الانتخابات الجزائرية.. اختبار صعب لتأثير الإسلاميين؟
10 جمادى الثانية 1433
أ. أحمد أبو دقة

تنطلق في العاشر من شهر مايو القادم العملية الانتخابية الأولى في الجزائر بعد رفع قانون الطوارئ، حيث تتنافس 44 جهة سياسية و آلاف المرشحين على 462 مقعدا في "المجلس الشعبي الوطني". ويتصدر المتنافسين كلا من حزبي السلطة  "جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني"والإسلاميين _"حركة المجتمع والنهضة والإصلاح وجبهة العدالة والتنمية"_ حيث يجتمعون تحت تكتل "الجزائر الخضراء". و يعتقد أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (75 عاما) يريد  أن يمتص الغضب الشعبي من الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة، وكذلك الشعور العام بالاستياء من خلال تنظيم هذه الانتخابات.

وفي تقييم سريع للحالة السياسية القائمة في الجزائر منذ استقلالها في ستينات القرن المنصرم، يقول عالم السياسة الجزائري عبد القادر يفصح "عاشت الجزائر نظريا تحت نظام الحزب الواحد. ولكن عمليا، ورغم التغطيات المؤسساتية والإيديولوجية، فإن الجيش ظل العامل المحدد بل المصدر الأول لأمن النظام السياسي".

 

الصحوة الإسلامية

ويظهر من ذلك أن الجيش الجزائري مثله مثل أي نظام عربي أراد الاستحواذ على كل السلطات، حيث عزل الرئيس وسجنه، وقام باحتواء حزب جبهة التحرير الوطني، ونجح في انقلاب 19 يونيو 1965. لقد برزت تطلعات العسكر في الحكم منذ سنة 1962 حينما أعلنوا أن الاستقلال تم عبر كفاحهم وأنهم عازمون على بناء دولة عصرية. و"واصل الجيش غرس عقيدة تفوقه على الدولة والمجتمع لدى الضباط الشبان"، واستمر هذا النهج المتبع حتى منتصف الثمانينات حيث بدأ يظهر في الشارع الجزائري وجه سياسي جديد تمثل في التيار الإسلامي ممثلا بالجبهة الإسلامية للإنقاذ حيث استطاعت أن تحقق نجاحا ساحقا في الانتخابات عام 89 حيث شكل ذلك الفوز بداية مرحلة جديدة حينما شعر الجيش أن سلطاته ونفوذه ستسلب منه،  لكن ما إن أعلن فوز الجبهة في هذه الانتخابات حتى تم حلها كحزب سياسي بقرار من السلطات الجزائرية في مارس 1992. واعترفت الحكومة الجزائرية رسميا بالجبهة الإسلامية للإنقاذ في 6 سبتمبر 1989 وكان يترأسها آنذاك الشيخ عباسي مدني وينوب عنه الشيخ علي بلحاج.

في نهاية السبعينات بدأ الظهور العلني لشباب الإسلام في الجامعات الجزائرية في إطار ما سمي بالصحوة الإسلامية وتقاسم العمل الإسلامي المنظم ما قبل 1988م ثلاث جماعات وهي: جماعة الإخوان الدوليين بقيادة الشيخ محفوظ نحناح وجماعة الإخوان المحليين بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله، وجماعة الطلبة أو جماعة مسجد الجامعة المركزي أو أتباع مالك بن نبي بقيادة الدكتور محمد بوجلخة ثم الشيخ محمد السعيد.

في 12 نوفمبر 1982م اجتمع مجموعة من العلماء منهم: الشيخ احمد سحنون والشيخ عبد اللطيف سلطاني والدكتور عباسي مدني ووجهوا نداءً من 14 بنداً يطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ويشجب تعيين نساء وعناصر مشبوهة في القضاء، ويدعو إلى اعتماد توجه إسلامي للاقتصاد، ويرفض الاختلاط في المؤسسات، ويدين الفساد، ويطالب بإطلاق سراح المعتقلين ويندد بوجود عملاء أعداء للدين في أجهزة الدولة.

 

تم تأسيس رابطة الدعوة سنة 1989 برئاسة الشيخ أحمد سحنون وذلك لأنه أكبر الأعضاء سناً حيث كان عمره 83 عاماً وكانت الرابطة مظلة للتيارات الإسلامية كلها، ومن بين أعضاء رابطة الدعوة: محفوظ نحناح، وعباسي مدني، وعبد الله جاب الله، وعلي بلحاج، ومحمد السعيد.و كان من أبرز أهداف رابطة الدعوة:

- دعى الشيخ الشاب علي بلحاج إلى تشكيل الجبهة الإسلامية الموحدة إلا أن الدكتور الشيخ عباسي مدني اقترح لها اسماً آخر هو الجبهة الإسلامية للإنقاذ، معللاً هذه التسمية: بأن الجبهة تعني المجابهة، والاتساع لآراء متعددة، الإسلامية لأنه هو السبيل الوحيد للإصلاح والتغيير،الإنقاذ مأخوذ من الآية {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} [آل عمران:103].

- رفض الشيخ محمد السعيد بداية تشكيل الجبهة لكنه التحق بها بعد الانتخابات البلدية. كما رفض الشيخ محفوظ نحناح أيضاً الفكرة في البداية ثم أسس حركة المجتمع الإسلامي وأسس عبد الله جاب الله حركة النهضة الإسلامية.

- تم الإعلان الرسمي عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في 18 فيفري 1989م، وذلك بمبادرة من عدد من الدعاة المستقلين من بينهم الدكتور عباسي مدني الذي أصبح رئيسًا للجبهة ونائبه الشيخ علي بلحاج.واعترفت بها الحكومة الجزائرية رسميا في 6 سبتمبر 1989.

- في الأول من يناير 199 أعلن إضراب مفتوح في الجزائر اتخذه النظام ذريعة لاعتقال رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ الشيخ عباسي مدني ونائبه الشيخ علي بلحاج وكثير من القادة البارزين للجبهة، ثم بعد ذلك هاجم مسلحين ثكنات عسكرية للجيش الجزائري وقتلوا عدد من الجنود لتتطور الأحداث بعد ذلك بشكل سريع و يستخدم النظام الحاكم هذا الهجوم كذريعة لمهاجمة الإسلاميين في حرب استئصال بشعة متواصلة حتى أيامنا هذه، بالرغم من نفي الجبهة مسؤوليتها عن الهجوم.

تكتل الجزائر الخضراء

تأتي هذه الإنتخابات و يسود حالة غليان اجتماعي بسبب سوء الوضع الاقتصادي، وبينما يريد الشارع من يحمل همومه و يحل مشاكله، تبحث الأحزاب السياسي عن أسباب الفوز و كيفية مواجهة بعضها البعض وسط وعود رنانة تطلق  في المواسم الإنتخابية.

ويفرض القانون الانتخابي الجديد على الأحزاب إدراج النساء بنسبة 30 بالمائة من قوائم الترشحات ومنحها المركز الثاني بالقائمة لضمان دخولها بالمجالس المنتخبة.

ويقول تكتل الجزائر الخضراء الذي يضم حزب النهضة و حركة حمس وحركة الإصلاح:"إن التكتل الثلاثي سيأخذ المرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة ''إذا كانت شفافة وذات مصداقية وتمت وفق المعايير الدولية''.

 

ومن مبادئ هذا التكتل الذي يعد أكبر تجمع للإسلاميين في الجزائر:

1. الإسلام دين الدولة.

2. العروبة والأمازيغية هما صلب الهوية الوطنية في إطار المبادئ الإسلامية.

3. بيان أول نوفمبر1954م هوالإطار المرجعي للدولة الجزائرية.

4. النظام الديمقراطي الجمهوري.

5. الدستور وسيادة الشعب مع الاحترام الكامل لإرادته.

6. التداول السلمي على السلطة.

7. الحريات الفردية والجماعية.

8. التعددية وحقوق الإنسان.ودولة القانون.

9. السيادة الوطنية والوحدة الترابية.

10. احترام العهود والمواثيق الدولية القائمة على أساس توازن المصالح.

 

ويرى المتابعين للحراك السياسي الحالي في الجزائر أن الأحداث المؤلمة التي خلفت مئات الآلاف من الضحايا في التسعينيات من القرن الماضي تأثر تداعياتها بشكل سلبي على العملية الانتخابية وتستغلها السلطات لتقويض فرص نجاح الإسلاميين. وتسود الشارع حالة من الإرباك بشأن المستقبل السياسي، فبينما يذهب البعض إلى فشل مدوي للإسلاميين يقول آخرين إن فشل العملية الانتخابية القادمة سينمي الغضب في صفوف الجماهير و يزيد من الشكوك حول أداء السلطة الحالية، وخصوصا مع بروز خلافات داخل الحزب الحاكم  حول خلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (75) عاما و إعلان عبد العزيز بلخادم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة وسط اتهامات تلاحقه بالفساد المالي.

وترى الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن المشاركة في الانتخابات الحالية "تزكية للباطل وتعاون على الاثم والعدوان"، لذلك دعت إلى مقاطعتها. وتضم قائمة الإسلاميين المشاركين أيضا جبهة العدالة والتنمية وجبهة التغيير وحزب الحرية والعدالة وجبهة الجزائر الجديدة.

وتجري الانتخابات لأول مرة تحت إشراف لجنتين انتخابيتين، احداهما تتشكل من قضاة يعينهم رئيس الجمهورية وهي سابقة في الجزائر، والثانية تتشكل من ممثلي الأحزاب السياسية والمستقلين المشاركين في الانتخابات. كما يراقب الانتخابات 500 مراقب دولي من بينهم 120 مراقبا من الاتحاد الأوروبي و200 مراقب من الاتحاد الإفريقي و 100 مراقب من الجامعة العربية و 10 مراقبين من الأمم المتحدة و20 مراقبا من منظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى مراقبين من المنظمتين الأميركيتين غير الحكوميتين "كارتر"و"ان.دي.اي".

 

وبرر بيان لعباسي مدني رئيس الجبهة ونائبه علي بن حاج نشرته فرانس برس دعوته للمقاطعة  بالقول "شرعية النظام السياسي لا زالت مطروحة منذ الانقلاب على الحكومة المؤقتة في 1962 بقوة السلاح والانقلاب على اختيار الشعب الجزائري". ورأى البيان أن "الإصلاحات السياسية التي يتبجح بها النظام شكلية ارتجالية اقصائية أملاها الحراك الثوري في البلاد العربية فهي عملية استباقية لكسب الوقت وليست وليدة قناعة سياسية حقيقية".

وقال إن "الحكومة التي ستشرف على تنظيم الانتخابات حكومة تزوير وتتمتع بسوابق مشينة في ترتيب نتائج الانتخابات كما يطلب منها (...) والتعددية الحزبية في الجزائر شكلية فاقدة للمصداقية".

وأرفق البيان ب"مذكرة توضيحية"حول أسباب المقاطعة أبرزها أن "النظام السياسي منذ 1992 يعتبر وليد انقلاب على الإرادة الشعبية أقدم عليه بعض جنرالات فرنسا من الذين اختطفوا المؤسسة العسكرية وجعلوها وسائر الأجهزة الأمنية دروعا بشرية دفاعا عن مصالحهم الداخلية والخارجية غير المشروعة". ويعتقد أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ تريد من هذه الدعوة عزل النظام السياسي الحاكم، وكذلك إيجاد فجوة بين المجتمع النظام من خلال إفشال العملية الانتخابية، لكن مع وجود قوى إسلامية مشاركة فإن ذلك سيضعف من تأثير هذه الدعوة على الناخب الجزائري.

 

و يخشى أن تتسبب كثرة المشاركة في هذه الانتخابات من قبل الإسلاميين بتشتت الوعاء الانتخابي، وتشتيت الناخبين مما قد يتسبب في حصولهم على نتائج متدنية. ويراهن الكثيرين على تغير نوعية الخطاب الإسلامي الحالي في الجزائر وتأثيره على المجتمع، كما يتوقع المحلل السياسي الجزائري الأزهر الملوك أن ينجح الإسلاميين في الحصول على الأصوات لكنهم سيواجهون منافسة قوية من قبل أحزاب أخرى تقلل من فرص تحقيقهم لنجاح ساحق كما يتوقعون.

ويخشى النظام الحالي من أن فوز الإسلاميين قد يتسبب في إجباره على إشراكهم في السلطة على غرار ما حدث في المغرب، وهو الاحتمال الذي يتوقع أن يحدث في الجزائر.

 

 

المصدر/ مجلة البيان