أنت هنا

عندما تدرك المرأة معنى صناعة الحياة
3 رجب 1433
صفية الودغيري

خطابي اليوم للمرأة لتدرك أن على عاتقها مسؤولية تبليغ رسالتها في الحياة , فلتسجل تاريخها كما سجله من تقدموها من رائدات حملن مشعل النجاح ,  لتصنع لها حياة جديرة أن تحياها كامرأة مسلمة ، تخطو بخطى إيمانية نحو الصفوف الأمامية ..، لتدون يومياتها بمداد يخلد تاريخها يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة لمن سيخلفها ، ويهتدي بمعالمها على الطريق ، التي ورسمتها بكدها وجهدها وكدحها في الحياة ..

إنها مواقف تستحق عليها المرأة أن يردد إسمها ، ويرفع ذكرها تقديرا وتشريفا يصاحبها في الدنيا والآخرة .

وإن وظيفتها  ودورها الذي تضطلع به في المجتمع الإسلامي من تربية للأطفال، وقيام بحقوق الزوج ، ورعاية كاملة لكل أفراد الأسرة .. لهو أجدر أن تخلد به تاريخها .

والأم المربية هي مصدر قوة مؤثرة في البيت المسلم والمجتمع ككل ، ووجودها على الصورة المنشودة والمنهج المطلوب يعد مفتاح التغيير الإيجابي المنشود.في الأمة ..
ولهذا أعطى ديننا العظيم ، ومنهجنا الإسلامي القويم أولوية عظمى لوظيفة الأم المربية ،التي تساهم بحسن أدائها واستمرار رسالتها ، ودوام عطائها في إقامة مجتمعات إيمان وإسلام حقيقيين ..
لذا اختار للمرأة موقعا لا ينافسها فيه أحد ، وهو قرارها في بيتها  ، فلم يجز لها الخروج إلا لقضاء حاجاتها الضرورية وفق الضوابط الشرعية ..والأصل الشرعي في هذا قوله تعالى : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) الأحزاب الآية 33

قال القرطبي ( وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ) الجامع لأحكام القرآن :( 14/152)

وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم الآية بقوله : ( قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن )رواه البخاري 5237 ومسلم 2170 من حديث عائشة رضي الله عنها

فالأصل في المرأة القرار في البيت ، لأنَّ فطرتها التي خلقها الله عليها هي حبّ الأمومة وتربية الأجيال والمشاركة في تكوين الأسرة ..

أما المخالفون ممن يريدون خلخلة المجتمع الإسلامي ، والتفلت من قيود الأمومة ، والمنزل والأسرة ..إنما يريدون أن يكون الأصل في المرأة هو العمل خارج البيت ، وأن تكون مساوية للرجل في ذلك ، ويعدونه من حقوقها ، زعما أن قرارها في بيتها مهانة لها ، ووئدا لمواهبها ، وهي بذلك تكون مستعمرة من قبل الرجل ، أسيرة في سجن بيته ، متغيبة عن الحياة وعن المشاركة في تنمية مجتمعها ..
إنها افتراءات، أصلها جهل بمكانة المرأة المسلمة ، التي تريد المحافظة على البيض المكنون ، والجوهر في أصدافه ، والزهر في أغصانه..
ومع ذلك فقد نجح هؤلاء في بث سموم أفكارهم في مجتمعاتنا المسلمة ، فصرنا نتبنى فلسفتهم ،  فننظر للمرأة العاملة في مرتبة أعلى من مرتبة المرأة الملازمة لبيتها ، حتى صار تعريف العمل بالنسبة لنا يقدر بما يتقاضى عليه صاحبه أجرا .. مما أدى إلى نفور كثير من النساء  من عمل البيت واحتقاره  ، لدرجة الشعور بالخجل والعار من وصف إحداهن بربة بيت ، لأننا عكسنا الموازين فصرنا ننظر للمرأة الملازمة لبيتها المدبرة لشؤونه ، المربية لأبنائها .. على أنها عاطلة لا عاملة
 

إنها معتقدات خاطئة وثقافات معكوسة دخيلة ، تحولت إلى مجتمعاتنا فصارت أصولا لها فروع ، تنمو وتزداد جيلا بعد جيل ..
فعرضنا بهذا سفينة الحياة الأسرية والاجتماعية إلى عواصف مدمرة وأمواج مهلكة نشاهد آثارها في مجالات مختلفة ، لاسيما على أطفالنا
في حين أن الإسلام رفع من قدر المرأة المربية التي تكرس نفسها للأمومة ورعاية البيت ، واعتبر عملها في البيت تشريفا لها ، وإسهاما جليلا في البناء والإصلاح والتغيير وتنمية المجتمع ..
 
(إنناحين ننظر في جد لنوازن بين عمل المرأة وعمل الرجل – من حيث الجدوى على الحياة ومجد الدولة  ، ترى أن المرأة قد ذهبت باللب ، والرجل قد قام من ذلك اللب بدور لا نقول : إنه ثانوي ، ولكنه ليس في صميم اللب ، فأي الدورين يكون صاحبه عاطلا – أو في حكم المتعطل – إذا كان مقياس العمل والعطل هو الإنتاج للحياة ؟ماذا يكون أجرمن ثمرتها طفل ، وأجر من ثمرته جلب حزمة من حطب أو بضع ثمرات من شجرة قريبة ؟ ! ..ولكن الحياة لا تجزى ذلك الأجر النقدي ، فإن ثمر المرأة ومقامها أجلّ من أن يقدر بعرض ) الأمومة ومكانتها في الإسلام لمها الأبرش ( 2/934 - 936 )

إن المرأة التي تدرك هذا الفهم  تعطي المجتمع التوازن المطلوب ، والمناعة والقوة . فحين تعمل المرأة داخل بيتها تنشئ أمة بكل ما تحمله الجملة من معاني ، لأنها  تساهم في راحة زوجها وزيادة إنتاجه وإنتاج أولادها خارج البيت .. وهذا الإنتاج كلما نما فهو يساهم في نمو المجتمع ، وزيادة الدخل القومي للأمة ، وبالتالي زيادة رقيها وازدهارها ..

علاوة على قيامها بدور الضبط الاجتماعي حين تعمل على (حراسة  قيم المجتمع وتنميتها وتلك مهمة ليست سهلة ، خصوصا أن أحد مقومات الأمم يتمثل في قوة عقائدها ، واعتزازها بثروتها من القيم والمثل العليا ) [1] -منهج القرآن في تربية المجتمع / عبد الفتاح عاشور ص 312 وما بعدها

وهذه من ركائز التنمية الرئيسية، والمرأة بذلك تقوم على إعداد رأس المال البشري اللازم لأي تنمية ، ومن ثم يكون لعملها في بيتها من الأهمية ما يعادل – بل يزيد – عن عملها خارجه في صنع أفراد المجتمع الذي يُحكم بنجاحه إذا نجحوا وبفشله إذا فشلوا .

لقد كانت الأمهات الصحابيات ومن تبعتهن على المنهج القويم والمشرب العذب النقي تراعين القيام بواجبهن الطبيعي والأصلي ، وتنظرن لوظيفتهن داخل البيوت على أنها تشريف لهن ، لأنهن تخرجن الجيل المؤمن في قلبه ويقينه، والأيدي المتوضئة الطاهرة التي ترفع بالتكبير ، والجباه الساجدة تذللا وخضوعا لله ..
 

ولأنها كانت تعي  معنى أن تسجل لها تاريخا ، حين تقيم دولة من قعر بيوتها  وحين تنشئ جيلا محمديا فكرا ومنهجا وسلوكا ..
يخرج من رحم المنجبات من الأمهات المؤمنات ، ويسقي من ثديها حليبا طاهرا ، صافي المشرب ..
ولو نقبنا في صفحات حياة الكثير من الأئمة والعلماء ، سنرى وراءهم أما عظيمة مربية ، كان لها أثرها التربوي على لمعان نجمه .
وسير الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن ، ونساء الإسلام في مختلف العصور تشهد بهذا، وإن كان المجال لا يتسع لسرد هذه السير، لكن نمثل لإحداهن اقتداء واهتداء بسيرهن .
 

إننا نحتاج اليوم لمثل هؤلاء الأمهات اللاتي سجلن تاريخهن بأيديهن الطاهرة ، فبذلن قصارى جهدهن تضحية وعطاء لا ينضب ..
ولمن تخلفن بصمات بيضاء منذ الانطلاقة الأولى كما خلفها من تقدمهن من الرعيل الأول من الأمهات المربيات ،  ومن غرسن بذرة الإيمان في سويداء القلوب ، وسمات الأخلاق في أعماق النفوس ..
 
إننا بحاجة اليوم لأمهات تسطر في سجل تاريخها أمجادا ، وتخلد في دفتر حياتها رجالا، وتخلف بعد موتها أسودا ..

تزرع في قلوب الناس نخلا ، ثابتا في الأرض أصلا ، فرعه يهتاج فيؤكل ، ويظل بين الأحشاء غذاء يًطعم ..

إننا بحاجة لمن تكتب تاريخها من خلال الأصل الطبيعي الذي فطرت عليه ، وهو قرارها ببيتها لأداء وظائفها الحساسة ، وعلى رأسه صنع أجيال العز والتمكين ، قبل أن تفكر في أداء وظائف أخر، أو تسهم في أنشطة متنوعة أو تشارك في مهن وصناعات ومهارات يحتاج إليها المجتمع المسلم ..

إننا بحاجة لمن تدرك على أنه بالرغم من وجود بعض المنافع في عملها خارج بيتها كما يعمل الرجل ، لكن ترى أن هذا من باب ( وإثمهما أكبر من نفعهما )البقرة الآية 219 وعلى أنه مهما نشأ عن عملها من ثروة للبلاد ، فإن ذلك هادم لبناء الحياة المنزلية ، وتقويض لأركان العائلة ، وتمزيق للروابط الاجتماعية ، لأنه يسلبها من زوجها وأولادها من غير أن تدري ، ويسلخها عن وظيفتها الأصلية

إن التي تغامر بحياتها الزوجية و بالسعادة التي تنشرها في بيتها ، أو تغامر برعاية أولادها والتفرغ لحسن تربيتهم وتنشئتهم التنشئة السليمة، وتتنازل عن وظيفتها الفطرية والطبيعية في أن تكون ربة أسرة ومسؤولة في سبيل هوى متبع ، أو متعة زائلة ، لا تصنع لنفسها حياة إنما تصنع مجدا زائفا ، تندفع خلفه بدافع الطمع في وظيفة أو عمل ، أو بدافع رغبة نفسية في وجاهة اجتماعية . أو في التمتع بمزيد من المال .. ولا تخلد لنفسها تاريخا ، بل مغارم وأعباء ثقيلة ، لا يفي عمرها لكي تسدده
وختاما إننا بحاجة لنساء تخلدن تاريخهن من خلال إدراكهن لعظمة الإسلام وسمو تشريعه الذي ينسجم مع السنن الكونية والطبيعية البشرية ويكون معه وحدة متكاملة منسجمة تحقق مصالح الإنسان المختلفة , ( وإذا نظرنا إلى جنس انقسم إلى نوعين فيجب أن نقول إنه ينقسم إلى نوعين إلا لأداء مهمتين ، وإلا لو كانت المهمة واحدة لظل الجنس واحدا ، ولم ينقسم إلى نوعين ، فالليل والنهار نوعان لجنس واحد هو الزمن وهذا التنوع أدى إلى أن يكون لليل مهمة هي السكن ، وأن يكون للنهار مهمة هي السعي والكدح ، والرجل والمرأة بهذا الشكل نوعان لجنس هو الإنسان فكأن هناك أشياء تطلب من كل منهما كإنسان وبعد ذلك أشياء تطلب من الرجل كرجل ومن المرأة كامرأة ) القضاء والقدر : ص 130