أنظار إسلاميي ليبيا تتجه للمقاعد الفردية
24 شعبان 1433
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

رغم الأنباء المتواردة من ليبيا عن تقدم الليبراليين على الإسلاميين في السباق الانتخابي للمؤتمر الوطني، لا يزال إسلاميو ليبيا يعولون على تعويض خسائرهم بالمقاعد المخصصة للانتخاب بالقوائم الفردية.

 

ومثلت النتائج الجزئية للانتخابات التي أعلنتها المفوضية العليا عن مفاجأة كبيرة؛ إذ تصدر  التحالف الوطني الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق محمود جبريل، فيما حقق حزب العدالة والبناء التابع للإخوان المسلمين نتائج ضعيفة على عكس ما كان متوقعا.

 

ففي أول انتخابات حرة تجرى في البلاد منذ أكثر من 40 عاما، بعد الإطاحة بنظام الزعيم المخلوع معمر القذافي، كشفت عمليات إحصاء الأصوات في شتى أنحاء البلاد عن هزيمة مدوية للجناح السياسي للإخوان المسلمين، خلافا لما حققه هذا التيار الإسلامي المعتدل من نتائج متقدمة في كل من مصر وتونس.

 

ورغم أن النتائج الكاملة لم تعلن بعد وليس من المتوقع صدورها قبل الأسبوع المقبل، إلا أن هذه النتائج الجزئية تعتبر رسمية إذ هي صادرة عن المفوضية العليا للانتخابات.

 

ومع الانتهاء من فرز معظم الأصوات تأكد تقدم تحالف جبريل بشكل لا يمكن تغييره في طرابلس والجنوب وبنغازي مهد الانتفاضة في الشرق والمعروف بكونها من المدن ذات الاتجاه المحافظ.

 

لكن محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء هاجم جبريل مؤكدا أنه حليف سابق للقذافي، حيث كان وزيرا في عهده. كما برر صوان تقدم قائمة تحالف جبريل الانتخابية بأنه اعتمد على خداع الشعب الليبي، إلى جانب تصويت أزلام القذافي له.

 

وشرح قال صوان بالقول: "جبريل لم يقدم نفسه للشعب الليبي على أنه ليبرالي. قدم نفسه على أن له مرجعية إسلامية. استفادت التيارات العلمانية من ثورات الربيع العربي ورفعت راية المرجعية الإسلامية ... صوت الليبيون لجبريل باعتبار أنه إسلامي أيضا".

 

بل ومضى صوان إلى القول إن حزب جبريل قد يفقد تصدره للانتخابات بعد صدور النتائج الكاملة.

 

وهذا القول ربما يكون صحيحا إذ يضم المؤتمر الوطني 200 مقعد لكن المرشحين على القوائم الحزبية مخصص لهم 80 مقعد فقط.

 

وأشار صوان إلى أن حزب العدالة والبناء من المتوقع أن ينال مكانته بعد ظهور نتائج المقاعد المستقلة التي تعتمد على الاتصالات والمكانة الاجتماعية. وقال: "ربما تظهر النتيجة النهائية أن حزب العدالة والبناء هو الحزب المتصدر".

 

وتعليقا على هذه التصريحات، رأى العديد من الساسة والمعلقين الليبراليين إن تيار الإخوان في ليبيا لا يستطيع تقبل النتائج التي تأتي بها الديمقراطية واعتبروا أنهم لا يجيدون ممارسة السياسة.

 

وحزب "العدالة والبناء" هو -كحال باقي الأحزاب في ليبيا- حديث النشأة وقد أنشأ بعد نجاح الثورة الليبية، بهدف المشاركة في صياغة مستقبل البلاد.

 

لكن هل ماذا عساه يكون التفسير المقبول لهذا التقدم الذي حققه حزب جبريل رغم كونه علمانيا، بينما أظهرت نتائج الانتخابات في باقي دول الربيع العربي تقدم التيارات الإسلامية على الليبرالية بفارق كبير.

 

الإخوان يرون أن حزب جبريل اعتمد على خداع الشعب الليبي بالتأكيد على اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، ما أوهم الناخبين أنهم بصدد انتخاب حزب ذو مرجعية إسلامية في حين أنه ذا توجه ليبرالي موال للغرب.

 

وقال صوان: "بالنسبة لهم المرجعية الإسلامية تعني إقامة الشعائر الإسلامية وأن تستند بعض قوانين الأحوال الشخصية إلى الشريعة لكن وجهة نظرنا هي أن الإسلام هو منهج حياة كاملة".

 

ومن جهة ثانية، أسفر سعي جبريل إلى حشد العديد من القوى الوطنية في إطار تحالفه الانتخابي إلى الإيحاء بأنه شخص توافقي. وعلى العكس من ذلك، لم يهتم حزب الإخوان بهذا المسعى ولم يظهر صوان حماسا يذكر لذلك.

 

وانشغل الإخوان بالنضال لإقناع الناخبين القلقين من التدخل الأجنبي بأن الحزب ليس له صلات مالية أو إدارية بجماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر.

 

واستقال صوان من رئاسة جماعة الإخوان المسلمين وانتخب لرئاسة حزب العدالة والبناء قبل الانتخابات.

 

وثمة عقبة أخرى واجهت جماعة الإخوان المسلمين وهي أن زعيمها ومرشحيها غير معروفين بين الليبيين، إلى جانب إرث التشويه الذي نال الجماعة في عهد القذافي وتسلم الإعلام الليبرالي والعلماني هذا الإرث لمحاربة الإخوان خصوصا والإسلاميين عموما.

 

وهذا المعنى أكده صوان بقوله إن "سبب أن بعض الناس لم يختاروا كتلة العدالة والبناء هو أن هناك تشويها للإسلاميين فالناس لا تعرف حقيقة الإخوان المسلمين أو العدالة والبناء ولذلك هناك نوع من الفوبيا عند الناس".

 

واعتبر أن "الدليل على أن الإسلاميين هم الذين تفوقوا ستبينه القوائم الفردية وسيكتشف الجميع أن المائة وعشرين الذين ترشحوا على الفردي جلهم من الإسلاميين".

 

أما فيما يتعلق بـ"أزلام القذافي" وهو مصطلح يستخدمه الليبيون للإشارة إلى أنصار النظام السابق والذين كانوا منتفعين من بقائه، فعلى الأرجح هؤلاء لم يصوتوا أبدا للتيار الإسلامي الذي كان مضطهدا في عهد القذافي. لكن الإخوان يذهبون إلى الأبعد من ذلك بالقول إنهم على الأرجح صوتوا لتحالف جبريل باعتباره وزيرا سابقا في عهد القذافي.

 

وتبقى هذه النتيجة المفاجئة للانتخابات في ليبيا صادمة لكل شعوب المنطقة التواقة إلى العدل والحكم الرشيد. فيما تبقى الأمال في ليبيا منعقدة على احتمال -لا يبدو ضئيلا- بأن تطيح نتائج الانتخابات الفردية بتلك النتائج التي أتت بالعلمانيين.