مصر على فوهة بركان
4 شعبان 1433
خالد مصطفى

لم يكن أحد يتصور أن تذهب الثورة المصرية, التي أدهشت العالم, إلى ما وصلت إليه, حيث يضع الملايين أيديهم على قلوبهم من انفجار قد يدمر البلد؛ نتيجة لمحاولات المجلس العسكري توجيه الثورة وإرادة الناس لاتجاه معين مستخدما في ذلك جميع الاساليب التي قامت الثورة لإزالتها مراهنا على ملل الناس وكفرهم بجميع الأطروحات بعد أن عاشوا سنة ونصف بلا أمن ولا أمان ولا استقرار..

 

حاول المجلس العسكري أن يطيل الفترة الانتقالية بشتى الوسائل وبعد ضغوط ومليونيات عديدة أكد تسليمها في 30 يونيو 2012 بعد أن كان في أول الثورة قد وعد بتسليمها بعد عام واحد وقبيل أيام من تسليمها فاجأ الجميع بحكم للمحكمة الدستورية قضى ببطلان  أول برلمان منتخب بنزاهة منذ 60 عاما بحجة أن الثلث تم انتخابهم بقانون غير دستوري, وجاء حكم المحكمة بسرعة الصاروخ حيث كان الحكم يصدر في مثل هذه القضايا وعلى برلمانات مزورة بالكامل بعد ثلاث سنوات على الاقل أما مع هذا البرلمان فـ "القضاء النزيه" "غير المسيس" أصدر الحكم بعد 4 أشهر فقط وقبل يومين من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية "مجرد صدفة" وعلى الجميع أن يضعوا رأسهم في الرمال ويصدقوا ذلك ويخرجوا مبتهجين بـ "عدالة القضاء" ـ كما زعم منظري الفضائيات المشبوهةـ ثم أتبع العسكري ذلك بإعلان دستوري سحب فيه سلطة التشريع  وأعطاها لنفسه بحجة أن الرئيس القادم لا يجوز له أن يجمع بين التشريع والتنفيذ رغم أن المجلس العسكري نفسه ظل طوال عام كامل يجمع بينهما حتى تم انتخاب البرلمان ولم يكن منتخبا من الشعب بل كان مكلفا فقط بإدارة الفترة الانتقالية, الادهى من ذلك أنه منح نفسه سلطة اختيار اللجنة التاسيسية التي تضع الدستور, كما منح نفسه حق الاعتراض على البنود التي لا تعجبه في الدستور..

 

فكيف يكون قد سلم السلطة إذن؟! عبث ما بعده عبث, ثم جاءت الطامة الكبرى في نتائج جولة الاعادة في انتخابات الرئاسة؛ فبعد ظهور المؤشرات الاولية المستخرجة من محاضر رسمية نشرتها جميع الفضائيات بما فيها المؤيدة للمرشح أحمد شفيق, لتؤكد تقدم مرسي إذ باللجنة تؤجل إعلان النتيجة وتسرب معلومات عن تزوير لصالح مرسي, وتؤكد وجود أخطاء في حساب عدد الاصوات وهو ما لم يحدث مطلقا في الجولة الاولى ولا قريب منه رغم وجود 13 مرشحا...ما يفعله المجلس العسكري ليس مجرد لعب بالنار ولكن لعب بمصير أمة وثقت فيه في وقت لم تجد غيره لأنها كانت بلا قيادة وعندما اختارت لها قيادة ظهر على حقيقته..

 

لا يوجد فرق بين ما يحدث الآن من تاجيل لإعلان نتيجة الانتخابات واستخدام القضاء لحسم الخلافات السياسية والتراجع عن الوعود والمساومات وبين ما كان يحدث في عهد مبارك, وهو ما دفع الكثيرون أن يتساءلوا عن جدوى الثورة  وتجدد النزول بقوة للتحرير للتعبير عن الغضب..إذا كان مبارك لم يذهب والثورة لم تقم فلماذ قتل من قتل ولماذا صبر الناس على ضنك العيش وضعف الامن؟!

 

الغريب والمدهش أن المجلس لا يلعب وحده في الساحة ولكن هناك قوى علمانية كانت تدعي أنها من الثورة تقف في خندقه أو على الاقل تقف على الحياد وتنظر للمشهد وكأنها غير معنية به بل تقف أحيانا فرحة لتفجر الخلافات بين الإسلاميين والمجلس وتحرض المجلس على الإسلاميين بدعوى المخاوف من "الدولة الدينية" "ووجود مخاطر على أمن مصر منها" , ضاربين عرض الحائط بقواعد الديمقراطية واختيار الشعب وهذه القوى أوضحت ضمنا أنها مع أي نتيجة تصدر عن اللجنة العليا للانتخابات مهما كان عوارها...

 

في ثورة 25 يناير صرخ الجميع "الشعب يريد إسقاط النظام", ومع مرور الوقت اتضح أن الكثيرين لا يريدون أن يسمعوا ماذا يريد الشعب بعد إسقاط النظام, وبدأت الحيثيات والألاعيب التي تبرر السطو على إرادته تماما مثلما كان يفعل مبارك.