هل هناك شيعة في قطاع غزة؟
20 ربيع الأول 1433
جمال عرفة

انتشرت الأسبوع الماضي علي موقع الانترنت أنباء عن قيام شرطة حماس بمداهمات لبعض لقاءات قام بها شيعة في غزة ، خصوصا بعدما بثت قناة شيعية إيرانية (الكوثر) مقطع من تقرير إخباري يوم 12 سبتمبر الماضي 2011 عن احتفال أقامه شيعة في غزة بمناسبة ذكرى ثورة الخميني ، ما أثار تساؤلات حول الوجود الشيعي في غزة ، وهل له علاقة بحركة الجهاد أم لا ؟ وردود حركة حماس علي هذا التغلغل الشيعي هناك .

 

وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة قالت ردا علي هذه المعلومات - أن قطاع غزة بخاصة وفلسطين بعامة بلاد مذهبها الإسلامي الوحيد هو المذهب السنّي ولا نعلم عن وجود للشيعة فيها.
وقالت في بيان لها تعقيبا على الإنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية حول اعتداء عناصر الشرطة على مجموعة من الشيعة في القطاع أنها تحترم كل المذاهب بما في ذلك المذهب الشيعي في أماكن وجوده في العالم ، ولا تتدخل في عاداتهم وتقاليدهم ولا ترغب أن يتدخلوا في عاداتنا وتقاليدنا ، ما يشير ضمنا لصحة الواقعة التي تحدث عنها (مركز الميزان) .

 

فقد أعلن هذا المركز انه تم الاعتداء على مجموعة من المواطنين في بيت لاهيا وان مجموعة يرتدي أفرادها زي الشرطة الفلسطينية وبعضهم ملثم "اعتدوا على مجموعة من الأشخاص بينما كانوا مجتمعين داخل أحد المنازل السكنية، ووفقاً لرواية بعض من تعرضوا للضرب بأنهم كانوا في درس ديني حول آل البيت وتسبب الاعتداء في إصابة المجتمعين بجراح ورضوض وإصابة بعضهم بكسور في الأطراف" .
وقامت القوة – بحسب المركز- بتفتيش المنزل وتحطيم بعض محتوياته، واقتادت من كانوا في المنزل إلى مقر محافظة شرطة الشمال وطالب المركز "حكومة غزة بفتح تحقيق في الحادث والعمل على كشف ملابساته وإحالة المتورطين فيه للعدالة، تعزيزاً لمبدأ سيادة القانون وحقيقاً للعدالة" حسب البيان .

 

ولكن شرطة غزة قال في تفسير ما حدث أن "ملاحقة قامت بها الشرطة لمجموعة مشبوهة خارجة عن القانون وصاحبة تاريخ فكر منحرف كانت تخطط لأعمال إجرامية وإنها ستنظر في كل الادعاءات حول الاعتداء على حقوق الإنسان في عملية ملاحقة المجموعة ، وطالبت وسائل الإعلام بـ "عدم الأخذ بادعاء أشخاص على أنها مسلمة من المسلمات دون التأكد من المصادر الرسمية " .

 

"إسرائيل" مهتمة بشيعة غزة !
والملفت أن الإعلام الصهيوني ألقي بثقله خلف هذه الظاهرة ،وأزعم المحلل السياسي لصحيفة (هأرتس) الاسرائيلية "أفي يسخروف" انتشار ظاهرة التشيع بين سكان قطاع غزة ، وقال – في تقرير نشرته الصحيفة 17 يناير الجاري – أن الأمر بدأ بانضمام بضعة فلسطينيين إلى الطائفة الشيعية، لكنه ما لبث أن تحول في الأشهر الأخيرة إلى ظاهرة متنامية" .
وزعمت الصحيفة الصهيونية أن "عددا كبيرا من السكان السنّة في قطاع غزة قاموا بتغيير طائفتهم والانتقال إلى الطائفة الشيعية، وقسم من هؤلاء هم من أنصار "الجهاد الإسلامي" والقسم الآخر من المواطنين العاديين، ويقدّر عدد الذين تشيعوا اليوم في القطاع  بأكثر من بضعة مئات.

 

وقال "أفي يسخروف": "في يوم الجمعة الماضي اجتمع نحو 30 شخصاً من هؤلاء في أحد المنازل  في حارة الشيخ زايد، الواقع بين بيت لاهيا وجباليا، للاحتفال بذكرى أربعين الحسين وكان من المتوقع حضور نحو مئة شخص، لكن رداءة الطقس قلصت عدد الحضور الذي جاء للمشاركة في صلاة الجمعة في هذا البيت الذي تحول في الأسابيع الأخيرة إلى "حسينية" وإلى مركز للتعليم الديني " .
وأضاف : "لم يتوقع الحاضرون الزيارة التي قام بها رجال الأمن التابعين لحركة "حماس"، الذين اقتحموا المكان وأوقفوا نحو 14 شخصاً من الحاضرين واعتدوا بالضرب على الآخرين واقتادوا الموقوفين إلى مركز تابع للحركة حيث جرى ضربهم بطريقة وحشية ، علي حد زعم الصحيفة "الاسرائيلية" .
وقال "يسخروف" أن سبب اهتمام "حماس" الكبير بهذه المجموعة الصغيرة من الشيعة يعود إلى تخوفها من تزايد التدخل الإيراني في شؤون قطاع غزة، إذ ليس لدى الحركة أدنى شك في أن إيران تستغل تنظيم "الجهاد الإسلامي" من أجل بسط نفوذها على القطاع.

 

وذكرت مصادر في غزة للصحيفة أن هناك مجموعة صغيرة داخل تنظيم الجهاد بقيادة إياد الحسني، الذي سبق أن طُرد من التنظيم لكنه عاد إليه بضغط من طهران، أعلنت تشيعها .
وزعمت الصحيفة الصهيونية أنه قبل بضعة أشهر قام وفد رفيع المستوى من "الجهاد الإسلامي" بزيارة طهران، وبعد الزيارة تقرر تعيين الحسني في منصب كبير في الجناح العسكري للجهاد ، وأن الحسني أعلن تشيعه علناً بعكس كثيرين من الشيعة الآخرين الذين يخفون معتقدهم عملاً بمبدأ "التقية".

 

وقد تردد أن عددا من الذين أوقفتهم "حماس" أصدروا بياناً دعوا فيه إيران إلى وقف تمويل "حماس" بسبب ملاحقاتها للشيعة ، لكن هناك أنباء عن أن طهران سبق أن قلصت الدعم الاقتصادي الذي تقدمه إلى الحركة بسبب مغادرة قيادات "حماس" دمشق، وتخليها عن بشار الأسد .
وتعلم طهران – بحسب الصحيفة الاسرائيلية - أن سلطات "حماس" في القطاع تحاول إخفاء ظاهرة التشيع وتخوض حرباً حقيقية ضد الشيعة في القطاع، وقد نجحت في الفترة الأخيرة في إغلاق عدد من الجمعيات الخيرية التي تعمل على نشر التشيع في غزة وثمة شكوك في أن تنجح "حماس" في مواصلة كبح ظاهرة التشيع لوقت طويل، ولا سيما في ظل الضغوط التي تمارسها طهران .

 

تنوع التيارات الإسلامية في غزة
والحقيقة أن غزة في عهدة حماس شهدت نوعا من تحسن الأمن بصورة كبيرة وأريحية في التعامل مع كل التيارات الإسلامية ما أدي لتعاظم قوي إسلامية سلفية أو بعض التشيع في ظل هذا التسامح ، بيد أن التدخل الأمني جاء عندما تحولت بعض هذه التيارات لمناطحة حماس أو السعي لتغيير التركيبة الدينية هناك.

 

فقد ظهرت جماعة سلفية جهادية (تدعى جماعة "جند أنصار الله" أو "جلجلت") دخلت في صراع مع شرطة حماس أسفر عن مقتل 22 وإصابة نحو 125 شخصا، بعدما أعلن عبد اللطيف موسى- أحد قيادات الحركة السلفية الجهادية- بصورة مفاجئة في خطبته للجمعة بمسجد ابن تيمية في رفح قبل خمسة أعوام، تدشين إمارة إسلامية في غزة، داعيا أنصاره لمبايعته إلى الموت، ولم يكتف بهذا بل تحدي حكومة حماس مؤكدا أن "هلاكها اقترب".

 

و"عبد اللطيف موسي" كان في الأصل نائبا لرئيس جمعية الكتاب والسنة قبل أن ينحاز للتيار الجهادي الذي يتبني الفكر القاعدي، ولم يُعرف سر هذا الإعلان المفاجئ من جانب عبد اللطيف لإمارة إسلامية في غزة وتحديه لحكومة حماس الإسلامية .
فقد أدي الحصار الخانق لانتعاش لهذه الجماعات السلفية في غزة خاصة وأن لدى بعض هذه الحركات الجهادية السلفية مآخذ كثيرة على حماس من قبيل اعتدالها الزائد وصِلاتها بالغرب وتركها بعض الممارسات التي تراها هذه الحركات "حراما" و"منكرا" مثل نوادي الانترنت والأفراح، وعدم أسلمة المجتمع بالكامل، برغم أن حماس تسعي الفعل للتغيير الهادئ دون قوانين أو قرارات .

 

فالجماعات السلفية الجهادية بدأت نشاطها أساسا ضد الاحتلال الصهيوني، ولكنها تحولت تدريجيا مع تشديد الحصار والتزام حماس بالتهدئة وصعوبة إطلاق الصواريخ أو الالتحام مع العدو في أوقات مهينة من الهدنة إلى إصلاح المجتمع الداخلي والصدام مع حماس بسبب رعايتها للتهدئة مع العدو وتقييدها نشاط هذه الحركات التي لا تعترف بتهدئة أبدا أو بموائمات سياسية .

 

والحقيقة أن مثل هذه الأحداث المتكررة كشفت عن وجود تنظيمات عديدة في غزة تتعارض أفكارها مع أفكار حركة حماس، وتطالب بالتطبيق الفوري والشامل للشريعة الإسلامية في غزة وتصعيد العمليات الجهادية والعسكرية ضد الصهاينة بلا توقف ولا هدنة مثل (جماعة جند أنصار الله في أكناف بيت المقدس) و(جماعة جيش الإسلام)، بقيادة الزعيم العشائري القوي "ممتاز دغمش"و"فتح الإسلام" بقيادة "سليمان أبو لافي" و"رفيق أبو عكر" و"جيش الأمة" الذي يسيطر عليه "إسماعيل حامد" وجماعات أخرى مثل "جيش الله"، و"التكفير"، و"عرين الأسد للمجاهدين المقاتلين"، و"جلجلة" (قصف الرعد) ، وأخيرا مجموعات شيعية يقودها منتمين سابقين لحركة الجهاد السنية .

 

وقد تغاضت حماس عن نشاط هذه الجماعات وتركتها تنمو، لأنها اعتبرتها ظاهرة هامشية لا تشكل تهديداً لسلطتها ومكانتها في قطاع غزة، ولأنها تشارك "حماس" العداء تجاه "إسرائيل"، بل إن أحد أبرز هذه الجماعات، "جيش الإسلام"، كان شريكا لحماس في عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ولكن ميل هذه الجماعات للعمل بشكل مستقل يخالف إستراتيجية حماس الخاصة بالتصعيد أو التهدئة مع العدو الإسرائيلي ، بخلاف مصادمتها الغالبية السنية في القطاع ، دفعت حماس للتصدي لهذه الجماعات المختلفة .