للاسف: مصر تدخل مرحلة انتقالية جديدة
14 جمادى الثانية 1433
طلعت رميح

بدات الدعاية الانتخابية رسميا،بعدما اعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية المصرية عن القائمة النهائية بأسماء المرشحين التي تضم 13 مرشحا،وكان الجديد الاهم فى هذا الاعلان،ان اعادت اللجنة الفريق أحمد شفيق -آخر رئيس للوزراء بعهد الرئيس السابق حسني مبارك–الى سباق الانتخابات بعد ان قبلت طعنه في قرار استبعاده، ورفضت طعون نحو 10 مرشحين اخرين كان ابرزهم المهندس خيرت الشاطر مرشح الاخوان المسلمين وحازم صلاح ابو اسماعيل المرشح الذى ما يزال انصاره فى وضع المحاولة لاعادته للسباق رغم دوران عجلة الانتخابات،واللواء عمر سليمان الذى ترشح فى اخر لحظة قبل اغلاق باب الترشيح ولم ينطق كلمة واحدة بعد استبعاده .وفى هذا الاعلان أكدت اللجنة أن الانتخابات ستجرى في موعدها المقرر يوم 23 مايو المقبل، وتعهدت بنزاهتها،قاطعة الشك باليقين،اذ كانت قد تكاثرت الشكوك حول احتمالات تاجيلها،على اعتبار ان استبعاد شفيق بناءا على التعديلات التى ادخلها مجلس الشعب على قانون مباشرة الحقوق السياسية، ربما تعطى شفيق الحق فى الطعن امام الدستورية العليا بما ينتج عنه تعطيل اجراء الانتخابات لحين الفصل فى دستورية القانون امام المحكمة الدستورية .

 

غير ان المتابع للمشهد المصرى،يجد ان انتخاب الرئيس لن ينهى المرحلة الانتقالية –وفق ما يتطلع اليه الراغبين فى الانتهاء من بناء النظام السياسى الجديد وبدء دوران عجلة الاستقرار -الا فى شق مغادرة المجلس الاعلى للقوات المسلحه موقعه فى كرسى الرئاسة،اذ البلاد لم تنجز الدستور الجديد قبل انتخاب الرئيس- بل القوى السياسية لم تتفق حتى على تشكيل لجنة بدء النظر فى صياغة الدستور-كما ان مجلس الشعب معروض امره على المحكمة الدستورية وقد يصدر حكم بحله،بينما الحكومة التى تمارس عملها ضد رغبة نواب الشعب،هى ذاتها الحكومة التى شكلها المجلس العسكرى،والتى يطالب مجلس الشعب باقالتها وتشكيل حكومة من الحزب اوالاحزاب الفائزة فى الانتخابات التشريعية .
عودة شفيق انفذت انتخابات الرئاسة،فكسب او سيكسب النظام السياسى وجود رئيس بدلا من المجلس العسكرى ..لكن لا شىء اخر،بل ان الرئيس سيحكم اما بمقتضى الاعلان الدستورى مثله مثل المجلس العسكرى او بمقتضى اعلان دستورى معدل .

 

 

النخب السياسية
منذ سقوط مبارك والنخب السياسية المصرية تعيش حالة صراعية مع بعضها البعض،او حالة متخبطة فى ترتيب اولويات علاقاتها مع بعضها البعض،خلال اداء دورها ما بعد الثورة وبشكل خاص خلال محاولتها تشكيل نظام سياسى جديد،حتى وصلت الى حالة تكاد تكون قد اهدرت فيها جهودها ودورها -وربما قدر كبير من علاقاتها مع المجتمع –فى صراعاتها الذاتية والمصلحية،دون ان تنجز شيئا اساسيا على صعيد تاسيس النظام الجديد .
لقد كان طبيعيا ان تحدث حالة ارتباك فى اوساط النخبة ما بعد نجاح الثورة،بحكم عوامل متعددة .فهناك ان الجهاز المانع لنشاطها او القامع لدورها،قد سقط وانتهى دوره،بما جعلها هى ذاتها فى مواجهة بعضها البعض وامام مهمة ترتيب العلاقات من جديد فى المجتمع .وهناك ان حالة الحوار الفكرى والسياسى لم تكن قائمة فى النظام القديم،بما تطلب تاسيس حالة حوارية بين قوى لم تتحاور بشكل جاد مع بعضها البعض حتى خلال محاولاتها السابقة لاسقاط النظام،الذى سقط دون استعداد من القوى البديلة له .وهناك ان بعضا جديدا من قوى فكرية وسياسية دخلت بعد الثورة فى اتون معركة العمل السياسى واصبحت قوة ذات وزن مفاجىء بالنسبة لاطراف اخرى كانت تتصور انها الاقوى شعبية جماهيرية،وهو ما اربك القوى القديمة وادخل عوامل جديدة فى محاولات تاسيس الحوار.وهناك ان الكثير من القوى لم يكن لديه تصور مسبق عن نظام جديد بقدر ما كان لديه تصورات ذهنية دافعه له لكراهية النظام القديم .وهناك ان نشوة الانتصار قد ذهبت بعقول قدر لا باس به من النخبة،بما نمى تصورات ذاتية عن حالة القوة التى يتمتع بها من اصيب بتلك الحالة .
غير ان اللافت اكثر ان ثمة قوى قد مارست دورا مخططا –وفق ما اظهرته تحركاتها-لمنع الوصول الى اية اتفاقات ولعدم وقوع حالة حوارية فكرية وسياسية بين النخب،كما ظهرت قوى اخرى،كرست دورها لتحويل حالات الحوار الى عملية استيعابية للحالة الثورية بقصد تعطيل تطور حركة التطهير ولمنع القوى السياسية ذات الاصالة والجذرية من التعامل مع قضايا الثورة بجدية،ولتعطيل قدرتها على حشد القوى الاخرى تحت راياتها .

 

وهكذا سقط النظام وبقى المجتمع فى انتظار القوى والتيارات السياسية لتتوافق على رؤية وخطة جديدة للبناء،بينما القوى السياسية تمارس الصراع والتشنيع على بعضها البعض واتهام بعضها البعض دون حوار فعلى،فصار هناك من يتهم القوى الاخرى بعدم المشاركة فى الثورة او بحرف الثورة عن اهدافها او بسرقة الثورة،وهو ما حال دون تطوير علاقاتها مع بعضها البعض ودون وضع وتحديد والاتفاق على المفاهيم والاسس والقضايا والتنظيمات الجديدة للمجتمع والدولة لمرحلة ما بعد الثورة .
لم يطرح حوار بين النخب حول مفهوم ومضمون الحرية فى المجتمع الجديد،بل جرى صراع حول وقائع ومشكلات تعرض لها البعض هنا او هناك على صعيد الحريات خلال المرحلة الانتقالية .ولم تطرح قضية الاقتصاد الجديد طبيعته المكونة او علاقات مجالاته المختلفة بالاولويات ولا حتى قضية الانتاج،وتركت قضية الوضع الاجتماعى للتنابز بين الاطراف المختلفة او تركت للسلطة الانتقالية للتعامل معها دون قرار مجتمعى عام تلعب فيه النخبة دورها الفكرى والسياسى والاقتصادى التاصيلى،وهو ما جعل القضية على حالها من التفجر فيما سمى بالاحتجاجات الفئوية دون رؤية .وعلى الصعيد الوطنى العام،لم تطرح القضايا الكلية للمصالح الوطنية والتغييرات المطلوبة على صعيد العلاقات الخارجية سواء عربيا واسلاميا او على صعيد العلاقات مع الكيان الصهيونى او على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة .لقد طرحت مواقف هنا او هناك ووصل الامر الى حد اقتحام السفارة الصهيونية-اليهودية فى القاهرة ..الخ،غير ان حوارا واتفاقا حول رؤية جديدة مختلفة او حول خطط للتغيير،لم تجر للاسف .
وقد كانت النتيجة لكل ذلك، ان عاشت مصر فى حالة من الامتناع عن ممارسة الحوار والاقبال على حالة تعصبية وصراعية وسلوك سياسى لا يتمتع باى قدر من صدقية الاقتراب من الاخر،كما واجهت البلاد محاولات تقوم على المناورة والاقتناص للمواقف او على توظيف الاحداث العفوية او المفتعله لاضعاف الخصوم،وهو ما ادى فى نهاية المطاف للدخول فى عشرات الازمات وعدم انجاز مهمات المرحلة الانتقالية .

 

مهام وارتباك وازمة
لقد لعبت القيادة العسكرية للبلاد دورا كبيرا واساسيا فى تحديد خريطة طريق للمرحلة الانتقالية عبر حوارات مع القوى السياسية كانت هى محورها لغياب الحوار والاتفاق بين تلك القوى ذاتها،وهى من بعد حصنت خريطة الطريق -تلك -عبر استفتاء شعبى،جاءت اهميته الثانوية لتطرح دلالات اساسية على صعيد طبيعة ووزن القوى السياسية فى المجتمع،اذ ظهر مدى الشعبية التى يتمتع بها الاسلاميين على عكس القوى الاخرى .
غير ان القوى الليبرالية وضعت نصب عينها،مخططا للالتفاف على نتائج الاستفتاء بما جعل دورها تعطيلى فى الخلاصة النهائية .لقد تحركت تلك القوى باتجاه فرض صياغات عامة للدستور الجديد الذى نص الاعلان الدستورى المستفتى عليه على ان تقوم باعداده لجنة يشكلها مجلسى الشعب والشورى بعد انتخابهما،كما تحركت تلك القوى باتجاه ممارسة دور اعلامى تعطيلى وتخويفى من اجراء الانتخابات البرلمانية،كما اعتمدت خططا اعلامية وسياسية تشويهية للحركة الاسلامية،حتى كاد الاعلام الليبرالى مقتربا من ممارسة الحرب النفسية لا العمل الاعلامى .

 

غير ان الانتخابات البرلمانية جرت وجاءت فى ذات اتجاه التصويت فى الاستفتاء على الاعلان الدستورى،اذ احرز الاسلاميون بمجموعهم نصرا انتخابيا مبهرا ادى للسيطرة على مجلسى الشعب والشورى بنسبة تفوق الثلثين،وهو ما انهى الفكرة التى عمل عليها التيار الليبرالى الذى حاول اقتناص نسبة الثلث المعطل فى مجلس الشعب،فتحولت عناصر ذاك التيار الى افتعال قضايا ومشكلات فى ميدان التحرير وشارع محمد محمود وبعدها مظاهرات ضد مجلس الشعب،بهدف تعطيل مسيرة النظام الجديد،ومن بعد جرت اعمال موجهة لاظهار خطا التصويت الشعبى للاسلاميين،وظلوا على هذا الحال حتى وجدوا ضالتهم فى تشكيل اللجنة التاسيسية التى حولوها الى سن رمح فى مواجهة الحركة الاسلامية وهو ما ادى الى اصطفاف قوى اخرى الى جانبهم،بما ادى لتعطيل كتابة الدستور .وهكذا بدات مرحلة جديدة،غير انها للاسف جاءت على منوال ما سبق .

 

معركة الحكومة
نص الاعلان الدستورى على حق المجلس الاعلى للقوات المسلحه الممثل السياسى والقانونى والدستوى للرئيس،فى تشكيل الحكومة واقالتها،وهو امر جاء الاقرار به ضمن اطار النظام الرئاسى الذى كان قائما فى البلاد قبل الثورة .وقد تشكلت فى البلاد عدة حكومات كان اخرها حكومة الدكتور كمال الجنزورى .ولقد كان امرا متوافقا عليه ان تظل الحكومة فى موقعها تمارس دورها حتى انتهاء معركة انتخابات الرئاسة ليجرى بعدها تشكيل اول حكومة للثورة .غير ان طبيعة الحملة التى جرت ضد البرلمان والحركة الاسلامية صاحبة الاغلبية فيه،والتهديدات التى جرت بحل مجلس الشعب،دفعت الحركة الاسلامية وبشكل محدد حزب الحرية والعدالة-الذراع السياسى لجماعة الاخوان المسلمين-الى تغيير موقفها من بقاء الحكومة،كما تغير موقفه من عدم المنافسة على موقع الرئيس،واتجه للمزاحمة على المنصب،بما غير طبيعة العلاقات بين القوى المؤثرة فى عملية الانتقال من النظام القديم للجديد،والاهم ان هذا التغيير اربك خطوات الانتقال تلك .

 

وهكذا صارت البلاد فى وضع من لا ينجز الدستور،اذ انحلت اللجنة سابق تشكيلها بقرار قضائى جاء معضدا لعملية التعطيل والانسحابات التى جرت قبل صدور القرار،كما يجرى تعويق تشكيل اللجنة الجديدة،حتى صار مؤكدا ان لا ينجز الدستور قبل انتخاب الرئيس،اما الحكومة فقد اصبحت معركة كسر عظم،بعد اعلن البرلمان وقف جلساته لمدة اسبوع للضغط على الوزارة والمجلس العسكرى لاقالة الحكومة واصدار قرار بتكليف الحزب الفائز فى الانتخابات بتشكي حكومة جديدة .
وفى تفاصيل محددات الصراع،فالاصل –وما جرت الامور عليه فى حالتى تشكيل وتعديل حكومة د.عصام شرف وتشكيل حكومة الجنزورى الحالية-ان قرار تكليف الحكومة هو حق سيادى للمجلس الاعلى للقوات المسلحه،وانه هو المنوط بالتكليف واعتماد التعديلات الوزارية او اقالة الحكومة .
غير ان اللائحه الداخلية المعمول بها لتنظيم دور واداء مجلس الشعب،تحوى نصا واضحا يمنح المجلس حق سحب الثقة من الحكومة استنادا الى الدستور المصرى المعتمد فى عام 1971 .وبين الحقين يجرى الصراع،غير ان الاهم من هذا الطابع للمساجلة هو ان ثمة صراعا حقيقيا بين حزب الحرية والعدالة والمجلس العسكرى ادى الى هذا الخلاف حول تشكيل الحكومة التى لن تبقى بمقياس الزمن الا نحو شهرين لا اكثر ولا اقل .

 

واصل الخلاف يدور فعليا حول قضية محورية فى النظم الديموقراطية،وهو صلاحيات السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية فى صناعة القرار فى الدولة .لقد كانت الامور مستقرة من قبل على اساس "الاستقرار على اساس خطا"،اذ كان مبارك هو صاحب الكلمة المفروضة على جميع السلطات .الان تستقل السلطات عن بعضها البعض وتحاول كل منها ان تاخذ قرارها بيدها وان تحصل على اكبر نسبة تاثير فى القرار الوطنى .اما الفرعى فى الخلاف فهو يتعلق بالوضعية المؤقتة الراهنة –والخلاف، حالة طبيعية فى حالة غير طبيعية-المليئة بالشكوك والتناقضات والمخاوف السياسية والنفسية .

 

مرحلة انتقالية جديدة
كان المفترض ان يكون الانتخاب هو اخر الخطوات فى تاسيس واكمال النظام السياسى الجديد لمرحلة ما بعد الصورة،فيكون مجلس الشعب والشورى قد انتخبا ومارسا مهامهما التشريعية،بدون اهتزاز انى او مستقبلى،وتكون لجنة صياغة الدستور قد انتخبت على نحو مرضى عنه من قبل المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية،وانتهت من اعداد وصياغة الدستور واقراره وطرحته للاستفتاء العام لياتى انتخاب الرئيس وفق صيغة واضحه لصلاحياته وسلطاته الدستورية .غير ان الحادث الان هو ان مجلسى الشعب والشورى مهددين بالحل ويعملان تحت هذا الضغط من جهة وتحت ضغط فوران طوفان المطالب الحياتية والمجتمعية الناتجة عن مظالم النظام السابق وعن الحالة التى ولدتها الثورة من حالة مطلبية متفاعلة .وان لجنة الدستور قد انتهت الى خلافات حول التشكيل ووصل الحال حد انسحاب المكون الليبرالى منها،حتى جاءتها ضربة الحكم القضائى لتنهى وجودها ولتدخل اللجنة فى دوامة الصراعات حول تشكيلها وطرق التصويت فى داخلها .والان اذ يسلك الرئيس المرشح طريقه الى كرسى الرئاسة،فالشىء الوحيد الاساسى المتحقق ان المجلس الاعلى للقوات المسلحه سيختفلا عن الكرسى ويحل محله الرئيس،الذى سيكون مركزه واسمه واقع هو الاخر تحت سيف الطعن والبطلان بسبب لجوء بعض المستبعدين من الترشيح للقضاء وبسبب تحويل قانون العزل السياسى الى المحكمة الدستورية .
مصر ذاهبة الى مرحلة انتقالية جديدة،لا اكثر ولا اقل !

 

والمعنى ان البلاد لن تدخل الى حالة استقرار بعد الانتخابات،بل كل الصراعات التى سيطرت على المشهد خلال عام ونصف من الثورة،ستعود لتسيطر على المشهد بعد انتخاب الرئيس،الذى سيجد نفسه فى نفس وضع المجلس العسكرى،الا اذا عادت النخبة الى رشدها او نضجت وتحولت عن حالة العراك الشعارات وبدات حوارا جديا حقيقيا،يساهم فى تحقيق اساس حقيقى لقيام النظام السياسى الجديد،وهو امر محاط بتعقيدات داخلية وخارجية،تبدو كثير من النخب اسيرة لها بحكم الفكر والرؤية والتكوين وطبيعة المصالح الحاكمة لرؤى النخب وتصرفاتها !