سلام عليك ..سأستغفر لك ربي
1 ربيع الأول 1433
د. خالد رُوشه

يلازم الرفق الداعية إلى الله في مختلف أحواله , في الغضب والرضا , في السعادة والحزن وحتى في وقت الآلام والمضار متمثلا حال الحبيب صلى الله عليه وسلم ..

 

فيوم تشتد به الخطوب ويدميه قومه يدعو لهم : " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " , ويوم يطلب منه البعض أن يدعو على من آذاه فإذا به يقول : " إني لم أبعث لعانا  " أخرجه مسلم , فغلبت رحمته غضبه , وغلب رفقه شدته .

 

أدرك أن اللفظ القاسي ورد الفعل القاسي , وصاحب القلب القاسي إنما هو سبب نفور الناس وتحاشيهم القرب منه والتفاعل معه .

 

والمتأمل في القرآن يجد أنه قد رفع مقام الرفق وعظم فضله وأمر به ، بل قد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم"

كما حثَّ على اعتبار الرفق سلوكا قيميا في عمل الداعية وتصرفاته مع الناس , واعتبره مبدأ رفيعا من مبادىء الدعوة الإسلامية , وركناً وأساساً مهماً يقوم عليه العمل الرسالي للفكر والعقيدة الإسلامية , فقد قالت الآيات : " واخفض جناحك للمؤمنين " , أي ألِن لهم جانبك وارفق بهم ،  تواضع للمؤمنين لكي يتبعك الناس في دينك وهي دعوة إلى لطف الرعاية وحسن المعاملة ورقّة الجانب في صورة محسوسة . 

تقول الآيات أيضا "  واصبِر على مَا يقُولُونَ واهجُرهُم هَجراً جَمِيلاً " , والهجر الجميل : أن لا تتعرّض لخصمك بشيء ، وإن تعرّض لك تجاهلت , فقد أمره بالصبر على ما يسمعه من الأقوال البذيئة من خصومه ، صبراً لا عتاب فيه على أحد ، ولا تكبر ، أو دفاع عن الذات ، بل تركهم إلى الله مع الهجر الجميل الذي لا يترك في نفوسهم أذى يحول بينهم وبينه مستقبلاً فلا يُقبلوا عليه ولا يسمعوا هديه ، بل كان هجراً جميلاً لم يقطع خيوط المودة ولم يهدم جسور التواصل .

 

ويقول الله تعالى : "  وَلا تَستَوي الحَسنَةُ وَلا السّيّئةُ ادفَعْ بالَّتي هِي أحسَنُ فإذا الذِي بَينَكَ وَبينَهُ عَداوةٌ كأنَّهُ وَليٌ حَمِيمٌ ) فالآيات تأمر باعتماد منهجية الرفق مع الأعداء إلى الحد الذي يجعل الفرد الواحد أمام اعداء دعوته ( كَأنهُ وَليٌّ حَميمٌ ) فيستقطب مجامع قلوبهم إليه حتى تصير أذان مصغية لهديه وإرشاده فيستنقذها مما هي فيه .

 

 كما بينت الآيات أن الرفق هو سمت الأنبياء ، فإن الله تعالى لما أرسل موسى محمد  إلى فرعون الطاغية قال " اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى "

 

 وتصل الآيات الكريمات إلى منتهى الرفق واللين في حال إبراهيم ، حين دعا أباه إلى الإسلام فقال: " يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً " -  فردّ إبراهيم بكل رفق ولين قائلاً- : " سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً " ...