20 شعبان 1433

السؤال

أنا شاب عمري 28 سنة، تعرفت عن طريق إحدى غرف الدردشة على فتاة وبعد فترة حوالي شهر ونصف أحببنا بعضنا وقررنا الارتباط بالحلال، علماً بأني لم أرها ولكن رأيت صورتها ورأت صورتي. أنا وجدت فيها مواصفات للزوجة الصالحة وهي كذلك. آخر فترة تكلمنا فيها أعطتني كلمة المرور لبريدها الإلكتروني الذي كنت أحدثها عليه، المهم أنا دخلت على هذا الإيميل ونظرت إلى سجلات المحادثات السابقة ففوجئت بمحادثات مع شباب، وعندما تحدثت معها عن الموضوع قالت لي بأن هذا الإيميل تستخدمه صديقات لها، وهذه المحادثات لصديقاتها وليست لها. لكن أنا من خلال قراءتي لهذه المحادثات أحسست بأن طريقة الكلام بهذه المحادثات هي نفس طريقتها، كما إني عندما سألتها هل لها أصدقاء على الإيميل قالت لي: إن لديها صديقاً واحداً، ولكن أنا تفاجأت بعدة أصدقاء، وتحدثت معها بالموضوع وقلت لها إني لن أكمل معها، وهي أقسمت بالله إنها لم تخني وأن هذه المحادثات ليست لها، وحلفت بالله إنه ليس لها علاقة. لكن أنا أجد صعوبة بتصديقها، وبنفس الوقت حزين على فراقها وقد استخرت الله هل أتابع معها وأتزوجها، ولكن لم أستفد شيئا من صلاة الاستخارة. برأيكم هل أكمل معها وأتزوجها وأتغاضى عن هذه الأمور؟ وهل هي يمكن أن تكون صادقة. وللعلم إننا نتحدث مع بعضنا منذ حوالي 6 أشهر وأنا أحسست أنها تحبني وهي قالت لي: لا تتركني وتريدني أن أتزوجها، وقالت لي سأكون كما تريدني أن أكون، وسأكون مطيعة لله ولك. وأنا في قرارة نفسي أريدها وأريد الزواج بها، وأنا أريد أن يعفني الله بالحلال وأريد الزواج؛ لذلك أحتاج نصحكم وإرشادكم هل أتابع وأتزوجها أم اتركها؟ أرجو النصح والإرشاد.. والسلام عليكم ورحمة الله.

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

لا شك أن الزواج هو العقد الشريف المبارك الذي شرعه الله سبحانه وتعالى لمصالح عباده ومنافعهم، يظفر منه بالمقاصد الحسنه والغايات الشريفة ويحفظ به الذرية والنسل ويعف من خلاله عما حرم الله.
ورغم أن الإسلام حض على الزواج لكنه جعل له ضوابط في كيفية اختيار الشاب المسلم زوجته التي هي وتد للأسرة المسلمة، وجعل لتلك الأسرة جذورا قوية جعلته كالبنيان.. {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ_ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109].
فعندما تؤسس بيتا تراع في هذا البنيان القواعد السليمة الخالية من العيوب التي قد تسبب في يوم من الأيام خللا وانهيارا لذلك البنيان لذلك كان ينبغي أن نهتم ببنيان يسكننا في الدنيا ونحمل معنا آثاره في الآخرة.
فالبيت المسلم لابد أن يؤسس ابتداء بالنية الصالحة والإخلاص المتبادل بين الطرفين حيث إن الأم هي الزوجة المربية التي تصب كل طبائعها وأخلاقها وعاداتها لأبنائها فتخطو بأخلاقها الطيبة حسن معاشرة زوجها وتخرج من تحت يدها أولادا بنائين فتجعل بيتها روضه بأقل القليل.
قد اهتم الإسلام بأن تكون أركان ذلك البنيان معبأة بالسكون النفسي لقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: من الآية21] فيعتبر هذا السكن النفسي من القواعد الأساسية لتلك البنيان فسكون كل واحد إلى الآخر وقيام المودة هو من أساس الزواج الحقيقي الذي يقوم على المودة والسكينة.
لقد بدأت حياتك الأسرية بداية خاطئة أخي السائل، والنتائج مترتبة على المقدمات، ولا تنتج المعصية الطاعة أبدا، إلا أن يتوب صاحب المعصية منها ويبتدئ بعدها عهدا جديدا..
إن ارتباطك بتلك الفتاة عن طريق غرف الدردشة جعل في قلبك قبل التقدم للخطبة شكا، ذلك الشك الذي جعلك تتصفح سجلات المحادثات الخاصة بها فما بالك بعد الزواج كيف تكون الحياة؟!
لقد زُرع الشك في البيت قبل بنائه مما قد ينغص حياتكما بعد الزواج من افتقاد السكون النفسي بينكما، ولعلك ذكرت في رسالتك قولك: "أنا أريد أن يعفني الله بالحلال" وأذكرك بقوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" نعم لو تيسر معك تلك الباءة أي الاستطاعة لفتح البيت وإعالته فعليك أن تعجل بالزواج خشية الوقوع في الحرام وإن لم تستطع فعليك الإكثار من الصوم ومراقبة الله في السر والعلن والقرب من الله تعالى ومصاحبة الصالحين حتى يجعل الله لك من أمرك يسرا.
إن ما بني على خطأ يا بني فهو خطأ وما بني على باطل فهو باطل فالباطل من الناحية الشرعية هو الضلال الذي يقابل الحق والهدى، والدخول على الزواج عن طريق غير الطريق الصائب كانت توابعه في كثير من الأحيان غير مرضية، حتى أصبح عدم التصديق في المعاملات واضحا من بداية الأمر حيث أنها أقسمت بالله أن صديقاتها تستخدم بريدها لكنها برهنت بذلك القول على الريبة وأدانت نفسها فإن كانت صديقاتها تتحدث مع الشباب في غرف الدردشة فالمرء على دين خليله فلا بد أنها قد تتطبع بهذه الصفات فالصديقة الحسنة هي التي لا تقبل أن تصاحب من يسيء لسمعتها وأخلاقها بل ترفض التعامل معهن.
إنك استخرت الله في ذلك الارتباط لكنك مازلت لم تصدق تلك الفتاه حتى بعد أن أقسمت لك فلماذا لا تستجيب لهداية قلبك لذلك الأمر؟
الابن الكريم إنك تنقاد لهوى نفسك في انجذابك للارتباط بتلك الفتاه فالدوافع التي تدفعك دوافع العاطفة التي يزينها هواك، لا دوافع الإيمان ولا حتى دوافع العقل في الاختيار.
فإن كانت صورتها قد أعجبتك فالصورة وحدها لا تكفي لاتخاذ قرار الزواج
أما إن رأيت من نفسك شدة تعلق بها وبرهنت بنفسك أنها مؤمنة تتقي الله وأن خطأها في كلامها معك طارئ، فاسأل نفسك هل أنت ممن يعفو ويصفح؟ كي تعفو وتصفح عن ظنك وشكك وكونها تحدثت معك، إن رأيت ذلك فاذهب وحادث وليها، وانظر إليها وحادثها في وجود الولي، والجلوس مع الحقيقة دون الصورة شيء مختلف، ولتكن المقابلة دراسة لأسلوب حديثها ولهجتها وقد شرع ديننا الخطبة وأباح لك مقابلتها في وجود الولي المحرم ليحدث القبول، مع مواصله الاستخارة والدعاء بأن يدبر لك الله حسن التفكير والاختيار.
لكنني بالعموم وفي الأصل يا بني لا أنصحك بهذا الاختيار العشوائي الغائم، فإنما تخطب المرأة لدينها، وهاهي قد بدأت طريقها بخرق الديانة، فماذا بعد ذلك؟!
وفقك الله لما يحب ويرضى.