أنت هنا

إستراتيجية دولة لا تصرفات أفراد
12 جمادى الثانية 1433
موقع المسلم

قبل مدة-في كلمة 30 ربيع الأول الماضي- تحدثنا عن جريمة الضابط الأمريكي الذي أحرق مصاحف في أفغانستان وقلنا: إن ما جرى ليس تصرفاً فردياً ولا خطيئة استثنائية عابرة وإنما هي سياسة عامة للغرب بعامة ولأمريكا بخاصة. فالمناخ العام في الدولة والمجتمع هناك مناخ شديد العداء للإسلام والمسلمين، وقد ارتفعت وتيرة ذلك العداء في أعقاب أحداث سبتمبر 2001م في نيويورك ، ولم تبدأ يومئذ كما يتوهم بعض المتأثرين بالحملات التضليلية الشرسة ضد الإسلام وأهله، وقد أَسْهَمَ في تأجيجها -بكل أسف- منتسبون إلى عائلات مسلمة بالوراثة لكنهم حاقدون على دين أمتهم بدرجة أكبر من أعداء الخارج.

 

وها هي الأدلة تظهر اليوم فجأة من عقر دار العم سام بل من كلياتها العسكرية التي "تؤهل" الجيش الأمريكي وتبني عقيدته القتالية، فهي تدرب الضباط والجنود فتؤكد لهم أن بلادهم تخوض حرباً على الإسلام وتعادي المسلمين جملةً.

جاءت الفضيحة المحرجة لإدارة أوباما في سنة انتخابية حساسة، يسعى فيها للحصول على ولاية رئاسية ثانية فهو يحتاج بقوة إلى أصوات ملايين الناخبين المسلمين الأمريكيين، الذين محضوه تأييدهم في انتخابات ولايته الأولى، ربما لتوهمهم أن تحدره من أب مسلم نقطة إيجابية، لكن الأرجح أن معاناة هؤلاء المسلمين من فظاظة سلفه بوش الابن الجمهوري، كانت الدافع الأساس وراء تأييدهم الصريح له.

 

وكعادة القوم في مواجهة هذه الفضائح، يمارسون النفاق –أو التقية على غرار حلفائهم الصفويين-، إذ أخذوا يتعللون بأعذار واهية لا تُقْنِع طفلاً رضيعاً، مثل تفسيرها بمشكلات تتصل باللغة والترجمة، أو نتيجة أخطاء المدربين كأشخاص...والعلاج النمطي هو تأليف  لجنة لمراجعة مناهج التدريس في الكلية التي اكتُشِفَتْ القضية فيها. إنها سياسة الاحتواء وامتصاص فورة الغضب الآنية، لأنهم عرفوا نقطة ضعفنا الكبرى وهي الاحتجاج الوقتي الصاخب ثم نسيان ما جرى وكأنه لم يكن، فما دامت المؤسسات الرسمية والأهلية عاجزة عن بلورة رؤى إستراتيجية بعيدة المدى، وتتضمن آليات عملية وجداول زمنية لتنفيذها فإن الأمر لا يعدو أن يكون أشبه بزوبعة في فنجان سرعان ما تنقشع!!

 

إن كل ما يعني هؤلاء الموتورين حجب خططهم المعبأة بالضغينة عن البوح بها إعلامياً، تحت ستر من الضباب والكلام المعسول والمصطلحات المخاتلة ذات الأثر المخدر، وكأنهم يتعاملون مع أناس بدائيين لا يكادون يفقهون قولاً.وإلا فإن فضيحة مناهج التأهيل العسكري في معهد عالي المستوى عندهم ليس منعزلاً عن سياق فضائح أخرى لم نجمعها بعضها مع بعض لكي ندرك الصورة الكلية ونبني عليها مواقف حازمة لمواجهة أحقادهم. فلقد هتك الله ستر أسس لترسيخ كراهية أجيالهم لنا في مكتب التحقيقات الاتحادية ( FBI) ) وفي وزارتيْ: العدل والأمن الوطني وفي سراديب الدبلوماسية الرسمية وتوجيه البعثات الأمريكية في الخارج، أما معاهد البحوث والدراسات الحكومية وشبه الحكومية فأمرها أوضح من أن يحتاج إلى بيان ولا إلى تلمس الشواهد وعرض البراهين.

وصدق رب العالمين القائل في محكم التنزيل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تعقلون) سورة آل عمران/الآية118.

إن هؤلاء الصليبيين الذين استمروا في اضطهاد اليهود مئات السنين اضطهاداً لم يوجهه شعب آخر لهم، تقهقروا عن ذلك إلى حد الخنوع الذليل أمام اليهود الذين توحدت كلمتهم وامتلكوا نواصي القوة المالية والإعلامية، بالرغم من أن عدد اليهود في العالم كله لا يكاد يبلغ تعداد سكان دولة عربية متوسطة الحجم!!

فالمؤلم أننا ميار ونصف مليار من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد حبانا ربنا جل وعلا بطاقات  بشرية واقتصادية هائلة ومتميزة حجماً ونوعاً، لكننا لا نسخرها في نصرة قضايانا ورفع شأننا وردع المستهترين بنا.

ونحن لا نستدل بالشاهد اليهودي إلا لبيان المفارقة وليس لاتباعه فنحن أتباع الدين الحق ونربأ بأنفسنا عن ممارساتهم الخبيثة وسياساتهم الدنيئة.
ألا هل بلغنا؟ اللهم فاشهد.