أمير منطقة الباحة بتشكيل لجنه عليا مكونة من أشخاص ذوي ثقة لتقصي كافة الحقائق والتفاصيل التي تسببت فيما حدث بمتابعة مجريات التحقيق شخصياً والوقوف على تفاصيله بدقة. كما صدرت الأوامر بنقل المصابين الثلاثة في الحادث إلى مستشفى الحرس الوطني بالرياض بطائرة الإخلاء الطبي.
 
وجاءت النتائج الأولية لتحقيق اللجنة التي شكلها الأمير لتلقي بالمسؤولية على دورية الهيئة والدورية الأمنية إثر مطاردتهما سيارة المواطن مما أدى إلى وقوع الحادث، وذلك قبل أن تصدر إمارة منطقة الباحة بياناً عن التفاصيل التي نجم عنها الحادث بعد التحقيقات المفصلة وسماع كافة الأطراف.والذي كشفت من خلاله أن أحد أفراد الدورية الأمنية هو المتسبب في الحادث وذلك بعد أن ترجل لطلب إثبات المواطن فقام المواطن بالفرار فبادر سائق الدورية الأمنية بملاحقته مرة أخرى لاستيقافه حتى وقع الحادث.
إلا أنه قبل صدور بيان الأمارة لم يكن مستغرباً أن تسارع الصحف بنشر الخبر، محملة فيه الهيئة كامل المسؤولية في الحادث دون تثبت أو انتظار تصريح رسمي،  ومن ذلك ما عنونت به صحيفة الحياة خبر الحادث بـ  "مقتل مواطن وبتر يد زوجته وإصابة طفليهما بعد مطاردة (الأمر بالمعروف) " أما صحيفة عكاظ فنشرت خبراً عنوانه "لجنة عليا للتحقيق في وفاة مواطن وإصابة أسرته في مطاردة الهيئة".
 
وكعادتهم سارع عدد من الكتاب والإعلاميين باستباق نتائج التحقيق ونشر مقالات يكيلون فيها التهم ضد رجال الهيئة بأنهم كانوا المتسببين في وفاة قائد السيارة التي تمت مطاردتها والتسبب في الإصابات المختلفة لأهله وأولاده.
 كما وجد البعض من هذه الحادثة فرصة سانحة لتوجيه الحملات المركزة على الهيئة من خلال شبكات التواصل الاجتماعية ومن ذلك الحملة التي أطلقها البعض على "تويتر" للمطالبة بإلغاء الهيئة بالكلية وهي حملة "إلغاء الهيئة" كما طالب البعض بحصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في دائرة التوجيه والإرشاد.
 
إلا أن هذه الحملات تحولت إلى مظاهرة لتأييد الهيئة وحب لها، حيث رفض المعلقون على تلك الحملات هذه الدعاوى؛ معتبرين دور الهيئة في الإصلاح والتقويم وضبط القوانين العامة، أكبر بكثير من بعض التجاوزات التي تحدث منها.
ولم يكن اللافت في قضية حادث المطاردة، ما نجم عنها من صراع بين مهاجمي الهيئة والمدافعين عنها دفاعاً عن دورها في الحفاظ على الأخلاق والآداب الإسلامية لدى المجتمع، ولكن المستغرب هو موقف من أراد إلصاق تهمة التعدي والقتل بالهيئة من الصحف والكتاب وغيرهم، وذلك بعد صدور نتائج التحقيقات.
 
ففيما لا تزال ترفض الصحف الاعتذار لجهاز الهيئة، تداول النشطاء على "تويتر" ضرورة أن تقوم الصحف والكتَّاب بالاعتذار للهيئة ورجالاتها عن ما كتبوه في حقهم قبل التثبت ومعرفة تفاصيل القضية،متسائلين عما إن كانت مقالات مماثلة سوف توجه نحو الدوريات الأمنية ونقدها نتيجة للمطاردة.
 
فقد دعا الكاتب محمد بن سليمان الأحيدب كل من حمّل الهيئة مسؤولية الحادث أن يتحلى بالشجاعة الأدبية بالاعتذار للهيئة.
وأشاد في مقالة بجريدة عكاظ بعنوان " اعتذروا لهيئة بلجرشي" ببيان إمارة منطقة الباحة الذي وصفه بأنه من أدق وأحكم البيانات التي قرأها حول حوادث مشابهة وأكثرها شفافية ووضوحا واحتراما لمشاعر كل الأطراف.
 وأوضح الأحيدب أن من الشجاعة الأدبية المطلوبة أن يعتذر لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل من استعجل بتحميلها المسؤولية عن المطاردة وصور الحادث وكأنه خطأ ارتكبته هيئة بلجرشي بل تم تداوله على أنه حادث الهيئة وهي منه براء بموجب نتائج التحقيق.
 
وفي حملة على "تويتر" أسموهما "براءة هيئة بلجرشي " طالب أكاديميون ومثقفون أن تتولى جهة قانونية في الهيئة مطاردة كل من يسئ للهيئة إعلاميا واخذ الحق منهم، كما تساءلوا عمن هاجم الهيئة إن كانوا يملكون الجرأة للاعتذار أو المطالبة بمحاكمة قطاع الشرطة، مؤكدين أن ما يعني هؤلاء في مهاجمتهم للهيئة هو القضاء على دور الهيئة تماما وليس دم المتوفى.
وقال الكاتب صالح الشيحي "بعدما ظهرت الحقيقة يفترض بالزملاء الذين تسرّعوا -كعادتهم واتهموا هيئة الأمر بالمعروف، ظلما وبهتانا- أن يمتلكوا الشجاعة ويعتذروا"
 
أما الدكتور محمد السعيدي فتعجب من تهافت المغرضون على تجريم الهيئة بالرغم من قضايا أخرى تم تبرئتها منها فقال " مطعون العيون في حايل، ونعناع المدينة، وهيئة تبوك كلها صدر فيها أحكام تبرئ الهيئة لكن المغرضين لا تصفر وجوههم أبدا"
وقال الدكتور محمد عبد الله الوهيبي "بعد  براءة هيئة بلجرشي‬‏ واتهام الدوريات، هل سيطالب بعض الإعلاميين، بإلغاء جهاز الدوريات!!؟"
 
وجاء على حساب الدكتور عبد الله الوطبان في تويتر "‬ أعداء الهيئة لا يعنيهم بالدرجة الأولى دم المتوفى ولا آلام عائلته،المهم بالنسبة لهم القضاء على دور الهيئة تماما"
وتساءل المحامي محمد بن أحمد الزامل "بعد بيان أمارة الباحة ببراءة هيئة بلجرشي هل سيتم محاكمة الصحفيين الذين اتهموا الهيئة بأنهم المتسببين في الحادثة".
 
ومما لا يمكن تجاهله أن التغطيات الخاطئة لبعض وسائل الإعلام المحلية تركت أثرها البالغ على حيوية الهيئة وقدرتها على التحرك في ظل نقد غير منصف. فعلى افتراض أن للهيئة طرفاً فيما حدث من خطأ أودى بحياة المواطن عبد الرحمن رحمه الله، فإن الحملة التي وجهتها وسائل الإعلام مجتمعة تجاه  كيان الهيئة بأكمله محاولة تقويضها أو إسقاطها لم تكن لتتناسب مع ذلك الخطأ، وذلك بالنظر إلى الدور التي تقوم به الهيئة في ضبط سلوكيات المجتمع وأمنه الأخلاقي.