انقلاب مالي.. مكاسب للطوارق ومصالح للغرب!
7 جمادى الأول 1433
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

انقلاب عسكري مباغت أقدم عليه ضباط صغار في مالي على رئيس البلاد ليثير مخاوف عدة تتعلق في الأساس بالوضع الأمني للدولة الواقعة في غرب إفريقيا وما حولها فضلا عن استغلال الغرب وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأمر للتدخل العسكري والاستخباراتي وسط توقعات بتحقيق الطوارق لمكاسب على الأرض خاصة في شمال مالي والتي طالما رغبوا في إقامة وطن لهم فيها.

فقبل 5 أسابيع من الجولة الأولى من انتخابات رئاسة كانت مقررة في 29 إبريل المقبل، أطاح ضباط متمردون من ذوي الرتب الصغيرة بالرئيس أمادو توماني توري الأسبوع الماضي مبررين موقفهم بالقول إن "حكومته لم تدعم بشكل كاف المعركة التي يخوضها جيش مالي ضد الطوارق العرب في الشمال الذي يعج بالأسلحة والمقاتلين" خاصة بعد رحيل معمر القذافي وتدفق الاسلحة على الشمال.

وقد تعهد قادة الانقلاب بإعادة السلطة إلى رئيس منتخب ديمقراطيا "بمجرد إعادة توحيد البلاد"، وتواردت أنباء بأن الرئيس توري لا يزال في مالي حيث يحميه الموالون له في منطقة قريبة من العاصمة باماكو، فيما قالت منظمة العفو الدولية إن قادة الانقلاب (بزعامة الكابتن أمادو سانوقو قائد لجنة اعادة الديمقراطية واستعادة الدولة) اعتقلوا عدة أعضاء من حكومة توري، وطالبت بإطلاق سراحهم.

وكان الرئيس توري جنرالا بالجيش قد قام بانقلاب في عام 1991 وأطاح بحكم   الجنرال موسي تراوري الذي حكم البلاد منذ 1968 بعد انقلاب عسكري، إلا أنه بعد الانقلاب انسحب توري وترك للأحزاب التنافس على الحكم المدني، وعاد توري للحكم الديمقراطي كرئيس منتخبا في 2002،  ثم أعيد انتخابه في 2007 وكان على وشك ترك السلطه نهائيا بعد انتخابات ابريل القادم.

ولا يستطيع قادة الانقلاب فيما يبدو السيطرة على جنودهم مما نتج عنه قيامهم بالنهب واطلاق النار العشوائي في الشوارع على مدار الأيام الماضية الأمر الذي يثير المخاوف بالنسبة للمستقبل الأمني للبلاد، كما يتوقع مراقبون أن الانقلاب العسكري وما تبعه من تدهور أمني في هذه البلاد سيسهم بشكل كبير في زعزعة أمن المنطقة وستكون فرصة مناسبة للمسلحين لتحقيق مكاسب مهمة على أرض الواقع.

وقد بدأ "متمردو" الطوارق في الشمال الذين تسببت هزيمتهم للجيش المالي في الانقلاب في باماكو يندفعون نحو الجنوب لتحقيق مكاسب منتهزين حالة الاضطراب، ويقول الطوارق إنهم يريدون انشاء دولة مستقلة في أنحاء المنطقة الشمالية.
 
وتعد مالي ثالث أكبر منتج للذهب في افريقيا ومنتج كبير للقطن في القارة وفي العالم على نطاق اوسع وينظر إليها على انها دولة ديمقراطية مستقرة نسبيا في منطقة مضطربة بشكل دائم تلازمها الانقلابات والعصيان المدني منذ عقود، كما أنها حليف للحكومات الاقليمية والغربية في جهودها لمنع الهجمات وعمليات الخطف التي يقوم بها مسلحون مرتبطون بالقاعدة من الانتقال جنوبا عبر الصحراء.

وتوفر الولايات المتحدة تدريبا للجيش المالي على مكافحة الارهاب، ويقول محللون إن فرنسا والولايات المتحدة لم يكونوا راضين عن جهود توري في مواجهة تهديد القاعدة وحلفائها في شمال مالي الصحراوي، مشيرين إلى أنه كان يستخدم حجة مكافحة الارهاب كدعامة له في السلطة، كما أن هناك شكوك في أن بعض أعضاء حكومة توري تسامحوا سرا مع شبكات من الطوارق والقاعدة في الشمال لكي يتمكنوا من الاستفادة من تهريب المخدرات المربح والأنشطة غير المشروعة الاخرى التي تزدهر في المنطقة الصحراوية.

وبحسب ما ذكرته مصادر أمنية مطلعة، فإن منطقة الساحل الإفريقي بدأت تشهد عمليات إنزال عسكري فرنسي وأمريكي كثيف بعد انقلاب مالي، حيث تتواجد قوات عسكرية فرنسية وأمريكية بشكل ملحوظ في عدة مناطق من شمال مالي، خاصة على الحدود مع الجزائر والنيجر وموريتانيا، كما تتحرك المصالح الاستخباراتية لعدد من الدول بشكل كبير في منطقة الساحل تحت غطاء منظمات المساعدات الإنسانية.

وأوضح ذات المصدر أن باريس وواشنطن سارعتا إلى فتح قنوات اتصال مع قيادات الحركة الوطنية لتحرير الأزواد التي تطالب بحق تقرير المصير للطوارق والتي بدورها تقدمت إلى الانقلابيين في باماكو، بعدة اقتراحات وطلبات، وهو ما يصب بالطبع تجاه تحقيق مطلب الأزواد في الانفصال عن دولة مالي في ظل سيطرة الانقلابيين على الحكم، وقبل العودة إلى الحياة الدستورية في البلاد.

 
وينحدر الطوارق من البربر وقد دخلوا الاسلام في القرن السابع عشر ويتحدثون لغتهم التي تعرف بالتماشيك، وقد توزعوا بين الجزائر ومالي وبوركينا فاسو وليبيا والنيجر. وتعتبر الطوارق أحد أكبر المجموعات التي عانت من عشوائية حدود الدولة القوميه في افريقيا التي وضعها الأوربيون إبان الحقبه الاستعمارية.
 
 وطيلة سنوات عديدة طالب الطوارق بتقرير مصيرهم، وفي مطلع العقد الاخير من القرن الماضي انتفضوا بسبب التهميش، فما كان الجيش المالي إلا أن توجه لاخماد التمرد، وسعت الحكومة وقتها لمخاطبة جذورهم وتوصلت معهم لاتفاقين عامي 1995 و1996.

   لكن مع مطلع هذا القرن عاد الطوارق مجددا للتمرد، وذلك عقب استغلال حقول اليورانيوم في النيجر وأصبحوا يشكون من تدمير مراعيهم فضلا عن عدم استفادتهم من ثروة اليورانيوم الضخمة، نتيجة ذلك وقعت حوداث اختطاف عديدة لأجانب في مالي والنيجر وموريتانيا وجنوب الجزائر ( مناطق الطوارق) ، فأرسلت فرنسا وامريكا بافراد من قواتها لتدريب الجيش المالي ومساعدته في نشاطه ضد "الإرهاب" ووقف عمليات الاختطاف. ومنذ ذلك الحين لم تهدأ المواجهات بين الجيش والجبهة القومية لتحرير الازواد.

وبعد سقوط نظام القذافي عاد الكثير من ابناء الشمال الذين اشتركوا في قمع الانتفاضة الليبية في صفوف قوات القذافي بالكثير من الأسلحة وانضموا للجبهة مما مكنها من السيطره على عدة مدن في الشمال مما أثار المخاوف داخل الجيش حول وحدة البلاد.

ويبدو أن تصاعد هجمات الجبهة القومية للازواد على الجيش الحكومي شكل السبب الرئيسي للانقلاب، ولكن هل سيمتد هذا الانقلاب إلى خارج مالي ليصيب المنطقة بأكملها باضطرابات أمنية شديدة وهل سيقوم الطوارق بالتحالف مع أطراف أخرى خاصة من القاعدة لتوسيع نطاق سيطرتها؟ كل هذه الأمور ستضح خلال الأيام المقبلة.