مأزق "مرسي" في الرئاسة
11 شعبان 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

لن تكون سهلة أبدا مهمة أول رئيس يختاره الشعب في مصر عن طريق انتخابات حرة ونزيهة, ليس فقط لحالة التدهور التي تشهدها البلاد منذ عشرات السنين في جميع المجالات الصحية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والسياسية بسبب الاستبداد والنهب والفساد وانعدام الرؤية, ولكن ـ وهو الاهم في رايي ـ لوجود العديد من الاطراف الداخلية والخارجية التي تريد له ولمشروعه الفشل وبقوة حتى وإن قالوا عكس ذلك..

 

الدكتور مرسي يواجه منذ إعلان فوزه في انتخابات الرئاسة حملة غريبة ومكثفة تلبس أحيانا لبوس النصح والإرشاد, وأحيانا لبوس التحذير والتهديد وذلك من قوى سياسية ليبرالية ويسارية تعيش حالة من الصدمة والفزع منذ تصاعد موجة التيار الاسلامي واكتساحه جميع الانتخابات النزيهة التي تلت الثورة, هذه القوى بوضوح وصراحة لا تريد إنجاح مهمة مرسي ومن سيشارك منها في الحكومة القادمة سيسعى لإفشالها حتى يفقد مرسي التعاطف الشعبي الكبير الذي حاز عليه خصوصا عقب ظهور النتيجة, المشكلة الآن أن الدكتور مرسي وعد بتوسيع المشاركة في الحكومة لتشمل كافة القوى السياسيةـ وذلك في وقت كان الخوف يسود المخلصين من ابناء الوطن من ضياع الثورة ـ وفي نفس الوقت وعد بإجراء اصلاحات جدية وملموسة في مجالات عديدة أهمها الامن والاقتصاد, وهو ما سيحتاج إلى كفاءات مخلصة تريد العمل والنجاح وليس التثبيط والضرب تحت الحزام, الدكتور مرسي أيضا عنده برنامج أعده حزبه الذي دعمه للوصول للرئاسة وعلى أساسه اختاره العدد الاكبر من الناخبين ولكنه في الواقع لن يستطيع تنفيذ هذا البرنامج لأن رئيس الحكومة لن يأتي من حزبه وأغلب وزرائها كذلك, بحسب وعوده والمطالب التي قدمت له قبل وبعد نجاحه في الانتخابات..

 

إشكاليات كبيرة تواجه مرسي على الصعيد الداخلي, وإشكاليات أخرى تواجهه على الصعيد الخارجي منها ما ياتي من دول الجوار ومنها ما يأتي من وراء البحاروالمحيطات..ولنبدأ أولا بإشكاليات الصعيد الداخلي وهو ما نبهنا إليه قبل جولة الإعادة عندما أشرنا لمحاولات الابتزاز المستمرة من بعض القوى العلمانية لمرسي للتنازل عن مبادئه وثوابته ـ وليس للتوافق على أهداف الثورة العامة ـ من أجل أن تقف بجواره وهو موقف انتهازي كشف عن فساد سياسي وأخلاقي تعاني منه هذه القوى التي كانت توهم كلا مرشحي الاعادة بأنها ستقف بجانبه شريطة الموافقة على شروطها ,وظلت تلعب على الحبلين حتى انتهاء الجولة وإن ظهر ميلها لمرشح العهد السابق, وبعد ظهور النتائج أخذت تطالب وتتوعد وتهدد وتتربص, خلافا لبعض القوى التي أثبتت وطنية حقيقية ـ مع الاختلاف مع أفكارها ومنهجها ـ مثل حركة 6 أبريل وبعض الاتجاهات والقوى الثورية الحقيقية التي أعلنت الوقوف مع مرسي دون شروط وأجلت مطالبها إلى ما بعد النتيجة..المشكلة الحقيقية أن القوى الاولى النفعية صوتها مرتفع رغم أنه لا وجود لها على الارض ومشاركة هذه القوى في الحكومة الجديدة أو في مؤسسة الرئاسة سيشكل عامل هدم حقيقي لتجربة مرسي الوليدة, كما أنها مصرة على اجهاض أي توجه اسلامي للمشروع وهو ما سيسبب احباطا كبيرا للشريحة الاساسية التي وقفت مع مرسي في الجولتين الانتخابيتين ووضعته في المقدمة..

 

من المشاكل الكبري التي سيواجهها مرسي على الصعيد الداخلي أيضا هي كيفية تنظيف أجهزة الدولة من رجال النظام السابق الذين شبوا وشابوا على الفساد والإهمال وعششوا في وزارات كثيرة كالخفافيش وأهمها وزارة الداخلية, هل يبيدهم جميعا مرة واحدة؟ أم يسعى لذلك بالتدريج؟ لقد وعد الرئيس بفتح صفحة جديدة مع الجميع وطمأنهم بأنه لا ينوي الانتقام ولكن هناك قطاعات في الدولة تحتاج للتطهير السريع وإلا ستنقلب على الرئيس ومشروعه وستشكل عامل هدم في المرحلة القادمة وعلى الرئيس أن يتخذ إجراءات رادعة في هذا الشأن خصوصا في بعض قطاعات الداخلية مثل أمن الدولة الذين أسموه بعد الثورة الامن الوطني وظل بنفس السياسة القديمة وبنفس الرجال الذين عاثوا فسادا في البلاد, وكذلك بعض القطاعات التنفيذية التي تقوم بأداء خدمات مباشرة للجماهير...

 

أما على الصعيد الخارجي فلا ريب أن هناك دولا مجاورة لا ترتاح لوصول مرسي للحكم وقد ظهر ذلك في تصريحات الفريق خلفان رئيس شرطة دبي, وهذا الامر ياتي نتيجة للسمعة السيئة التي تمكن مبارك واجهزته من تصديرها لبعض الدول العربية عن جماعة الاخوان خلال سنوات طويلة, والاتهامات التي يوردها خلفان وغيره هي نفسها الاتهامات التي كان يوردها نظام مبارك وثبت للجميع الآن زيفها وأن الغرض منها كان الانفراد بالسلطة ونهبها في معزل عن إرادة الشعب, وأعتقد أن مع مرور الايام ستختفي هذه المخاوف بالتدريج في هذه الدول, أما عن الغرب والكيان الصهيوني فلن يكف عن تعويق مرسي وحكومته وفرض قيود عليها, والترويج للإشاعات ضدها وسيستعمل بعض القوى الداخلية التي كشفت عن نفسها قبل الجولة الثانية من الانتخابات, لأنه لا يرى أي مستقبل لمصالحه مع أي حكومة تمثل الشعب تمثيلا حقيقيا حتى ولو لم تكن ذات توجه إسلامي.