بدرية البشر.. وغوغائية قوى الظلام!!
16 رجب 1433
ريم سعيد آل عاطف

أثار قرار جامعة قطر إلغاء محاضرة الكاتبة السعودية بدرية البشر أو تأجيلها إلى أجلٍ غير مسمى الكثير من الجدل والنقاش عبر دوائر ثقافية وإعلامية ومجتمعية، اشترك فيها سعوديون وقطريون على حدٍ سواء.
 

 

ولي حول هذا الموضوع رؤيتي الخاصة التي أحببت طرحها في عدة نقاط:
 
ـ ما إن تم الإعلان عن استضافة الكاتبة لإلقاء المحاضرة حتى تحرّك طلاب الجامعة لتقديم اعتراضهم من خلال بعض أعضاء البرلمان الطلابي، وكذلك حملات الرفض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي كانت واضحة المبدأ والشعار منذ البداية، وهو رفضهم أن تحاضرهم كاتبة أساءت الأدب مع الله وتطاولت على ثوابت الدين. انتهى ذلك بأن استجابت الجامعة مشكورة لاعتراض طلبتها، وهنا تحية إجلال لإدارة الجامعة وطلابها الذين قدّموا درساً رائعاً عن المعنى الحقيقي للحرية ووسائل استثمارها وتفعيلها وعن احترام رأي الأغلبية، وأن شباب الأمة هم أول من يرفض المساس بعقيدتها أو التعدي على قيمها.
 

ـ كانت قد لاقت تلك التوجهات الرافضة لاستضافة البِشر دعماً من بعض المثقفين القطريين، ومنهم رئيس تحرير صحيفة «العرب» الأستاذ أحمد الرميحي، وكذلك مدير تحريرها عبدالله العذبة، واللذان استنكرا بشدّة ما وقعت فيه الكاتبة من تجاوزات شرعية خطيرة في روايتها، وأيّدا حق الطلبة في رفض استقبال أي مثقف لا يحترم عقيدتهم. والحق أن الرميحي والعذبة لم يزيدا على أن مارسا دورهما وقاما بواجبهما الديني والوطني بشرف وأمانة، وأدّيا رسالتهما الإعلامية والثقافية باقتدار.
 
وقد كان ذلك غريباً مُفاجِئاً بالنسبة لنا كسعوديين! فقد استشعرت كماً هائلاً من الدهشة والحسرة في ردود وتفاعل المتابعين السعوديين الذين قارنوا مواقف رئيس ومدير تحرير «العرب» في الانتصار لدين الله ثم الرغبة المجتمعية، بما اعتادوه من مواقف مخزية لقادة التحرير في صحفنا السعودية!.
 
كنت أتأمل بعض العبارات التي يطلقانها فأتجرع الحزن أسى على واقعنا، ففي إحداها يقول العذبة: «أنا مسلم عروبي.. ولدي أصدقاء يقولون إنهم ليبراليون، ولكن عندما يصل الأمر للإساءة لله ونبيه، أو الخلفاء الأربعة، يقف كل شيء».
 
وفي الوقت الذي ساند فيه رئيس ومدير تحرير «العرب» موقف القطريين الذين يرفضون المساس بدينهم ومعتقداتهم وأخلاقهم تحت أردية الأدب والفكر والحريات، كانت صحفنا السعودية المختطفة وبرؤساء تحريرها هي من تُعين وتشجّع الكتّاب في تمرّدهم وثورتهم على المُسلّمات الدينية وهوية المجتمع.
 

 

ـ بعد خبر منع المحاضرة ثارت ثائرة بدرية البشر فنعتت من كان وراء ذلك المنع بأنهم غوغائيون متطرفون ووصفتهم بقوى الظلام! وبدأت تعطي النصائح والعظات حول التعددية وقبول الرأي الآخر!
 
ذلك «الرأي الآخر» الذي لم تستطع أن تحترمه أو تتعامل معه بأدبٍ وإنصاف منذ أمسكت القلم وعرفت طريقها لمنابر الإعلام! أعوامٌ طوال وهي تحاربنا وتسيء إلينا وإلى قناعاتنا بنَفسٍ عدائي جائر!.
 
لا أستغرب بل ولا ألوم البشر إن استفزّها وقوف القطريين ضد فكرها، وأغضبها أن يستجيب صاحب القرار مشكوراً لرغبة الرأي العام، لأنها توقعت أو بالأحرى اعتادت أن يحصل العكس في الساحة الإعلامية والثقافية السعودية: وهو أن يخضع المجتمع ويرضخ لصوت المسؤول! اعتادت البشر أنها وأمثالها ممن يحمل ذات الفكر المصادم لقيمنا الدينية أن يجدوا التأييد والتكريم والحفاوة في كافة الملتقيات والمناسبات الثقافية الرسمية، حتى وإن كان المجتمع ينبذهم ويرفض منهجهم وأطروحاتهم!.
 

 

ـ المسألة الأخيرة التي أود الإشارة إليها وتتعلق بهذا الموضوع وغيره من الحالات التي تمت فيها دعوة بعض الروائيات السعوديات أو الناشطات لمحافل ومؤتمرات رسمية، ثم تعرضن للرفض أو الطرد من قبل العامة، وقد تكرر هذا في عدة مدن سعودية.
 
وها هو يحدث ولكن بصورة مختلفة في قطر. أتساءل لماذا هذا الإصرار على إبراز فئة قليلة من المتمردات والمتجاوزات على الشرع والعرف، وتصديرهن كمثقفات يمثّلن المرأة السعودية، مع أن السعوديات ذاتهن يعارضن توجهاتهن جملة وتفصيلاً؟
 
لماذا يتم تجاهل الآلاف من الأكاديميات والمبدعات والمثقفات الحقيقيات في شتى العلوم والمعارف واللاتي لم يجدن في التزامهن الديني وتصالحهن مع مجتمعهن إلا محفزاً لمزيد من التفوق والتفرّد؟ لماذا يتم منع وصولهن لينقلن صورة صادقة وأمينة عن المرأة السعودية، فيما يُتاح الباب لغيرهن ممن ينطلقن من منطلقات تخالف ما يؤمن به غالبية الشعب السعودي؟
 

 

ـ أخيراً
 
فإن غاية ما يحزنني أن تضم بلادي عشرات الآلاف من الموهوبات والعالمات والداعيات والمتميزات في كل مجال، ثم يغيّبهن الإعلام وتفشل مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة في التعريف بنجاحهن والاحتفاء بهن كنماذج وقدوات، وبالتالي تقديمهن للعالم كصورة رائعة خلابة تتحدث عن المرأة السعودية.
 
ريم سعيد آل عاطف
[email protected]
http://twitter.com/ReemAlatef

المصدر/ لجينيات