الإسلاميون في رهانات "العسكر" بمصر
3 رجب 1433
علا محمود سامي

منذ اندلاع ثورة 25 يناير، وحتى سقوط النظام البائد، كانت هناك حالة دعم جارف في أوساط المصريين تقديرا لدور القوات المسلحة الداعم للثورة وحمايتها، الى أن وجد المتظاهرون أنفسهم أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة حاكما للبلاد بتفويض من الرئيس المخلوع حسني مبارك.

 

وقتها لم يفكر المصريون كثيرا أن الذي سقطت شرعيته لايمكن له أن يفوض، ولكنهم من هول ما عاشوه من استبداد وطغيان على مدى ثلاثة عقود أو أكثر، ومع غمرة التوق الى الحرية والثقة في مؤسستهم العسكرية، رضى المصريون بحامي ثورتهم، وقيامه بتخليصهم من نظام حكم استبدادي، ولم يدركوا يوما أن هذا المخلص يمكن أن يجمل صورة نظام البائد، أو يعمل على اعادة انتاجه.

 

ومع اعلان المجلس لأول تعديلات دستورية والاقتراع عليها في 19 مارس 2011، كانت بوارد الخلافات تدب بين مختلف القوى السياسية حول هذه التعديلات، ومعها جرى توجيه انتقادات حادة الى المجلس العسكري، وهو ما كان ايذانا لسحب قوى ليبرالية لأوساط الرأي العام الى الشارع، وهو ما قوبل بصدام ، إثر قيام الشرطة العسكرية بفض عدة اعتصامات، وقعت على إثرها أحداث شهيرة مثل "مسرح البالون، ماسبيرو، محمد محمود، مجلس الوزراء"، الى غيرها من محاولات اشاعة الفوضى وإثارة التخريب.

 

أمام كل هذه الصدامات الكلامية والأمنية بين "العسكر" والقوى الليبرالية، كان الاسلاميون أكثر استمساكا وحرصا على تماسك مؤسستهم العسكرية، طامعين في انجاز أولى درجات السلم والتحول في بلادهم عبر الانتخابيات التشريعية المتمثلة في مجلسي الشعب والشورى، والذي حصدوا خلالها على أغلبية مطلقة في جميع الأحزاب الاسلامية، على مختلف تياراتهم الفكرية ذات الصلة، وبتصويت انتخابي تجاوز أكثر من 30 مليون صوت.

 

وكان لخيار الإسلاميين بعدم الصدام مع "العسكري" بأي حال انعكاساته في أوساط القوى الليبرالية التي أخذت تتحدث عن وجود صفقات بين الجانبين، وأنه يسعى لتسليمهم السلطتين التشريعية والتنفيذية على طبق من ذهب، وهو ما أثار حنقا بين أوساط هذه القوى ضد الإسلاميين عبر ماكينة اعلامية مضللة، سعت لتشوية كل ما هو إسلامي، بل وتصويرهم على أنهم الاستبداديون الجدد، الذي يعملون على اعادة نظام المخلوع وحزبه "المنحل".

 

غير أنه ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية كان الاسلاميون على وقع مفاجأة مدوية بأن من كانوا حريصين على دعمه بالأمس القريب، حرصا على مؤسسته الأمنية والعسكرية لتظل قوية لحماية الوطن وحدوده ، يدبر لهم في الخفاء كل ما يمكن أن يعيدهم الى المربع الأول بعد الثورة، وربما قبلها، كما كان الحال إبان النظام البائد.

 

وتفسير ذلك أن السلطة التنفيذية وممثلة في الحكومة والمجلس العسكري حاولت اعاقة البرلمان بغرفتيه عن القيام بدوره، لتصويره بالفشل أمام الرأي العام ، وإحراج الإسلاميين، وإضعاف شعبيتهم، وهو ما يترافق معه بالأصل حملات تضليل اعلامية منظمة ، على نحو ما كان لهم منها نصيب ، في الزعم بأن الاسلاميين سيحطمون التماثيل الفرعونية، وأنهم سيقومون بتغطيتها بالشمع، وأنهم سيقومون أيضا بمهاجمة السافرات والزعم بتطبيق الحد عليهن، وعلى غيرهن، على خلفية تشكيل لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي سرعان ما ظهر زيف تشكيلها، وأنها كانت تستهدف تشوية الاسلاميين اثناء الانتخابات التشريعية.

 

ومع محاولات اعاقة البرلمان وعدم تجاوب الحكومة معه فيما يتخذ من اجراءات للرقابة عليها، وجد المصريون جراء ذلك أنفسهم أمام مزيد من تجرع لمرارات اقتصادية وتردي في الأوضاع الأمنية، ما جعل الشارع المصري يحمل مسؤولية ذلك للاسلاميين، وهو ما كانت تسعى اليه السلطة التنفيذية بشقيها، ومعهم غلاة العلمانيين ومن لف لفيفهم.

 

وترافق مع هذا كله تهديدات بحل البرلمان من خلال الدعوى القضائية التي أحالتها المحكمة الادراية العليا الى المحكمة الدستورية للنظر فيها ، وهو ما يلمح الى امكانية حل مجلسي التشريع بالفعل، ومن ثم خروج الاسلاميين ذات الأغلبية منه، وهو ما تزامن معه أيضا دعاوى قضائية تدعو لحل الأحزاب الاسلامية، التي نشأت بعد الثورة، على اعتبار مرجعيتها الدينية، وهو ما يؤشر أيضا الى تفكيك هذه الأحزاب، وتناثر الاسلاميين في حركات وجماعات، وربما مطاردات على نحو ما حدث بالفعل من حملات توقيف لمتلحين على الطرق السريعة مع دعوة الاسلاميين لمليونيتين على مدى الأسابيع الماضية.

 

النتيجة السابقة هى التي صارت في رهانات "العسكري" بحق من دافع عنه كمؤسسة وليس عن شخوص أعضائه ورئيسه، وسددوا لقاء ذلك اتهامات بالعمالة إليه، وأنهم انخرطوا معه في صفقة يتسلمون بموجبها سلطة البلاد، الى أن ظهر أن ذلك محض افتراء، حيث استخدمهم "العسكري" بطريقة أو بأخرى للدفاع عنه وتحييدهم في عداءه مع القوى الليبرالية ، الى أن أصبح يخطط للتخلص منهم، بعد اثبات فشلهم وتعطيلهم عن تقديم مشروعهم الاسلامي، بل وإعادتهم الى ما كانوا عليه قبل الثورة ، وبعد وقوعها بشهور.
هذا ما حدث بالفعل، عندما أعلن المجلس العسكري تجاذبه السياسي مع جماعة الاخوان المسلمين عبر بياناته على مواقع التواصل الاجتماعي، وتذكيرهم بتنظيماتهم السرية والتي رآها تتواصل حتى يومنا، الى أن خرج علينا نائب المخلوع عمر سليمان ، الذي حاول أن يتسلل الى سدة الرئاسة قبل استبعاده أخيرا ، وأطلق تصريحاته النارية بشأن تهديدات تلقاها بالقتل من الجماعات الاسلامية، فسرها البرلماني مصطفى بكري تاليا نقلا عن رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي بأن هذه التهديدات فعلية، وانه تلقاها من جماعة الاخوان المسلمين.

 

هكذا يطلق الرجل اتهاماته دون سند أو دليل، وإلا ما ترك مطلقي هذه التهديدات ، وأحالهم بموجبها الى القضاء، ما يشر الى أن هناك رغبات لدى السلطة الحاكمة بتغيير خريطة التعامل مع الاسلاميين.ولسنا هنا بصدد الدفاع عن فصيل بعينه، بقدر ما نسعى لفهم وضعية الاسلاميين في الرهانات التي أصبح عليها المجلس العسكري، في الوقت الذي يفترض فيه حاليا أن يلملم أوراقه للعودة الى ثكناته، وتسليم البلاد الى سلطة منتخبة، على الرغم مما صار يشيعه "العسكري" نفسه بوجود رغبة بتأجيل الانتخابات الرئاسية، وممارساته ضغوطا لسرعة ما يعرف ب"سلق" الدستور المرتقب للبلاد.

 

القراءة السابقة ليست وليدة عاطفة كان يستشعر وقتها الاسلاميون بأنهم قاب قوسين او أدنى من تقلد زمام الأمور لتطبيق مشروعهم الذي يحلمون به، وظلوا محرومين من تنفيذه على مدى عقود، وذاقوا في سبيله ويلات السجن والتعذيب والتصفية الجسدية ومصادرة الأموال، والاضطهاد بالوظائف والتشوية الاعلامي، ولكنه تحليل صادق لمجريات الأحداث ، وتطور المشهد المصري بكل تداعياته، ما يفرض على الاسلاميين في مصر سرعة تدبر الأمر، ومواجهة ما صار يدبر لهم ويحاك ضدهم ، وأنه لن يكون عاصما لهم منه سوى الاخلاص ، والتمسك بالمنهج، وعدم التزحزح عنه، ولو قيد أنمله، ومع ذلك كله وحدتهم، فالمتربصين لهم، لايفرقون بين إخوان وسلفيين، أو غيرهم.