طفل الابتدائي وطرق تربيته عمليًا (3)
13 ربيع الأول 1433
معتز شاهين

 ويقصد بالتربية الأخلاقية هي مجموعة المبادئ والفضائل السلوكية والوجدانية؛ والتي يحاول المربي تلقينها وإكسابها للطفل، حتى يعتاد عليها وتصير منهاجا له في حياته. وهي تبدأ منذ تمييز الطفل وتعقله، إلى أن يصبح مكلفًا، إلى أن يتدرج شابًا، ثم يخوض غمار الحياة بقلب مطمئن. 
 


ولا ننسى أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق )، ولله در شوقي حيث يقول :
و ليس بعامر بنيان قوم                    إذا أخلاقهم كانت خرابا
 

تعتبر عملية التحول من الطبع المتكلف ( المصطنع )، إلى الطبع الغريزي – أي أن يصبح السلوك المصطنع هذا جزء من سلوك الفرد – ( تصبر – الصبر / التحلم – الحلم )، هي عملية صعبة ومعقدة، وتحتاج إلى متابعة مستمرة وحث على المداومة على السلوك المراد جعله صفة بتخلق بها الطفل، لذا فمرحلة الطفولة هي أنسب فترة لهذا التحول؛ لأن الطفل يتميز فيها بالفطرية والصفاء وسرعة التلقي والاستجابة.
 

ولو كان ذلك التحول مستحيلا كما يقول البعض ويطلق شعار الطبع يغلب التطبع ، لما كان هناك بد من - قوله صلى الله عليه وسلم -: ( حسنوا أخلاقكم .. )، وهذا ما أكَّده الغزالي رحمه الله حيث قال: "لو أن الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات .. وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن؛ إذ ينقل البازي - الصقر كبير الحجم -  من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق.
 

حتى علماء الغرب رغم جموحهم الفكري إلا أنهم أقروا بأهمية التربية الخُلقية، بل جعلوا الفضيلة هي الغرض الأساسي من التربية .. فرغم  عناية " جون لوك"  الفيلسوف الانجليزي بالتربية البدنية، فقد رتّب أغراض التربية بحسب الأهمية، فذكر الفضيلة أولاً، والحكمة ثانيًا، و العلم أخيرًا، فوضع العلم في آخر أغراض التربية والفضيلة في المرتبة الأولى.
 

ويلازم تربية الطفل خلقيًا أن يتعرف المربي على طبيعة المرحلة التي يمر بها الطفل، ونفسيته، وغرائزه، وميوله، ويكون أيضًا هو مثلا أعلى للطفل، فيجب على المربي أن يكون قدوة عملية يحتذي بها الطفل، كي تثمر تلك التربية وتؤتي نتائجها،فعلى المربي أن يدرك دائما أنّ الطفل يحاكي كل ما يراه و ما يسمعه ، وما يُفعل أمامه من تلقاء نفسه ، فواجب عليه أن يكون قدوة طيبة للطفل.
 

وحينما نُربي أبناءنا تربية خُلقية فإننا نعودهم على الأخلاق الحسنة، ونجنبهم الأخلاق الرذيلة،وبذلك يكون لدينا إنسان متكامل مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، يميز فيما بينهم ويختار الصواب. 
 
 

التأكيد على بعض الصفات الحسنة في سلوك الطفل:
 
وهنا سنبدأ بغرز بعض الصفات الحسنة بأسلوب وخطوات عملية، مع التأكيد عليها لأنه كما قلنا أن في تلك المرحلة تنتظم مصفوفة القيم لدى الطفل، وينشئ لنفسه قواعد خُلقية يمشي عليها طوال حياته، لذا صدق من قال ( التعليم في الصغر كالنقش على الحجر ).

 
1-    خلق الرحمة:
وهنا يمكن تعويد الطفل على ذلك الخلق الحسن من خلال عدة خطوات عملية كالآتي:

- التصدق على الفقراء والمساكين، فيجب أن يعود المربي الطفل على ذلك منذ الصغر فإذا أراد احد الوالدين أن يتصدق فيعطي الصدقة للابن حتى يوصلها للفقير، وحينما يبلغ الطفل سن التكليف يعوده المربي على استقطاع جزء من مصروفه لإنفاقه في أوجه الخير، بل ويحفزهم على ذلك  بعمل مسابقة لأكثر المتصدقين من أبائه في الأسبوع أو الشهر
- مساعدة الكبير والضعيف، وذلك بشكل عملي من خلال المواصلات أو في الشارع.
- الرحمة بالخلائق أجمعين , مع الرحمة بالحيوان والطير 

 
2-    خلق التعاون:
ويكون ذلك من خلال الألعاب الجماعية، وهنا نركز على أن البعض من المربين يميل إلى توجيه طفله نحو لعب لعبة فردية – وغالبًا ما تكون تلك اللعبة قتالية – كالكاراتيه أو الكونغ فو ونحوها، وهنا لنا تعليق أنه في تلك المرحلة يفضل لعب الألعاب الجماعية ككرة اليد أو القدم، وذلك حتى نعود الطفل على روح الفريق والتعاون، ويمكن لعبه تلك الألعاب القتالية في سن المراهقة.
الصلاة في جماعة، فهي التي تجعله يشعر بأهمية كونه فردا داخل جماعة، وهي فرصة للتعارف وتكوين صداقات مع أنواع جيدة من الأشخاص وهم رواد المسجد ممن هم في سن الطفل.
تبادل الكتب والخبرات، من خلال مسابقات يعقدها المربي للطفل وأصدقائه يحفزهم فيها على المعرفة واكتساب خبرات جديدة.
 المعسكرات والمخيمات والرحلات ونحوها، مع ضرورة توزيع المهام على  جميع الأفراد، والاشتراك معًا في تنفيذها.

 
3-    خلق الصدق:
- عدم التفرقة بين أنواع الكذب ( كذبة بيضاء وأخرى سوداء )، فالكذب كله سيء.
 - تعويد الطفل على الاعتراف بالخطأ، وهنا لنا تعليق في حالة اعتراف الطفل بالخطأ، لا يحق للمربي أن يوقع عقابه على الطفل، لأنه بذلك يكون قد جمع عليه عقابين، عقابا معنويا وهو اعترافه بالخطأ نفسه، وعقابا ماديا، وكذلك إيقاع العقوبة عليه , فتجعله يحجم عن الاعتراف بالخطأ مرة أخرى، لأنه سواء اعترف أولا فسيوقع عليه العقاب.

 
4-    خلق الأمانة:
- نعود الطفل على عدم إفشاء السر، وهنا يمكن للأب تعويد الطفل على ذلك من خلال تجربة حية يتفاعل معها الطفل، فيخبر المربي الطفل بشيء ما، ويطلب منه عدم إخبار احد، فإذا أفشى الطفل السر، لا يعاقبه المربي ، بل يحاول معه مرة أخرى حتى يتعود، ويحفزه على ذلك الأمر ويوضح له مدى ضرر إفشاء الأسرار على علاقته بمن حوله.
- نعود الطفل على عدم الاطلاع على ماخفي من شئون الآخرين أو استخدام حاجات الغير دون إذن.

 - تنبيه الطفل لعاقبة الغش الدنيوية والأخروية، وحثه على الاستقامة والبعد عن الغش.
 

5-    خلق الصبر:
ويكون هذا من خلال العبادات كالصيام، وتحفيزه على ذلك الأمر
وكذلك يمكن تعويد الطفل على الصبر من خلال اللعب، فيمكن لنا أن نعطيه لعبة تحتاج إلى فك وتركيب ، أو تجميع ( بازل ) ونجعل له مكافأة إذا أتمها.

 
6-    خلق الحياء:
 ويكون ذلك بتحفيز الطفل على عدم السب أو الشتم، وهنا لنا ملاحظة فيجب أن يكون المربي قدوة للطفل في ذلك الأمر، فلا يصح أن ينهيه عن سلوك ويأتيه.
كذلك التنبيه على الطفل ، وأثناء الرحلات البحرية – عدم خلع ملابسهم أمام الغير.
وتخصيص الاهتمام بالفتيات بهذا الشأن , فنربيهن على الستر والحجاب , وعدم الخلطة

كذلك الاستئذان عند الدخول، فهناك ثلاث أوقات للاستئذان للطفل وهي .. قبل الفجر ، وقبل الظهيرة ، و بعد صلاة العشاء ، لما في تلك الأوقات من وضع للثياب ، والنوم والراحة ، وكذلك التلاقي بين الوالدين . وهي أشياء يجب ألا يراها الطفل لما لها من أثر نفسي وسلوكي سيئ على نفسية الطفل.
 
 
أما عن جانب تجنيب الطفل السلوكيات السيئة فهذا سنتكلم به باستفاضة في جانب التربية النفسية للطفل، نظرا للتأثير العكسي بين تلك السلوكيات السيئة ونفسية الطفل، وما يتعرض له من مواقف وضغوطات من قبل الأسرة والمجتمع المحيط به.