بإعلانهم عن تشكيل حزب.. السلفيون يدخلون غمار السياسة في اليمن
22 ربيع الثاني 1433
أنور الخضري

(الأبعاد والتوقعات)

أعلن قطاع عريض من رموز السلفيين  المشاركين في الثورة الشعبية اليمنية عن تشكيلهم حزبا سياسيا بعد أن عقدوا على مدار اليومين الماضيين -13-14 مارس 2012م مؤتمرا فكريا عاما، طرحوا خلاله أوراق عمل مختلفة تناولت التأصيل الشرعي والرؤية الواقعية التي استندوا لها في تشكيلهم للحزب. وهم بهذا الإعلان يقودون التيار السلفي إلى محطة جديدة في العمل العام غاب عنها أو غيب نتيجة عوامل ذاتية وظروف محيطة.

 

والمراقب لهذا الإعلان يرى أنه يأتي نتيجة التحولات التي شهدتها المنطقة العربية عقب اشتعال الثورات الشعبية السلمية، والتي عكست آثارها على القوى السياسية عموما، بمن فيهم القوى  الإسلامية والسلفية على وجه الخصوص. فالسلفيون في اليمن لم يتغيبوا عن المشاركة في الثورة الشعبية أو مساندتها وتأييدها –إلا شريحة قليلة ممن ينتسبون إليها. ودخولهم هذا المعترك الثوري ونزولهم إلى هموم المجتمع مع ما يرونه من تحديات ومخاطر باتت تهدد اليمن بشكل جذري سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا وعلى صعيد الهوية الثقافية وشعورهم بالفرصة التاريخية التي أتاحتها الثورة اليمنية للتغيير والتأثير أدى بهم لمراجعة مواقفهم إن على صعيد النظرية أو التطبيق.

 

وبهذا الإعلان –أيضا- يلتحق السلفيون في اليمن بمسار التيار السلفي في مصر وفي دول أخرى سبق له حضور سياسي فيها، ويشكلون قوة صاعدة يجب اعتبارها خلال المرحلة القادمة في اليمن. وهي مرحلة ستحدد مسار اليمن في ضوء ما يلي:
-           الحوار الوطني: وهو حوار شامل لكل القوى السياسية والاجتماعية والثورية يراد منه صياغة مستقبل اليمن دولة وسياسة وهوية.
-           صياغة الدستور القادم: وهو دستور يأتي في ظل غياب النظام المهيمن وتوازن القوى إلى حدٍ ما.
-           الانتخابات النيابية المقبلة: وهي أول انتخابات نيابية حرة ونزيهة يمكن أن تتم بعد سقوط النظام السابق.

 

هذا بالإضافة إلى سعي بعض القوى لفرض وجودها على الأرض خارج هذه اللعبة وإن شاركت فيها بصفة أو بأخرى. فالحوثيون في شمال اليمن يسعون إلى الهيمنة على منطقة جغرافية تمتد من مأرب شرقا وحتى ميدي غربا. والحراك الجنوبي الداعي إلى الانفصال يريد فرض قطيعة نهائية مع الشمال لفك الارتباط تحت وصاية دولية. والقاعدة تهيمن بتعاون مع بقايا النظام السابق لاستغلال الظرف لإعلان إمارة إسلامية وفقا لرؤيتها الخاصة!
هذه الأوضاع دون شك ستنعكس بدورها على المجتمع عموما وعلى الدعوة الإسلامية بكل تياراتها خلال المرحلة القادمة. ومن ثمَّ فهي تفرض حضورا معلنا وقويا ومؤثرا.

 

مخاطر ومنزلقات:
غير أن هذا الإعلان تحفه عدة مخاطر كما يرى بعض السلفيين المنتقدين لهذا الإعلان:
-           غياب الرؤية الشرعية لتكييف القضايا التي ستعترض الحزب القادم، وهي قضايا جوهرية وحساسة: وفي نظر هذا الفريق المنتقد فإن على الحزب أن يقول (كلمة الحق)! وهي في تصورهم التعبير عن الموقف (النظري المجرد)، متجاهلين بأن السياسة الشرعية في معناها الشامل التعاطي مع الواقع والقدرة التي يمتلكها في التعاطي معه.

 

-           غياب الخبرة السياسية والكفاءات المؤهلة خاصة مع القطيعة التي عاشها السلفيون مع السياسة ثقافة وممارسة: وهي وجهة نظر يعتبرها المتحفزون للعمل السياسي لكنهم يرون أنها ليست معوقا بل هي تحدي يجب مواجهته من خلال خوض التجربة في ضوء الفرصة المتاحة لأن المرحلة تفترض مشاركة بقدر المستطاع.

 

-           الأثر الرجعي على أتباع هذا التيار ممن يخالفون النظرة الشرعية التي ينطلق منها مؤسسوا الحزب القادم واحتمال حدوث انشقاق في الكيانات السلفية القائمة: وهو أثر حسب بعض المراقبين باتت بوادره تظهر من قبل بعض الرموز. غير أن ما يطمئن المشاركين في تأسيس الحزب القادم حالة الوعي والمعرفة والتطلع التي يعيشها قطاع كبير من أتباع التيار السلفي –داخل وخارج اليمن، ومباركة الغالبية العظمى من قواعد هذا التيار لإنشاء حزب يقدم الطرح السلفي النموذجي ويشارك في صياغة المجتمع والدولة بما يحقق المصالح ويقلل المفاسد ويساهم في معالجة هموم الناس عوضا أن يقف في خانة السلبية ليعالج آثار الفساد بالعمل الخيري الذي لن يستطيع مواكبة اتساع رقعة الفقر والحاجة والبطالة التي باتت تهدد أمن وأخلاق المجتمع.

 

-           الفوضى الفكرية والتنظيمية التي يمكن أن تؤثر على مسار الحزب القادم بما قد يؤدي إلى تشظيه: وهي مخاوف يسندها واقع الخلاف والتشرذم والفوضى التي يعاني منها العمل السلفي في الدعوة والمؤسسات والمناشط العامة. وهذا الواقع لا يتفق مع الكيان الحزبي الذي يستلزم الضبط التنظيمي والتوحد الفكري والقيادي والموقفي.

 

وأيا تكن وجهة المنتقدين للإعلان –مبدأية أو إجرائية- فإن الإعلان حسم الجدل الذي ساد المجالس والمشاورات التي سبقت الإعلان عن الحزب. وقد أصبح جميع السلفيين اليوم أمام حقيقة قائمة وكيان معلن عنه. وهذا السبق السلفي بالإعلان عن كيان سياسي يمثل جماعات وشخصيات مستقلة ورموزا اجتماعية سيفتح المجال أمام خصوم التيار السلفي ومخالفيه للمنافسة في هذا المضمار.

 

إشكالية السياسي والشرعي مجددا:
لقد تخطى السلفيون المعلنون لتشكيل الحزب السياسي الرؤية الضبابية لعدد من القضايا التي ظلت مثار جدل ونقاش، تارة بين التيار السلفي ذاته وتارة مع القوى الإسلامية المشاركة في الميدان السياسي تارة أخرى. وهذا ما أوضحته الأوراق البحثية التي جاءت لتؤكد على فتاوى كبار علماء الدعوة السلفية وقيادات العمل السلفي بل وعلماء الأمة عموما، وعلى الرؤية المقاصدية والمصلحية، وعلى ضرورات الواقع ومتطلبات المرحلة.. في الأوراق التي قدمها عدد من الرموز والمشائخ. إلا أن حديثهم مجددا عن دخول مضمار السياسة وفقا للضوابط الشرعية وضع لدى الكثير علامات استفهام حول طبيعة هذه الضوابط ومدى قابلية صمودها أمام ضغط الواقع وظروف الحزب، وإلى أي مدى ستكون مرنة بالقدر الذي يعطي قيادات الحزب مجالا للاجتهاد. وهنا يمكن رصد جملة من التساؤلات التي وجهها إعلاميون للمشائخ المبادرين بالإعلان عن الحزب حول علاقة العلماء بهذا الحزب وطبيعة هذه الضوابط وما جرى الإعلان عنه من هيئة شرعية لهذا الكيان ومدى السياسة التي سيمارسها الحزب.. أهي من قبيل الحسبة السياسية أم السياسة الشرعية؟!

 

وأيا يكن الإشكال، فإن هناك من يراهن بأن التغير الحاصل في فكر وحركة السلفيين لن تتوقف، وبأن هذا التوجه المتخوف من الانحراف في العمل السياسي الذي عبروا عنه بهيئة شرعية وضوابط شرعية سوف يتغير مع الوقت في ظل الممارسة العملية. وما يشير إليه هؤلاء المراقبين هو ذاته ما يزهد قطاعا من السلفيين في الانضمام إلى هذا الكيان السياسي باعتباره بداية للانحراف والسقوط!

 

تطور الخطاب واتساع الهموم:
لقد عكس البيان الختامي الصادر عن المؤتمر السلفي العام مدى الوعي والتطور الذي بلغه المؤسسون للكيان السياسي المقبل.
حيث عبر السلفيون المشاركون في المؤتمر عن أنفسهم باعتبارهم "من أوسع وأهم مكونات النسيج الاجتماعي اليمني، وجزء لا يتجزأ من جمهور هذا الشعب العريق يعيش آماله وآلامه"، فضلاً عن وصفهم الدعوة السلفية باعتبارها "فاعلاً مؤثراً في بناء نهضة الوطن، ومساهماً قوياً في تخفيف معاناة أبنائه، وصنع التغيير نحو الأفضل في ثورته وتوجهه وطموحاته".

 

وهم إذ يعقدون مؤتمرهم الخاص يستشعرون "خطورة المرحلة الراهنة، ومتغيراتها الداخلية والإقليمية والدولية"، عقب "عقد مشاورات متعددة ومتكررة تدارسوا فيها الموقف السياسي لدعوتهم في ضل هذه الظروف"، ويرون بأن: "الانطلاق نحو المشاركة السياسية الفاعلة في صناعة القرار وخدمة الوطن وخوض المعترك السياسي.. ضرورة شرعية وحتمية واقعية".

 

وكتمثيل طبيعي لهذا المعنى كلف المؤتمرون اللجنة التحضيرية للحزب "بإعداد رؤية سياسية شاملة لتقديمها إلى مؤتمر الحوار الوطني تشمل كافة القضايا الوطنية وفي مقدمتها القضية الجنوبية"، داعين "أبناء الشعب اليمني للتعاون في تحقيق طموح وأهداف هذا الكيان الساعي لنهضة هذا الوطن والحفاظ على هويته"، في بادرة تشير إلى انفتاح هذا الكيان على كل أفراد الشعب اليمني في ضوء أدبيات وسياسة الحزب.. التي أسند للجنة التحضيرية إعدادها.

 

كما طالب المؤتمر في بيانه الختامي بضرورة استكمال جميع الأهداف المشروعة للثورة الشبابية الشعبية السلمية، داعيا رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني والقوى السياسية والاجتماعية إلى الحفاظ على ثوابت الأمة والاحتكام إلى الشريعة الإسلامية في كل شئون الحياة، وإلى تجسيد مبدأ استقلال الوطن وسيادته، ورفض جميع أشكال الوصاية والتدخل الأجنبي في شؤونه مع الترحيب بكل تعاون إقليمي أو دولي يحقق مصالح الشعب اليمني ويرفع معاناته ولا يضر بثوابته وسيادته واستقلاله.

 

هذا المنطق المتوازن والمعتدل من القضايا الكلية التي تواجهه اليمن مع إدانة المؤتمر "الخيانات الوطنية، وكل أعمال العنف والتخريب ضد المصالح العامة والخاصة، وقتل الأبرياء أياً كانوا، والقتل خارج إطار القضاء الشرعي من أي جهة كانت"، يدفع دون شك بالقوى الراغبة في استغلال التدخل الدولي في اليمن لصالح مشاريعها الخاصة المذهبية أو المناطقية أو الفكرية أو السياسية للحذر من تغير خارطة القوى السياسية في اليمن في ضوء مؤشرات تمرُّ بها المنطقة لصعود أسهم التيار السلفي والإسلامي في المنطقة.

 

بل إن تأكيد البيان الختامي على "أن الوسيلة الناجحة والطريقة المثلى لحل مشكلات اليمن هي الحوار الجاد المنطلق من ثوابت الأمة ومراعاة مصالحها، وتقديم ذلك على كل المصالح الضيقة والمشاريع الصغيرة والارتهانات الخارجية"، يمثل تحولا في اعتماد التيار السلفي السياسي لغة الحوار كأساس للتعامل مع القضايا عموما وقطعا للطريق على أولئك الذين يرون في السلفيين تيارا إرهابيا متطرفا لا يتقن إلا الانعزال أو العنف! ولا يملك أي رؤية مقنعة تطرح للنقاش!

 

كما أنَّ هذا التأكيد يفوت الفرصة على أصحاب المشاريع المذهبية على حمل السلاح في مواجهة من يصفهم بالسلفيين! ويفرض عليهم الدخول في حوار جاد ومنصف دون الاستناد إلى القوة والسلاح.
البيان الختامي –أيضا- عبر عن شعور السلفيين بمعاناة الشعب اليمني ودعوتهم لتحسين ظروفه المعيشية والخدمية، وعن مساندتهم للثورات العربية ضد الظلم والاستبداد، وإشادتهم بإنجازاتها الرائدة في التغيير، وتضامنهم الكامل مع الشعبين السوري في معاناته أمام النظام الغاشم، والفلسطيني في معاناته أمام الاحتلال الكافر!

 

سلفيون ما بعد الحزب:
يمكن القول بأن السلفيون بهذا التحول والكيان السياسي القادم سيغيرون من خارطة القوى السياسية في اليمن. فالتيار السلفي بحضوره الواسع وأطيافه المختلفة وسمعته غير الملوثة حتى اللحظة بصراعات المراحل السابقة إذا ما أتقن رصِّ صفوفه والسمو فوق خلافاته وترتيب طاقاته وإمكانته وإنضاج رؤية وخطاب سياسي شامل ومتكامل ومتزن ومقنع ومنفتح على أبناء الشعب اليمني سوف يكون حاضرا في المشهد السياسي القادم بقوة كما هو حاصل في مصر.

 

صحيح أن حركة "الإخوان المسلمون" ستظل القوة الأكثر حضورا والأكبر حجما وتأثيرا إلا أنها تحمل أعباء تاريخ سابق بكل سلبياته –كما إيجابياته، وذراعها السياسي "التجمع اليمني للإصلاح" بات يعاني من ترهل تسعى القيادة لتجاوزه من خلال حراك تنظيمي وتجديد قيادي. لذلك يرى البعض في إعلان السلفيين لكيان سياسي تهديدا للتجمع اليمني للإصلاح أو هكذا يراد له أن يصور.. فيما جزم السلفيون في مؤتمرهم بأن كيانهم السياسي ليس موجها ضد أحد ولا يريد خصومة أحد بل يريد التكامل مع بقية القوى السياسية والاجتماعية الخيرة في البلد.

 

لقد بات السلفيون اليوم معنيون بتطوير رؤاهم وخططهم وخطابهم الجماهيري وحساب مواقفهم العامة بدقة متناهية خاصة وأنهم يلجون حلبة صراع غير نزيهة. وما كان معفيا عنهم سابقا سيكون مرصودا عليهم اليوم وهم المصنفون كخصوم لدى أطراف سياسية مختلفة.

 

كما أن عليهم بلورة معالجات مناسبة لقضايا شائكة في مجال الصراع المذهبي مع الحوثيين والتعامل مع الطوائف الأخرى وتنظيم القاعدة –وهو الذي يرى في هذا التحول فرصة لتسويق فكرته لدى الناقمين من السلفيين على هذا التحول!

 

إن اليمن يشهد استقطابا حادا اليوم من جميع القوى، فإذا ما أضاف السلفيون إلى الساحة العامة استقطابا جديدا فإنهم سيتحولون من موقع المعالج ليكونوا جزءا من المشكلة، وإن كان العمل السياسي يتطلب قدرا من الاستقطاب، لكنهم بحاجة لتقديم نموذج أمثل لسياسة حكيمة.