اليمن وتحديات ما بعد "صالح"
14 ربيع الثاني 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

سؤال يتردد كثيرا على ألسنة المهتمين بثورات الربيع العربي وهو: هل حقا استطاعت الثورة في اليمن أن تحقق أهدافها من خلال الاتفاق الذي قضى بإبعاد علي عبدالله صالح وتولي نائبه للحكم؟..والمتأمل لما يجري على الساحة اليمنية يجد أن هناك العديد من المعوقات التي تجعل من العسير الرد على هذا السؤال بشكل إيجابي؛ فنائب صالح الفريق عبد ربه منصور هادي هو جزء من نظام صالح القمعي العائلي القبلي الذي دمر الاقتصاد اليمني وتسبب في اندلاع الثورة؛ لذلك ستجد أن الثائرين في ساحة التغيير قد رفضوا هذا الاتفاق ومعهم بعض الحق في ذلك, بينما وافقت عليه المعارضة السياسية الحزبية ممثلة في "اللقاء المشترك" وهو تجمع لعدد من أحزاب المعارضة وياتي على رأسها حزب الإصلاح الإسلامي, ولعل ما دفع هذه الاحزاب لقبول الاتفاق هو احتدام القتال بين الجنود الموالين لصالح والجنود المنشقين واتخاذ الامر لأبعاد قبلية مع ما تعانيه البلاد من أزمات أمنية وتمرد قد يهدد وحدتها لو استمر الحال على ما هو عليه لفترة أطول..

 

ولكن المثير في هذا الاتفاق هو الإبقاء على عائلة صالح تسيطر على العديد من المناصب الحساسة في الجيش وهو ما يعني عدم القدرة على اتخاذ خطوات واسعة في الإصلاح وإمكانية انهيار الاتفاق في أي لحظة, كما أن هذا الامر سيمنع من كشف العديد من قضايا الفساد السياسي والاقتصادي وتطهير الحكم من أركان حزب المؤتمر الحاكم السابق وبالتالي ستفشل الثورة في تحقيق جزء كبير من الاهداف التي قامت من أجلها..

 

البدايات لا تبشر بتغيير حقيقي فصالح الذي خرج من الحكم برغبة الشعب بعد أن قضى أكثر من 30 عاما في السلطة وأصر أن يخرج بحصانة قضائية خوفا من الملاحقة ـ وهو اتفاق مهين لأي رئيس ـ قام الرئيس الجديد بتوديعه بشكل رسمي رغم القتلى الذين سقطوا خلال الاشهر الماضية بسبب تمسكه بالحكم وتلاعبه في التوقيع على اتفاق نقل السلطة, بالإضافة لذلك فالبلاد تواجه العديد من المصاعب على رأسها التمرد الحوثي الشيعي في الشمال والذي فرض سيطرته على صعدة وبدأ في التمدد خارجها من أجل الوصول إلى ساحل البحر الاحمر ودخل في مواجهات مع القبائل والسلفيين وفرض حصارا غاشما عليهم مستغلا غياب السلطة المركزية, ومستعينا بالدعم الذي يأتيه من الخارج..

 

الحوثيون تقريبا أقاموا جمهورية مستقلة في الشمال فلهم سجون ومحاكم ونقاط تفتيش وهذا أمر لا يمكن للحكومة الجديدة السكوت عليه لأنه يشكل تدهور على جميع الاصعدة..هناك أيضا الحركة الانفصالية في الجنوب وهي حركة ازدادت قوة في فترة الانشغال بترتيب نقل السلطة, وهذه الحركة تحالفت مع الحوثيين من أجل إضعاف السلطة والوصول لهدفها بالاستقلال بالجزء الجنوبي, ولا شك أن سياسات نظام صالح أدت إلى التفرقة بين الشمال والجنوب في العديد من الملفات ورسخت الشعور بالظلم والاضطهاد في نفوس الجنوبيين, ولا شك أن هناك مطالب مشروعة للجنوبيين ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار لكي يتم إحباط مؤامرة الانفصال التي تدعمها أيادي خارجية وهو أمر لن تتمكن الثورة من الوصول لاهدافها بدونه....

 

ملف تنظيم القاعدة في اليمن أيضا من الملفات الشائكة فقد تصاعدت هجماتها  في الفترة الاخيرة على اهداف عسكرية حيوية وحاولت إقامة إمارة مستقلة في الجنوب وتحظى بدعم من بعض القبائل, ومواجهة القاعدة أحد التحديات الضخمة للحكومة الجديدة ولكن ليس عن طريق الاستعانة بالخارج كما كان يفعل نظام صالح مما أدى إلى اكتسابها المزيد من التعاطف الداخلي, ولكن عن طريق تحالف القوى السياسية والشعبية التي تسعى لإخراج البلاد من كبوتها ..اليمن أمامه طريق طويل لكي نستطيع الإجابة بنعم على السؤال الذي طرحناه في أول المقال, وبداية هذا الطريق هو تجاوز الخلافات السياسية للمعارضة والتوافق على خريطة طريق واضحة تؤدي إلى رئيس وحكومة تمثل الشعب بكافة طوائفه والحذر من الدعوات الانفصالية التي تخدم مخططات قوى إقليمية ودولية.