السودان .. وربيع عربي مقبل
7 شعبان 1433
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

"الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار المستمرة في البلاد ليست ربيعاً عربياً"!.. كلمات قالها الرئيس عمر البشير تعليقا على الاضطرابات الواقعة في السودان منذ نحو أسبوعين نافيا وصول الربيع العربي إلى بلاده وذلك على غرار أقرانه الذي أطيح بهم في هذه الثورات وكانوا يستبعدون حدوثها في بلادهم لكن الشعوب أصرت على إزاحة هذه النظم القمعية والاستبدادية مثلما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن وقريبا سوريا.

 

وبنفس لهجة سابقيه، أخذ الرئيس السوداني الذي يحكم البلاد منذ 23 عاما يتهم "جهات خارجية" و"قلة من مثيري الاضطرابات" بأنهم وراء هذه الاحتجاجات غير المسبوقة والأولى منذ 1989 ، معتبرا أن الشعب السوداني "إذا أراد أن ينتفض فسينتفض بأجمعه".

 

ومع أنَّ السودان ظل بمنأى عن الثورات العربية منذ اندلاعها قبل أكثر من 18 شهرًا، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت تطورات سريعة إثر إعلان البشير عن خطة تقشف قاسية لسد العجز المتزايد في الميزانية، والذي تجاوز 2.5 مليار دولار.

 

وشملت الخطة زيادة أسعار الوقود وبعض الضرائب وتقليص الوظائف الحكومية ، وقد قوبلت تلك الخطة باحتجاجات شعبية، انطلقت شراراتها الأولى من جامعة الخرطوم، ثم امتدت لتشمل العديد من الأحياء الشعبية في الخرطوم وأم درمان وعدة مدن أخرى.

 

 ومنذ الاحتجاج الأول الذي نظم في 16 يونيو ـ وهتف فيه المتظاهرون "لا لا للغلاء" و"الشعب يريد إسقاط النظام"، ردت السلطات باستخدام قوات مكافحة الشغب والغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، منعا لاعتصامهم بشكل دائم على غرار ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن، لكن هذا العنف لم يمنع المزيد من الاحتجاجات التي تتصاعد بوتيرة عالية.

 

وجاءت هذه الإجراءات لتضاعف من معاناة السودانيين، بعدما تجاوز معدل التضخم الـ30 %، فضلاً عن ازدياد معدلات البطالة، وارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية بشكل جنوني.
وأرجع البشير عجز الميزانية إلى فقدان 75 % من عائدات النفط، بعدما انفصل الجنوب مستحوذًا على معظم آبار النفط، كما أن الرسوم التي كانت تجنيها الخرطوم مقابل مرور وتصدير نفط الجنوب عبر أراضيها توقفت إثر الخلاف مع "جوبا" حول قيمتها.

 

هذا بالإضافة إلى النفقات الباهظة للمعارك التي خاضها الجيش السوداني من أجل تحرير منطقة "هجليج" النفطية من سيطرة القوات الجنوبية، علاوةً على نفقات القتال الدائر منذ شهور طويلة مع متمردي الحركة الشعبية "قطاع الشمال" في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

 

كما يرى معارضو البشير أن الفساد يعد أحد العوامل المسؤولة عن التدهور الاقتصادي الذي تعانِي منه البلاد، وهو ما جعلها تحتلّ المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر فسادًا في العالم، والمرتبة الثالثة بين الدول "الأكثر فشلاً" في العالم، وفقًا لتقديرات مراكز دولية.

ولا يمكن إنكار أن السودان تعرض ولا زال يتعرض لمخطط خارجي يستهدف تفتيته وإدخاله في صراعات لإنهاك قواه وإفشال خطط التنمية، وانفصال جنوب السودان في يوليو الماضي خير دليل على ذلك،  لكن ذلك لا ينفي أن سياسات البشير وحكومته مسئولان بشكل كبير عما يعاني منه السودان الآن خاصة فيما يتعلق بتأمين جبهته الداخلية، بحسب خبراء.

 

وفي الوقت الذي يرى بعض قادة المعارضة في هذه الاحتجاجات "بداية النهاية" لنظام البشير، إلا أنه أمر لا يمكن تأكيد حدوثه خاصة أن نظام البشير دائما ما يتحدث عن التهديدات الخارجية، وقد نجح في حشد دعم شعبي واسع من أجل تحرير "هيجليج" على سبيل المثال.

 

لكن السؤال هنا هل يستمر البشير في اللعب بهذه الورقة لردع أي مظاهرات تطالب بإسقاطه، أم تستطيع المعارضة والقوى الشبابية القيام بحراك شعبي دائم وفعال يطيح به؟