صعود الإسلاميين بالكويت.. مزيد من الاستقرار قليل من الفساد
14 ربيع الأول 1433
رضا عبدالودود

بعد سجالات سياسية حادة بين المعارضة الكويتية والقوى الشعبية والحركات الشبابية وبين فريق الموالاة الحكومية التي تعددت أشكالها وتوحدت نتيجيتها بحل مجلس الأمة واقالة حكومة الشيخ ناصر المحمد، وصل الربيع العربي العربي إلى الكويت بمذاق إسلامي وشعبي، تصدرت المعارضة مشهده ، وفي مقدمتهم الإسلاميون الذين حققوا نتائج متقدمة في انتخابات مجلس الأمة التي أعلنت نتائجها أمس الجمعة..فيما توارت القوى الموالية للحكومة والنواب المتورطون بقضايا فساد ، عرفت مؤخرا "التحويلات المليونية"، فيما درج الشارع الكويتي على تسميتهم "القبيضة".

مؤشرات ودلالات:
فعلى الطريقة المغربية، انحاز الكويتيون نحو الإصلاح الهادئ داخل نظام الحكم القائم...وتوجهت أصواتهم لقوى المعارضة لتمنحها الثقة ببرلمان الربيع العربي، ليصل عدد النواب المعارضون 32 نائبا، حصد التيار الإسلامي منها «حدس- السلفي- المستقلون» 22 مقعدا ، وفازت الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» بـ4 مقاعد مباشرة عبر نجاح مرشحيها: أسامة الشاهين، د. جمعان الحربش، حمد المطر، ومحمد الدلال، اضافة الى 3 مقاعد لنواب محسوبين عليها وهم: فيصل اليحيى، فلاح الصواغ، وخالد شخير.
كما حصد «التجمع السلفي» 8 مقاعد برلمانية، عبر فوز مرشحيها الأربعة: خالد السلطان، علي العمير، محمد الكندري، وعبداللطيف العميري، اضافة الى فوز 4 مرشحين محسوبين عليها وهم: عادل الدمخي، عمار العجمي، نايف المرداس، وبدر الداهوم.
وكذلك حصد المرشحون الإسلاميون المستقلون 7 مقاعد عبر فوز كل من: د.فيصل المسلم، د.وليد الطبطبائي، محمد هايف، اسامة المناور، احمد مطيع، عبدالله البرغش ومحمد الهطلاني.
فيما حصدت كتلة العمل الشعبي المعارضة على 5 مقاعد ، بعودة أعضائها الأربعة:  أحمد السعدون، مسلم البراك، علي الدقباسي، وخالد الطاحوس، إضافة الى محمد الخليفة.
أما ابرز الخاسرين فكانت كتلة العمل الوطني التي شهدت سقوطا مدويا لثلاثة من مرشحيها (عبد الله الرومي – صالح الملا - أسيل العوضي)، فيما لم يمثلها في برلمان 2012 سوى النائب مرزوق الغانم، ومنيت النائبات السابقات، ومعهن جميع المرشحات، بهزيمة قاسية، فلم تستطع إحداهن تمثيل النساء في البرلمان، ليصبح مجلس 2012 بدون نساء!

 

وتراجعت الكتلة الشيعية بشكل نسبي، حيث فقدوا مقعدين من مقاعدهم التسعة في البرلمان السابق، ليقتصر تمثيلهم على سبعة مقاعد، فيما جاء فوز النائبين نبيل الفضل ومحمد جويهل بالدائرة الثالثة على حساب الشيعة والليبراليين.
في حين سقط أغلب النواب الفاسدون التي يطلق عليهم الكويتيون «القبّيضة»، ولم يتبق منهم سوى «اثنين» شهدت الانتخابات ظاهرة فريدة من نوعها تمثلت في كسر جدار الانتخابات الفرعية، حيث شهدت نجاح عدد كبير من المرشحين في الدوائر الأولى والرابعة والخامسة ممن رفضوا خوض الفرعيات، أو ما يسميها البعض (التشاوريات بين أبناء القبيلة لاختيار مرشحيه) والتي يجرمها القانون الكويتي.

 

وعلى مستوى القبائل، فقد حصلت أربعة قبائل على عشرين مقعدا بواقع لكل قبيلة 5 مقاعد، ما أسماه البعض (مجلس خمسات) فحصلت قبائل مطير والعجمان والعوازم والرشايدة، على 20 مقعدا، حيث فاز من مطير كل من: مسلم البراك، محمد هايف، عبيد الوسمي، مبارك الوعلان، إضافة إلى خالد شخير، وفاز من الرشايدة كل من: علي الدقباسي، شعيب المويزري، أسامة المناور، سعد الخنفور، ومحمد الهطلاني، وفاز من قبيلة العجمان كل من عمار العجمي، خالد الطاحوس، الصيفي مبارك الصيفي، نايف المرداس، وعبدالله البرغش، فيما فاز من قبيلة العوازم كل من: فلاح الصواغ، بدر الداهوم، أحمد مطيع العازمي، سالم النملان، ومناور العازمي.

 

لماذ؟
يمكن إرجاع تلك النتائج في ضوء تصاعد أجواء الربيع العربي ودعاوى التغيير والإصلاح، التي باتت المطلب الأساسي لغالبية الكويتيين، الأمر الذي يدعمه الدفع الشبابي الساعي للإصلاح والتغيير وكسر تابوهات الجمود في العمل السياسي، والفساد الذي أصاب معظم قطاعات المجتمع؛ التحويلات المليونية ، الفساد في قطاع النفط، نزايد معدلات البطالة، كما لعبت مواقف بعض النواب الموالين للحكومة من بعض القضايا الشعبية دورا حاسما في ابعادهم عن سدة البرلمان القادم، خاصة موقف النائباب الأربعة في البرلمان السابق –الرافض لكادر المعلمين، وكذا بعض قضايا الأسرة التي طرحها نواب المعارضة وانحازت بعض النائبات إلى الحكومة في عدم تمريرها....

 

جانب آخر لا يمكن اغفاله، وهو؛ الجهود الحثيثة التي بذلتها المعارضة وثبات مواقفها شكلت عاملا مهما في نتيجة الانتخابات، خاصة تجمع نهج ممثل بكتلة العمل الشعبي والتنمية والاصلاح والمجاميع الشبابية وغيرهم ، وتوالت انتصارات تجمع نهج ففي البداية بالحشد الجماهيري الضخم في اخر تجمع والذي تجاوز السبعين ألفاً وبحل الحكومة وحل مجلس الامة واكتمل النصر بنتائج مجلس الأمة والذي لم يتوقعها اكثر المتفائلين لصالح المعارضة ولم يكن الفوز طبيعياً، فمن قاد المجاميع في ساحة الارادة هم من احتلوا المراكز الاولى في الدوائر الاربع باستثناء الاولى وبارقام قياسية لأول مرة يحصل عليها مرشحو مجلس الامة في تاريخ الانتخابات في الكويت وتحولت دوائر بأكملها الى جبهة المعارضة وسقط القبيضة الموالين للحكومة..

وفي سياق تحليل أسباب تراجع بعض القوى، يقول الخبير السياسي الكويتي أحمد الديين: كان متوقعا أن يفقد معظم النواب السابقين من أعضاء "كتلة العمل الوطني" مقاعدهم النيابية على ضوء المواقف المتذبذبة والملتبسة لبعضهم،.. وكذلك لعلّه من الطبيعي في ظل ازدياد الميل نحو التعصب العنصري وما ترتب عليه من اصطفافات مناطقية وفئوية وقبلية وطائفية أن تأتي النتائج على النحو الذي جاءت عليه... مضيفا: "ولا أحسب أنّ هناك أي مفاجأة في ازدياد ثقل مرشحي الأحزاب السياسية الإسلامية من سلف وإخوان في ظل واقعنا الاجتماعي والثقافي السائد"

 

تحديات مستقبلية
ورغم ما تمثله تلك النتائج من أهمية بالغة، إلا أن نسبة التغيير في برلمان 2012 والتي بلغت 52 % (حيث خرج 25 نائبا من البرلمان السابق، بمعدل 60 % في الدائرتين الأولى والثالثة والخامسة و40 % في الدائرتين الثانية والرابعة) إلا أن ذلك يحمل تحديات جمة.
فوفقا للمؤشرات العددية فإن أغلبية المعارضة ستؤهلها للعب الدور الأبرز في الحياة السياسية والتشريعية في الفترة المقبلة، إلا أن وزراء الحكومة الخمسة عشر الذين يتم اختيار أغلبهم من قبل رئيس الوزراء الذي سيكلفه الأمير يستطيعون التصويت في البرلمان مما يوفر كتلة جرت العادة على استخدامها لتخفيف حدة المعارضة او تحقيق أغلبية في مجلس الأمة، الأمر الذي يسبب خللا في التركيبة البرلمانية طالما تضررت منه القوى السياسية التي رفعت العديد من المطالب من اجل ادخال تعديل دستوري يحظر تصويت الوزراء فيما يطرح من قضايا بمجلس الأمة..

 

وفي سياق التحديات التي ستواجهها المعارضة الكويتية في المرحلة المقبلة، وفق تقرير مجموعة يوراسيا للإعلام – أن فوز المعارضة لن يبدد التوترات السياسية والاجتماعية القائمة في الكويت، وذلك لأن المعارضة ليست قوة موحدة في الكويت حيث تقوض شبكة الولاءات القبلية والطائفية معظم الانتماءات الاخرى، كما أن حظر إنشاء الأحزاب السياسية يجعل من الروابط القبلية الطريقة الاسهل والاكثر فعالية لحشد الدعم السياسي..

وتضع تركيبة المجلس الجديدة فريق الموالاة أو المتوقع ان يكونوا موالاة والذين يؤيدون الحكومة في اطروحاتهم الانتخابية أمام تحد صعب ، فهذا الفريق سوف يكون سبب صداع للحكومة وهذا واضح من خلال طرحه خلال الحملات الانتخابية والذي تميز بالعنف اللفظي أو بالتصريحات الجريئة ومنها تصريحات ضد دول الخليج وضد بعض النواب كما تبني بعض المرشحين دعوات غير مألوفة وغير مستساغة في المجتمع الكويتي منها شق وحدة الصف وسب القبائل والتشكيك في ولاءاتهم وزاد في الامر ان فريق الموالاة في الدائرة الرابعة والخامسة او بالاصح فريق الموالاة القبلي اختفي واصبحت الموالاة في الدوائر الداخلية مما يعزز الاشكالية والصدام والفرز الجغرافي للموالاة والمعارضة.

تغيير النهج الحكومي ضرورة سياسية
وعلى أية حال، فإن الحكومة القادمة أمام معضلة كبيرة فالتعامل مع هذا المجلس وفق نفس نهج الحكومة السابقة سوف يحرجها ويجعل استجواب رئيس مجلس الوزراء ضمن اجندة مجلس الامة اليومية وطبعاً الجلسات علنية لصعوبة الحصول على اغلبية لجعلها سرية وان سعت الحكومة لحل مجلس الامة فالشارع السياسي موجود وتحريكه اسهل من السابق بكثير وهذا حرج آخر سوف تحرج فيه الحكومة وان استخدمت الحكومة الاسلوب القديم في تعطيل الجلسات وتأجيلها وعرقلة المشاريع فسوف تدخل بخانة المحاسبة والاحراج السياسي ولن تجد اغلبية برلمانية تؤيدها.
ومن ثم فإن أفضل حل لرئيس مجلس الوزراء في المرحلة القادمة هو تشكيل حكومة ذات كفاءة عالية وذلك باختيار الاصلح وان تتخذ الحكومة منهج التعاون وتحويل مجلس الامة الى ورشة كبيرة لاعادة اعمار وهيبة الدولة وعلى الحكومة ان تطرح مبادرات ايجابية وتتخلى عن الاجندة القديمة والقائمة وهي دعم الاعلام غير المنضبط وصراع ابناء الاسرة واستخدام المال السياسي لشراء ذمم النواب وتعطيل التنمية والدخول في صراع غير مبرر مع بعض اعضاء مجلس الامة ويجب ان ينتهي عصر الملاحقات السياسية ومحاولة ضرب النواب او المعارضين واعتقالهم لأن لديهم آراء سياسية تخالف الحكومة ووقف اشاعة الروح الطائفية في المجتمع.

كما أن المعارضة التي يراهن الشعب على دورها في المجلس القادم لتوقف سيل الفساد الجارف والمدعوم من حكومة سابقة ونواب سابقين، مطالبة بأداء دورها المعارض المتزن ، وأن تكون بعيدة عن الحناجر العالية دون تهاون مع الباطل..
أما أبرز ما يتوقعه الشارع الكويتي بعد هذه النتائج أن توقف المعارضة التطرف الطائفي الذي يريد أن تكون الكويت بحرين ثانية!! ويريد أن ينتزع الكويت من جسد مجلس التعاون الخليجي ليلقيها في أحضان ضفاف الخليج الشرقية!!
كذلك تقف المعارضة أمام مسئولية تاريخية ، بأن تكون عصية على الاستحواذ عليها بمنصب وزاري أو مناقصة أو علاج في الخارج، مطلوب معارضة تجتمع لتحديد أولويات شعب اختارها.. وتسعى لتمرير هذه الأولويات بهدوء تحت قبة البرلمان من دون صراخ او تأزيم أو إضاعة وقت المجلس دون انجاز.