تونس: الشريعة والهوية والدستور في نظر النخب
20 جمادى الثانية 1433
عبد الباقي خليفة

لا تزال القضايا التي تتعلق بالهوية الثقافية لتونس محوراهتمامات النخب التونسية التي تتنازعها مشارب عدة وإن كانت لا تعبر عن واقع تعددي من حيث الكم ، إذ أن الشعب التونسي شعب عربي مسلم ، حتى وإن عاش بين أظهره غيرالمسلمين، من حيث السلوك أوالاعتقاد، إذ أنهما مرتبطان ارتباطا وثيقا في حالة الإنتماء الآيديولوجي والحزبي. وقد زاد الجدل في هذه الأيام التي يتم فيها صياغة دستورتونس الجديد، بين أنصار الهوية الاسلامية، وبين من يدعون لتجاوز قضية الهوية، والتركيزعلى مسائل لا يمكن أن تكون بديلا عن الهوية ولكن تعد داعمة وضامنة ورافدا مهما لها ( الهوية الاسلامية ) كالحرية والعدالة والكرامة وغيرها.

 

وكان بعض العالمانيين قد ذهب إلى حد المطالبة بحذف الفصل الأول من الدستور والذي ينص على إن " تونس دولة حرة مستقلة لغتها العربية ودينها الاسلام" كما طالب بعض العالمانيين بأن لا ينص على إن " الاسلام دين الدولة" وذهب آخرون....إلى تغيير الفصل الأول ليكون" ....والاسلام دين أغلبية الشعب التونسي"؟!!!

 

على الجانب الآخر من الصورة ، دارت وتدور في مختلف أنحاء تونس نقاشات استثنائية بين القيادات العليا وشرائح قواعدها المنتشرة في جميع مفاصل البلاد الاجتماعية والجغرافية والمهنية .إذ أعرب البعض عن مخاوفه من أن تنزلق النهضة إلى ما انزلق إليه حزب الاستقلال المغربي الذي بدأ اسلاميا، وكذلك "حركة فتح" التي كانت قيادتها تضم خليطا من الاسلاميين وغيرهم.

 

بينما دافع آخرون عن خيارات الحركة معتبرين طريقتها في إدارة ملف الشريعة والدستور صورة من صلح الحديبية، وردود الأفعال حول حادثة الإسراء، وزواج النبي صلى الله عليه وسلم بطليقة زيد، وتحويل القبلة، ما رافق كل ذلك من هزات بلغت الصف الإسلامي. كما اعتبروا موقف حركة النهضة الداعي لتفعيل البند الأول من الدستور، والذي يشيرإلى إن الإسلام دين الدولة، كاف لوضع إطار للمشرع وهو عدم إصدار قوانين تخالف الشريعة الإسلامية. واعتبروا الجدل حول الشريعة تم قطعه حيث هناك " من راهن على انقسام الشعب" بل" صوملة تونس" وأن" الحرية هي المدخل للشريعة، بينما أثبتت التجربة أن فرض القوانين من فوق جاء بنتائج عكسية، كما هو الحال في العديد من الدول العربية والإسلامية". 

 

  وقالت القيادية في حزب حركة النهضة، فريدة العبيدي"للمسلم"" ليس صحيحا أنه من يعتبرالشريعة مصدرا أساسيا من مصادر التشريع هو مع الشريعة، ومن يطالب بتفعيل الفصل الأول من الدستور ليس مع الشريعة فهذا تجني كبير وخروج عن سياق الموضوع " وتابعت "لا يجب أن يقسم الشعب التونسي بطريقة مفتعلة بين أنصار الإسلام وأنصار الشريعة في حين أن الشريعة جزء من الإسلام". وأردفت " من لم يطالب بتضمين بند الشريعة في الدستور لا يعني أنه لا يؤمن بعلوية الشريعة، وإن إنما أراد الخروج من دائرة الجدل البيزنطي.و ما أحوجنا لجمع الكلمة والاتحاد والاتفاق حول تحقيق أهداف الثورة " وأكدت على إن" معركتنا الآن هي الحريات، وهذا لا يعني أن الحركة تخلت عن مفهومها الشامل للاسلام، ولكن مبادئ الحرية والعدالة والتنمية من جوهر قيم الاسلام، ومقاصد الشريعة وتحقيق أهداف الثورة  وهي تمثل 90 في المائة من مقاصد الشريعة".

 

وحول عجزالفصل الأول لأكثر من 50 سنة عن حماية الإسلام، وصدرو المنشور 108 الذي يمنع الحجاب ، والزج بالاسلاميين في السجون وخنق الحريات العامة أفادت " الدساتير نتيجة التدافع داخل المجتمع ، والنتيجة هي التي تضع العلوية القانونية..الدساتير نتيجة واقع اجتماعي وسياسي، ونتيجة توازن قوى داخل المجتمع .. كل القوانين إن لم تكن تعبيرا عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي لا يمكن تطبيقه.. هناك دول لها دساتير اسلامية لكن فصول هذه الدساتير غير مطبقة في الواقع، لأن مجرد تضمين الشريعة في الدستور كافية، كلام غير صحيح، فإذا كانت الجهة الماسكة بالسلطة لا تفعل ولا تطبق القوانين ستبقى القوانين حبرا على ورق. وسيبقى ذلك رهن تفسيرها وتأويلها للفصل الأول".
وشددت على إن "الاسلام دين الشعب و دين الدولة، وهذا الأمر حسم، الاسلام دين هذه الدولة"

 

وحول مطالب تفعيل الفصل الأول أوضحت بأن" المآلات واستتباعات ما يتضمنه الفصل الأول كافية و وسندافع عنه في مفاصل الدستور،الإسلام شأن الدولة وهي مطالبة بحمايته.. الموجود في السلطة هو المسؤول عن رعاية الإسلام والمرافق الدينية في الدولة، وما لم تكن هناك إرادة سياسية قوية لتطبيق الاسلام وأشارت إلى إن" الشريعة لا تساوي تطبيق الحدود فقط ، وإنما تشمل التنمية والعدالة والنزاهة، ولا يخفى أن حركة  النهضة لديها مشروع اسلامي تحرري".
وأعربت العبيدي عن خشيتها من فرض انموذج اسلامي ، كما تم فرض نموذج حداثي انتهى بفرار الديكتاتور"الواقع الاجتماعي غير مهيأ الآن، والاحتفاظ بالفصل الأول من شأنه أن يؤدي للغايات والتغيير لا يمكن أن يكون فوقيا، كما تم فرض مفهوم آيديولوجي مختزل للحداثة ".

 

وقال القيادي عامر العريض" الحركة أسست لإعلاء كلمة الله، والاسلام هو كلمة الله إلى الناس أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، فكلمة التوحيد هي الأساس وهو البداية والغاية والهدف" وحول الجدل الحاصل في المجتمع والحوار داخل الحركة قال" في الأيام القليلة الماضية حصل حوار ونقاش حول الفصل الأول من الدستور وحول التنصيص على الشريعة وأقول للصادقين الذين يطالبون بالتنصيص على الشريعة،حركة النهضة التي قدمت ما قدمت من التضحيات من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا لن تقبل أبدا أي اعتداء على هوية هذا الشعب التي هي دينه وما يمثله القرآن والسنة من محورية في هذه الهوية وهذا الدين ". وتابع "قدمنا تضحيات، نصف أعمارنا في السجون والمنافي، هذه التضحيات من أجل الاسلام وسنثبت بأن تونس لن تركع  لغير الله أبدا " وأضاف" انتهى باذن الله تعالى حكم الأقليات الاستئصالية التي دمرت البلاد والعباد والعائلات والقيم ، انتهى لغير رجعة باذن الله تعالى".

 

وأوضح بأن "الفصل الاول ينصص على هوية الدولة، هذه الدولة دينها الاسلام،إن الدين عند الله الاسلام  والشريعة جزء من الاسلام " وبين بأن" الشريعة التي شرعها الله لتحقيق خلافة الانسان في الارض على أحسن وجوهها، وقع حولها التباسات وتشويه كثير ونحن نريد تحرير بلادنا وأن ننآى بشعبنا عن التجاذبات ،ونريد ايجاد الارضية التي تجمع أبناء تونس على مشروع وطني نحو الامام ومنع أي انتكاسة لعهود الفساد والاستبداد". وكرر ما قالته العبيدي" أهم معركة ليست معركة التنصيص، ففي بلاد عربية واسلامية  تم التنصيص على إن الشريعة هي مصدر من المصادر أوالمصدر الأساسي وحتى المصدر الوحيد والحاكمية  ولكن ذلك لم يمنع من أن تكون أنظمة فاسدة ومستبدة . ووقعت ثورات إذن المعركة ليست في التنصيص بل في موازين القوى وعلينا أن نصلح في المجتمع ونغير في السياسة حتى نحقق ثبات هذه القيم في المجتمع ونبدأ بأنفسنا" وأشارإلى تركة الفساد" هناك إدارة فاسدة على كل المستويات . هناك فساد وخراب على كل المستويات ونحن علينا أن نغير هذه الاوضاع دون انتقام وتشفي ولكن بحركة ثابتة ". ومن التحديات التي تقف أمام تونس كما يوضحها العريض( شقيق وزير الداخلية ) تحدي الإعلام الآيديولوجي والمستأجرالذي يتخفى وراء الاستقلالية والحرية الإعلامية بينما عناصره غير مستقلة وغير محايدة "جزء من الاعلام يروج لصورة عدمية محبطة عن البلاد وتسبب في أزمات مع الأصدقاء مع الأصدقاء والجيران . ونحن نريد أن يكون نزيها وحرا ومستقلا وحياديا".

 

ووصف العصابات المسيطرة على الإعلام بأنها حزبية " حولوا الاعلام العمومي إلى مواقع آيديولوجية حزبية تعادي الثورة وهوية البلاد والمجلس الوطني التأسيسي والحكومة". ومن التحديات التي تطرق إليها العريض"الوضع في ليبيا تعرفون أن ليبيا تعيش بعض القلاقل ونتيجة لذلك هنا تهريب للسلاح نحو تونس وتهريب المواد الغذائية والمواشي نحو ليبيا من تونس ونحن حريصون على الهدوء في ليبيا ونساهم في ذلك حتى تكون في ليبيا مؤسسات منتخبة واستقراروتنمية ".
وبالتالي فإن"تحدي صياغة الدستور تحد من التحديات " نخوض المعركة موحدين، التيار الوسطي بتعدده الفكري والسياسي أكثر ما يمكن من التعاون المشترك حتى لا تتجه تونس لنوع من الصوملة إذا لم ننتبه قد ندخل البلاد في وضع كالصومال نحن حركة مسؤولة وحريصة على الأمن والأمان والسلم بين الناس وأن يتحاوروا وأن تكون كلمة الله هي العليا في هذه المناخات" .

 

أما عضو المجلس التأسيسي عن حركة النهضة محمود قويعة فقد أشار إلى بيان الهيئة التأسيسية، لحزب حركة النهضة، قائلا:"الذي يطلب الكل يخشى أن يخسر الكل..هناك نعم كثيرة ونخشى من سكرة الانتشاء بهذه النعم ، نخشى أن يعيش إخواننا سكرة الانتشاء فيظنون أنه يمكن أن ننجز كل شئ في وقت واحد". وقرأ بيان الهيئة التأسيسية لحركة النهضة المنعقدة يومي 24 و25 مارس لعام 2012 في دورتها الواحدة والعشرين "إذ تتابع باهتمام وحرص الحوار الوطني المجتمعي الدائر حول الدستورفإنها تؤكد التزامها بما جاء في برنامجها الانتخابي و،خاصة النقطة السابعة،أن تونس دولة حرة مستقلة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها وتحقيق أهداف الثورة أولوياتها". وأن "حركة النهضة ذات المرجعية الاسلامية تنطلق في برنامجها من احترام الثوابت الوطنية وفي مقدمتها التعريف بالاسلام ومقاصده وتراثه الحضاري. وتعتبر أن صيغة الفصل الأول من دستور 1959 والتي تنص على إن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها واضحة ومحل توافق بين كل مكونات المجتمع وهي تحفظ الهوية العربية الاسلامية للدولة التونسية وتؤكد مدنيتها وديمقراطيتها في ذات الوقت حيث تنص على إن الإسلام دين الدولة بما يقتضيه ذلك من دلالات". والهيئة التأسيسية "تدعو أعضاء المجلس الوطني التأسيسي إلى ضرورة مراعاة الدستورالجديد في كل مفاصله المختلفة لخصائص هوية البلاد وثقافتها. وتذكر أن تحقيق أهداف الثورة في تنمية جهوية عادلة ومقاومة الفقرواجتثاث جذور الفساد والافساد تتطلب توحيد كل قوى شعبنا وتعبئة  كل طاقاته من أجل ذلك، قال تعالى وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا".