مجزرة بورسعيد.. فوضى منظمة بيد أطراف كثيرة
11 ربيع الأول 1433
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

في مجزرة مروعة غير مسبوقة تشهدها مصر منذ سنوات.. تحولت أرض ملعب نادي بورسعيد مساء الأربعاء إلى ما يشبه الحرب الضروس وسالت الدماء وعمت الفوضى والخراب حيث قتل نحو 75 شخصا وأصيب أكثر من ألف شخص بجروح أغلبيتهم الساحقة من الشباب في أعمال عنف وذلك بعد مباراة لكرة القدم بين ناديي الأهلي والمصري في مدينة بورسعيد.. في ظل تقاعس أمني ملحوظ ونية مبيتة فيما يبدو لإحداث هذا الكم من العنف والقتل في كارثة تستفيد من ورائها أطراف عدة. 

فعقب إطلاق حكم المباراة صافرة النهاية بفوز نادي المصري البورسعيدي بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد للأهلي، اندفعت جماهير النادي الفائز إلى أرض الملعب ليشهد استاد بور سعيد أو ما سمي بعد ذلك ب"استاد الموت" أعمال عنف بالحجارة والزجاجات والألعاب النارية.

 

وكانت جماهير المصري قد رشقت بالحجارة والألعاب النارية مضمار الملعب خلال عمليات الاحماء قبل المباراة، ثم اجتاحت أرضية الملعب في الاستراحة مما أدى إلى تأخير بداية الشوط الثاني. ومع تسجيل المصري الهدفين الثاني والثالث شوهد بعض من أنصاره وهم يقفزون في مضمار الملعب للاحتفال مع اللاعبين، دون أن يقرر الحكم إيقاف المباراة .
 

وبحسب مصادر طبية فإن أغلب الوفيات كانت نتيجة الإصابة في الرأس بالطوب أو الحجارة أو العصا، مما أدت إلى كسور فى الجمجمة ونزيف حاد ، وبأدوات حادة وسلاح أبيض بالصدر والبطن والرقبة وهو ما أدى إلى نزيف حاد والوفاة فى الحال، فيما لم يتعرف على هوية بعض الجثث نتيجة فقدهم للبطاقات الشخصية وتشويه معالمهم حيث تعرضوا للضرب فى وجوهم باستخدام آلات حادة.

 

وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على تقاعس أمني شديد من حيث عدم تفتيش الداخلين لمشاهدة المباراة بشكل جيد للتأكد من عدم حملهم أي أسلحة أو آلات حادة من جهة ومن حيث عدم التعامل السريع مع الموقف في بداية اشتعاله من جهة أخرى من جانب قوات الأمن التي لم يزيد عددها عن 3 آلاف، حيث كانت هناك بوادر على توتر الأجواء قبل اللقاء إذ أطلق مشجعون في استاد بورسعيد الشماريخ قبل ضربة البداية.

 

لكن مدير أمن بورسعيد الذي تمت إقالته بعد الحادث برر تقاعس الأمن بقوله إن الاحتكاك بين الأمن والجماهير كان سيؤدى إلى كارثه أكبر مما تمت ومع ذلك فقد تدخلنا لدفع الجماهير التى هاجمت مدرجات النادى الأهلى وتم القبض على 48 من متسببى الأحداث وأنهينا الالتحام رغم كثرة الخسائر البشرية ولو لم نتدخل لم يكن أحد يعلم إلى أى مدى ستكون الكارثة.

 

لكن هذا التبرير لم يعف قوات الأمن من تحمل المسئولية، حيث تعالت المطالبات بإعادة هيكلة أجهزة الأمن في الدولة من جديد ومحاكمة القادة الأمنيين وفي مقدمتهم وزير الداخلية لتقاعسهم عن توفير الأمن في البلاد.
واعتبر عدد كبير من المتظاهرين الذي خرجوا في القاهرة ومحافظات كثيرة احتجاجا على هذه الأحداث، أن هناك انفلات أمني متعمَّد لمعاقبة الشعب على قيامه بالثورة ضد النظام السابق والإطاحة برئيسه حسني مبارك، متوقعين تزايد حالات الانفلات الأمني مع اقتراب صدور الحُكم على مبارك في قضية قتل "الثوار" والذي يراها الكثيرون أنها بدأت تأخذ طابعا جديا مع انتخاب مجلس الشعب ومطالبة نوابه بتسريع المحاكمات والقصاص للشهداء.
ووجهت العديد من الأحزاب والقوى السياسية اتهاماتها في أحداث استاد بورسعيد إلى المجلس العسكري أو فلول النظام السابق، معتبرين أنه عمل مدبر، وتصفية للحسابات.

 

فمن جانبه قال عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، إن "أحداث بورسعيد مدبرة ورسالة من فلول النظام البائد".
ورأى الحزب أن المأساة التى شهدها استاد بورسعيد وكادت أن تتكرر فى استاد القاهرة خلال مباراة الزمالك والإسماعيلية وقبلهما ما كان يحاك أمام مجلس الشعب يوم الثلاثاء الماضى، إنما تهدف لعرقلة عملية التحول الديمقراطى السلمى للسلطة، من خلال أطراف داخلية ما زالت لها علاقات قوية مع النظام السابق الذى يدير مخطط الخراب من محبسه فى سجن طره.

 

وأوضح أن النظام السابق يستغل في ذلك عددا من رجال الأعمال الذين كانوا من أركان هذا النظام وما زالوا يتمتعون بالحرية رغم ملفات الفساد الكثيرة المتورطين فيها، مستخدمين فى ذلك أموالهم وعددا من وسائل الإعلام المملوكة لهم.
بينما أصدر حزب الغد بيانا أعرب فيه عن اعتقاده بوجود علاقة "بين أحداث السطو على البنوك ومكاتب الصرافة وتعطيل حركة السياحة في الأيام القليلة الماضية، وبين الحادث ، مشيرا إلى أنه لا يستطيع "تجاهل توافق هذه الأحداث مع مرور عام على موقعة الجمل المتهم فيها عدد كبير من رجال النظام السابق" خلال الثورة.

 

 كما اتهمت حركة 6 إبريل ""جبهة المنسق أحمد ماهر"، على لسان المتحدث باسمها محمود عفيفي، قوات الأمن بتدبير الحادث، وحمل قوات الأمن المسؤولية كاملة عن هذه الأحداث، مشيرا إلى ما حدث "تصفية حسابات يهدف إلى نشر الفوضى المنظم في ظل إيقاف عمل قانون الطوارئ"، مضيفا، أنه "فرصة للثورة المضادة لتحاول الانقضاض على الثورة".
 

 

حتى الصحف الغربية التي وصفت الحادث بأنه الأسوأ منذ مقتل 78 شخصاً في جواتيمالا في شهر أكتوبر 1996، بعد مباراة بين جواتيمالا وكوستاريكا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم، أشارت إلى أن ما حدث لم يكن صدفة"، وأن المجلس العسكري يستفيد مما حدث، إذ إن هذه الفوضى، بعد أسبوع من إلغاء قانون الطوارئ، ستسمح للمجلس بإعادة تطبيق ذلك القانون بكل قوة، الذي يسمح وبكل سهولة باعتقال الأشخاص دون سبب وتقديمهم إلى المحاكم العسكرية.

 

وفي النهاية أيا كان الطرف الفاعل في الحادث سواء الفلول أو الداخلية التي لم توفر الأمن الكافي أو المجموعات الشبابية التي تريد الفوضى فالمسؤولية تقع على المجلس العسكري بتقاعسه ، كما أنه يمكن أن يكون وراءها كفاعل أساسي ليظل في السلطة وفرض حالة الطوارئ، لكنها قد تكتب نهاية لحكمه.