3 رمضان 1434

السؤال

السلام عليكم، متزوج ولي ولدان، أحدهما في أول ابتدائي، حفظته ثلاثة أجزاء من القرآن، والثاني عمره خمس سنوات، أسكن مع أهلي في بيت واحد، ولكني مستقل بشقة في الدور العلوي. أطفالي لا يستطيعون تحمل البقاء في الشقة، فحدهم أذان العصر، ثم تثور ثائرتهم لأجل النزول لوالداي وإخواني حفظهم الله.
المشكلة أن أحد إخواني في الصف الثاني يتنافس معهم منافسة، ويتحاربون أحيانًا بين بعضهم، حربًا شعواء بسبب مزاجية أخي وعصبيته، منذ أن كان أصغر من ذلك، مع أني اعدل بينهم في كل شيء تقريبًا، المادي والمعنوي (مع العلم أن والدتي حملت بأخي في ظروف نفسية عصيبة، بل أرضعته في ظروف أصعب).
زوجتي تثور ثائرتها (وانعكس ذلك على تعاملها بشكل غير مرضي مع أخي) بسبب قسوة أخي على أبنائها، والذي أدى بأحدهم إلى المبالغة في الشكوى، مما يرى من تجاوب أمه معه، فما الحل والعلاج في نظركم، لأهدئ العاصفة المقلقة، التي لم نتعود عليها في المنزل، إذ أن وضعهم أصبح لا يطاق. وكيف أهدئ من أخي؟، وكيف أفهم أبنائي (ولا أنسى أنهم يحبون بعضهم كثيرًا)

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك؛ وفهمت منها النقاط التالية:
جزاك الله خيرًا على اجتهادك في تربية أولادك وحرصك على صلاحهم، وأسأل الله أن يثيبك على هذه النية الطيبة، وهو ما ظهر من قولك عن ولدك الأول (حفظته ثلاثة أجزاء من القرآن)، ونتمنى أن تكمل معه المسيرة، وتحذوا بأخيه الثاني حذوك به، حتى يتم الله عليهما نعمته وفضله بحفظ كتاب الله عز وجل، واعلم أن هذا هو ما سيبقى لهما ولك في الآخرة عند الله عز وجل.
أما قولك (أسكن مع أهلي في بيت واحد، ولكني مستقل بشقة في الدور العلوي)، فهو فضل من الله ونعمة، حيث جمعت الخيرين، قربك من أمك وأبيك وإخوانك، وهم كما تعلم أرحامك، وصلتك لهم تطيل عمرك، وتبارك في رزقك. فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).
كما أنه يتيح لك فرصة الاطمئنان على أسرتك الصغيرة (زوجتك وولديك)، في حال سفرك في تجارة أو عمل أو تعلم، بحيث تأمن عليهم وسط أهلك. وهو ما عبرت عنه أنت بقولك في رسالتك (أطفالي لا يستطيعون تحمل البقاء في الشقة، فحدهم أذان العصر، ثم تثور ثائرتهم لأجل النزول لوالداي وإخواني)، وهو ما يعني أن أولادك يحبون جدهم وجدتهم وأعمامهم، فاحرص على تنمية هذه المودة، وتلك المحبة.
واعلم أخي – زادك الله فقهًا – أنه من الطبيعي – خاصة في هذه السن المبكرة، ذات الخصائص المعروفة سلفًا، والتي لطالما تحدث عنها خبراء النفس والاجتماع، من الطبيعي أن تحدث بعض المشاحنات بين الأطفال وبعضهم البعض، جراء تنافسهم أو تستبقهم في العلم أو اللعب، وهو أمر يجب ألا يتدخل فيه الكبار إلا بالهدوء، وبهدف الإصلاح بينهم، وإرشادهم وتوجيههم إلى ضرورة أن يتحابوا ويتعاطفوا وألا يعتدي بعضهم على بعض، وأن تجمعهم على طعام أو فسحة أو رحلة أو لعبة، تكون أنت فيها المنسق والموجه والمقرب. دون أن يفزعك معاودتهم الاشتباك والعراك فهذه طبيعة المرحلة العمرية.
وقد أعجبني علمك بظروف أخيك الأصغر وقولك (مع العلم أن والدتي حملت بأخي في ظروف نفسية عصيبة، بل أرضعته في ظروف أصعب)، وهذا الأمر أدعى أن يجعلك تحتضنه وتقربه منك، وتعطف عليه، طاعة لله وتقربًا إليه بفعل ما يسعد والتك، فلا تنظر إليه على أنه أخوك، وإنما على أنه ولدك الأول وليس الثالث، احتضنه مثلما تحتضن ولديك، وقبله مثلما تقبل ولديك، وقدم له بعض الحلوى كما تفعل مع ولديك، وخصه بثوب إن أحضرت لولديك ثيابًا في المناسبات والأعياد، لأن هذا كله من شأنه أن يجعله محبًا لأبنائك، وأن يدفع أبناءك إلى تقليدك، بحبه، فتستقر الأمور وتهدأ الصراعات.
أما بخصوص زوجتك، فلا يجب أن (تثور ثائرتها)، وألا ينعكس (ذلك على تعاملها بشكل غير مرضي) مع أخيك الأصغر، بسبب قسوته (الطفولية) على أبنائها، ولا يجب عليها أن تتجاوب مع شكوى أبنائها من عمهم الأصغر، أفهمها أنه طفل، وأن له ظروف مرضية خاصة، وأنه أخيك الأصغر، ويجب عليك أن تراعيه مثلما تراعي ولديك، ولطلب منها أن تفعل ذلك مرضاة لله، وطمعًا في رضاه وجنته، وأخبرها أن اهتمامها بأخيك شيء يسعدك، ويقربها هي منك، وأوصل لها هذا بطريق غير مباشر.
الأمر بيدك أخي الحبيب، لكنه يحتاج منك إلى: توجيه النية لله عز وجل، والصبر الجميل مع زوجك، وبذل الجهد معها بالإقناع لا بالعنف، وبالحب لا بالقسوة، وبالترغيب لا بالترهيب، وبالصبر لا بالتعجل، واعلم أن (الزمن جزء من العلاج)، ولا تنس قبل هذا وذاك أن تتوضأ وضوءك للصلاة، وأن تصلي ركعتين في جوف الليل، تتوجه بعدهما إلى الله، تتضرع إليه وتسأله سبحانه أن يصلح ما بين أولادك وأخيك، وأن يهدئ نفس زوجتك، وأن يصرف عنكما مكر الشيطان.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يتقبل منك نيتك الطيبة وأن يثيبك عنها خيرًا، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان ومكره.. وأن يهد لك نفس زوجتك، وأن يحببها في أخيك الطفل الأصغر، فتعامله كباقي صغارها، وأن يذهب عنكما هذا الكابوس الذي يتهددكما.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.