هل نحن بحاجة إلى إحياء ثقافة الحياة الأسرية ؟ 2-2
10 جمادى الثانية 1433
يحيى البوليني

خطوات لبناء جسر الثقافة الأسرية

- فاقد الشئ لا يعطيه :

لن يستطيع الأبناء أن يتعلموا أصول التربية والحياة الأسرية الصحيحة ما لم يشاهدوها واقعا عمليا في حياتهم وسلوكيا في أسرهم , فلن تجدي معهم الكلمات ولا النصائح ما لم يكن الأبوان قد طبقا هذا فعليا في حياتهما , ولن تكون كلمات الإرشاد من الوالدين مؤثرة إلا إذا صحبها سلوك مزدوج ومتناغم داخل الأسرة بين الأب والأم .

 

- ضرورة تفريغ وقت للأسرة للحوار :
مثلما يرتب لكل شيئ وقته وظروفه , ومثلما تفعل كل الأمهات بإعداد مستلزمات بيت ابنتها عند اقتراب زواجها , ومثلما يجهد الأب في بذل طاقته في مساعدة أبنائه المادية عند رغبتهم في الزواج , لابد أن يسبق هذا الاستعداد ويواكبه إعداد الأبناء لتحمل مسئوليات زواجهم  , ولابد من تخصيص وتفريغ وقت في الأسرة لانتهازه في رفع الثقافة الأسرية للأبناء بطرح الموضوعات ومناقشة المشكلات واستماع كل الأطراف لبعضهم البعض وتصويب الأفكار واقتراح الحلول والتدريب على اتخاذ القرار وخاصة انه سيأتي يوم قريب سوف يتولى الأبناء مسئولية اتخاذ قرارات كثيرة تخصهم في حياتهم لا يرجعان في معظمها إلى الآباء والأمهات 

 

- ضرورة الاجتماع على الأقل مرة في اليوم ولو على مائدة طعام :
تعد أوقات الطعام فرصة ملائمة لتجمع الأسرة وينبغي عدم ترك هذه الفرصة السانحة للتجمع وجعلها تحمل قدرا كبيرا من الأهمية بحيث لا يتخلف عنها أحد , ويمكن أن تستغل وتثبت واحدة من الوجبات بحسب أكثر المواعيد مناسبة للتجمع وتثبيتها لكي يتم أثناءها أو قبلها أو بعدها حوار أسري حول قضية حياتية موجودة تمر بها الأسرة , ولا ينبغي أن يخسر الوالدان تلك الفرصة الكبيرة فكم نرى في شهر رمضان تآلفا وتجمعا للأسر حينما يلتزم الجميع بالتجمع حول مائدة طعام واحدة في وقت واحد , فيكون هذا التجمع بالإضافة إلى ما في شهر رمضان من الخير بابا لتفاهم وتراحم وتقارب الأسر حيث تصبح معظم البيوت المسلمة في اقل درجة من درجات التوتر في هذا الشهر على مدار العام كله 

 

- ضرورة غلق كل وسائل الانشغال وقت الاجتماع الأسري :
قد يحدث الاجتماع العائلي يوميا وقد يحرص عليه ولكنه يأته السراق فيسرقونه من الأسرة فلا تستطيع الاستفادة منه وتذهب ثمرته , وأعني بالسراق كل وسائل التشاغل من الأجهزة الحديثة , فاستمرار برامج التليفزيون في العمل أثناء الاجتماع تسرق الأفكار وتذهب قيمة الوقت وينتهي الاجتماع دون أن يبدأ , واستمرار الهواتف المحمولة في الصريخ المتواصل لكل فرد كفيلة بأن يقضي احدهم الوقت في الحديث أو ربما يقوم من المجلس دون أن يتواصل مع أسرته , فينبغي غلق كل وسائل الانشغال مؤقتا حتى لا تسرق تلك اللحظات الغالية

 

- ضرورة تحميل الأبناء والبنات بعض المسئوليات تدريجيا :
ليس معقولا أن تظل معاملة الوالدين لأبنائهم المقبلين على الزواج هي نفس المعاملة التي كانا يعاملان بها الأبناء منذ طفولتهم , فلا الأب يعطي الفرصة للابن للمشاركة في إدارة البيت ماليا أو تفاوضيا في شئونه , ولا الأم تعطي الفرصة للبنت للمشاركة في تحمل مسئولية إدارة البيت الداخلية , فبالتحمل التدريجي يستطيع كل من الابن والابنة التعلم والتدرب , فلا ثمرة محمودة إلا بعد خطأ منهم بل أخطاء متعددة حتى يتمكنوا من حسن سياسة الأمور ,ولئن يخطئ الابن أو البنت ألف مرة في شيئ معكما حتى يحسناه خير لهم من خطأ واحد في حياتهما الجديدة .

 

- ضرورة الاخشوشان المتعمد إن كان هناك سعة وجعل كلمة لا أو ليس الآن بديلا معتمدا غير منكر بالتدريج  :
لا ينظر الأبناء ولا يرون إلا حال والديهم بعد مرور السنوات عليهما , فيتصوران انهما لم يمرا بمراحل معاناة وتعب كبير في حياتهما الزوجية والعملية , فمن نشا ووجد أباه ميسور الحال يلبي له طلباته لم ير نفس الوالد في بدايته , حيث أن غالب الناس قد كونوا وضعهم المادي كحصاد لسنوات تعب كثيرة , وبالتالي ربما ينشأ عن الولد أو البنت أنه سيجد الحياة سهلة ولن تواجهه فيها مصاعب مالية أو اجتماعية , وعند تعرض أي منهم لشيء من تقلبات الدهر قد لا يتحمل وربما يعيش عبئا على أسرته حتى بعد زواجه .
فينبغي للوالد والوالدة مهما كان الحال ميسرا أن يخشوشنوا في بعض الأيام وألا يجعلوا كل شيئ متاحا لأبنائهم بمجرد الطلب أو الرغبة , بل لابد وأن تعتاد أذن الفتى والفتاة على قول لا أو ليس الآن , بل يجب تعويده على عدم الغضب منها وتحملها , حتى لا يضعف أو ينهار في يوم ما لا يستطيع تلبية حاجاته أو قضاء رغباته . 

 

- ضرورة ابتكار طرق جديدة لإعداد الأفراد للقيام بأدوار الأسرة ومسؤولياتها :
لابد من ابتكار طرق جديدة غير تقليدية يجتهد فيها كل أب وأم في تحميل أبنائهم المسئولية بالتدريج لكي يعتادوها , ومن الأفكار التي قابلتني فكرة لأب رزق بثلاث بنات كان يعطي واحدة منهن كل شهر بالتتابع مبلغا معلوما - بحسب دخله -  خصصه للأنفاق على الطعام في بيته , ويترك لها تدبير الأمر بحرية كاملة لكي تجتهد في كيفية تدبير المبلغ لتطعم به الأسرة شهرا كاملا , وكان يحتفظ لنفسه بجزء آخر من المبلغ لمعالجة أخطائهم في بدايات التجربة , فكان من ثمرتها أن اعتادت بناته إدارة شئون بيت كبير بكل سهولة بعد سلسلة أخطاء تعلمت منها , فكانت إدارة أسرة صغيرة هي وزوج فقط أمرا سهلا ميسورا , هذه تجربة ولكل أسرة أن تفكر وتبتكر كيف تستطيع تعويد الأبناء على تحمل المسئولية الأسرية .