الاحتفالية والمولد .. رؤية مختلفة
25 ربيع الأول 1433
د عمر المديفر
يدور الجدل كثيرا في حرمة الاحتفال بالمولد النبوي أو حلها وكونها بدعة أو مباح أو محرم وفق تفاصيل يعرفها الجميع, ولست هنا بصدد المراجعة في هذا الشأن.
لكن المعاني هي التي تفسر الاحداث و الداعي إلى المولد والمانع له كلاهما لديه معان محددة يعتقد أنه يخدمها، فالمبيح يرى أنها توثق وتنمي حب النبي صلى الله عليه وسلم وأنها تعبير عن الحب ولا يستطرد الداعي لها إلى مفهوم الاحتفال في الفكرة الإسلامية و أما المانع لها  فيرى أنها شأن طارئ لم يفعلها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واله وصحبه أجمعين فينظر لها من حيث بدعية التعبد ولا يحكم عليها حكما اجماليا تحليليا لها.
المشكلة – من وجهة نظرتحليلية -  يجب أن تكون حوارا في معنى الاحتفال وهل الاحتفال كفعل له حظوة وتشريع في المجتمع الإسلامي ؟ وهل معاني الاحتفال هنا تصب في تحقيق الأهداف المقصودة منه؟
إن الاحتفال من وجهة نظر إسلامية عامة هو فعل و مشروع إنساني تقليدي له معان مهمة لدى الناس مثل  : إظهار الفرح – كالعيد – ولكن بصفة محددة إن كان الامر شرعيا – صلاة العيد والاضحية مثلا – وله معنى أعلان الاحداث البهيجة  الطارئة – وليمة الزواج – عقيقة المولود  – . وهو أيضا طريقة لإعلان الفرح والتعبير عن الاحترام و  لأداء الواجب حتى لو لم يكن الانسان صادقا من قلبه , فإذا دعا أحدنا ضيفا فهذا احترام له – ظاهري - بغض النظر عن الباطن .
والثقافة النصرانية الدينية  مختلفة تماما في هذا السياق , إذ هناك نوع من الاحتفالية المتكررة , المقصود بها تضخيم الطقوس  ودور الدين بشكل ظاهري شكلي , ذلك أن العلاقة بين الانسان والخالق - في النصرانية المحرفة - علاقة معقدة ولها وسطاء يجب أن يستعرضو وجودهم من خلال تلك الاحتفالات المتكررة ذات الطقوس الغريبة والمفتعلة والمحدثة بلا شك.
وأما في الثقافة الغربية الحديثة  - التي لها جذور في الفكرة النصرانية -  فهي وإن قاطعت الدين كمكون رئيس إلا أنه له حضوره في الطقوس المجتمعية باستمرار , و من ثم شكلت وتشكل  فكرة الاحتفال – أي احتفال -  تجارة وتسويق و فرصة لرأس المال , ولهذا تتم تنميته والاحتفال به بشكل كبير , أضافة إلى أن هشاشة العلاقات الانسانية التي نتجت عن الفكرة الغربية - المادية والأنانية - جعلت الاحتفال نوع من الفعل الصادق أو التمثيلي المهم لمحاولة صيانة أو تفعيل تلك العلاقات عموما. ولو أخذنا يوم فالنتين والمسمى بعيد الحب وعلاقته بالكنيسة وعلاقته بشكلية الحب وعلاقته بالهشاشة في العلاقات لرأينا كيف تكتمل فيه الصورة المقصودة إضافة إلى كونه سوق مهم لسلع متعددة  وفرصة للرأسمالية اللأخلاقية أن تكسب من حيث استطاعت , فهو مثال واضح لأيضاح الرؤية والفكرة التي أطرحها هنا .
وقبل أن أتتقل للفكرة الاسلامية أضيف أن الثقافة الاحتفالية عموما تحاول أن تجعل الاحتفال هو أقصى أو أهم مظاهر القيام بالواجب و ينسى سبب الاحتفال , ولهذا يلاحظ الجميع أن الحفلات أيا كانت تحولت من كونها احتفال بشئ معين مثل نجاح أو زواج أو غيره إلى أن اصبحت هي بذاتها هدفا للاحتفال فكما يقول البعض أهم شي حفلة الزواج  وتفاصيلها أما ما بعد الزواج فلم يعتن به أحد مثل العناية بحفلة الزواج.
الفكرة الاسلامية – في تحليلي الشخصي -  ليست احتفالية و لا شكلية وهي على النقيض إذ تذم المبالغة في الشكل أيا كان هذا الشكل حتى زخرفة المساجد ,بل هي ثقافة فعل – كما في الحديث النبوي : خير العمل ادومه وإن قل -  وتقود إلى استمرار الفعل المربوط  بالمعاني  -  كما في القاعدة الشرعية : العبرة بالمعاني لا الألفاظ - ولا يكون الاحتفال فيها تحقيقا للمطلوب على الحقيقة بل الأصل الفعل المستمر وإن كان هناك احتفال عارض فلا بأس ...ولهذا نجد أن بعض من  احتفل أو يحتفل بالمولد يتولد لديه شعور أنه قد أظهر حبه للنبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشكل وأن هذا أمر بالغ الأهمية , ولكنه يغفل أو يتغافل أو ينسى أن الحب هنا أعمق من حفلة وأكثر من ليلة سنوية بل هو معان مكتملة وممارسة للوصول إلى مستوى الحبيب صلى الله عليه وسلم من خلال أتباعه.
ولو لاحظنا أن الثقافة الاحتفالية كانت مدعومة من قبل الأنظمة المحاربة للتدين عموما وذلك بسبب اختزالها للمارسة الدينية في حفلة عارضة وبذخ ومظاهر سرعان ما تنتهي ولا يعقبها الكثير من الفعل الذي يدل على عمق معانيها .
وأخيرا جولة على تراث الكنيسة وزخارفها وقببها الخاوية التي يمجدها الكثيرون ويعتقدون انها تكريم للكنيسة واحتفاء وحب لها وكذلك أصنام عيسى عليه السلام المزعومة و مريم العذراء عليهما السلام, كل هذه الشكليات التي تنتهي حالما يفارق الزائر الكنيسة توحي لك أن الدين والايمان في المفهوم الكنسي أقرب للشكل وأبعد عن المعنى, أبعدنا الله عن هذه الحال .