16 جمادى الأول 1433

السؤال

أنا فتاه مصريه عشت طوال حياتي في السعودية.. وصديقاتي سعوديات.. ولا أعرف شيئاً عن مصر سوى أنها بلدي ووطني وأعزها وأحبها.. تخرجت من الثانوية واضطررت أنا وأهلي للرجوع والسكن في البلاد لتكملة مرحلتي الجامعية... وذهبت للجامعة.. ولكني أعجز عن التعرف على صديق... تعرفت على بنات كثيرات جداً.. وأصبح وأمسي عليهم وعلاقتي بهن طيبة.. ولكن أشعر بالوحدة.. لا أجد صديقة تنتظرني.. وتسأل عني.. ونتقابل دائما.. ما الحل لذالك؟ رغم هناك فتيات حاولن التقرب مني.. إلا أنني لم أرتح معهم... ربما ذلك بسبب اختلاف الطبع والتصرف... فهن مثلا من بلاد ريف.. لا يتناسبن مع تفكيري نهائياً.. كيف أكون صديقة؟! وأنا أرى فتيات خلوقات محترمات.. ولكني لا أستطيع تكوين الصداقة معهن.. رغم أني أتحدث معهن كلما قابلتهن؟ هل العيب في أني أحدد فئة لأصاحبها.. أم أنني لا أحسن التصرف.. وكيف تأتي الصداقة.. ومن أين أبدأ فيها وأقوي صلتها؟

أجاب عنها:
د. سلوى البهكلي

الجواب

من أكبر النعم التي يهبها الله لنا هي نعمة الصداقة الحقيقية والحصول على الصديق الناصح المخلص الأمين. وقد يستهين البعض بهذه النعمة لأنه لا يدرك معناها الحقيقي إلا عندما يتعرض إلى أحد المواقف الصعبة خاصة المواقف التي قد تلعب دورا كبيرا في حياته ومجرياتها فلا يجد حوله إلا الأوفياء المخلصين وهؤلاء قلة. والصداقة الحقيقية الخالصة لوجه الله التي لا تحمل بين طياتها شعار المصلحة ليس من السهل الحصول عليها. والصداقة لا تقوم بين الأفراد والأشخاص فقط بل تقوم بين الشعوب والدول. فهي إحدى مقومات الحياة الضرورية التي لا نستطيع العيش بدونها مهما توفرت لنا جميع النعم.
عزيزتي
لا تستسلمي لمشاعر الضيق والوحدة التي تشعرين بها الآن، ولا تتعجبي من أحوالك، فأنت تمرين بمرحلة انتقالية اجتماعية جديدة ليس من السهل التهاون بها، ولكننك ستتجاوزينها بإذن الله في القريب العاجل.
دعي الوقت يمضي ويمر وستتكيفين بإذن الله مع وضعك الجديد بل وسينتهي بك المطاف إلى التكيف والمتعة مع زميلاتك وصديقاتك الجدد.
كل ما عليك هو أن لا تنظري إلى الأمور بالمنظار السلبي فقط، بل عليك أن تنظري إلى أوضاعك الحالية بالمنظار الإيجابي ولا ضرر أن يشوبها بعض النظرات السلبية البسيطة شرط ألا تزيد عن المستوى المطلوب.
تأكدي أنك الآن تكتسبين مهارات جديدة لن تكتسبيها أبدا إذا لم تنخرطي في هذا المجتمع الجديد وتعيشين هذه التجربة. فلا تترددي في التعرف على من حولك بهدوء، ولا تستعجلي في قراراتك أو حكمك على الآخرين.
تخلصي من مشاعر الإحباط التي تشعرين بها، ولا تقنعي نفسك بأنك مختلفة عن الأخريات. لا تحكمي عليهن من مظهرهن الخارجي فقط أو من أسلوبهن في التعامل، وانظري إلى جوهرهن الداخلي ولا تغرك المظاهر. فقد يكون الإحساس الذي تشعرين به متبادل بين جميع الأطراف. وقد يكون أسلوبهن في التعامل معك ناتج عن إحساسهن بأنك أنت أيضا غريبة عليهن وعلى بيئتهن ومجتمعهن. لذا ننصحك أن تتداخلي معهن وتقاربي بين وجهات النظر وتغيري من طريقتهن وأسلوبهن، وتغيري من طريقتك أنت أيضا إذا لزم الأمر، إلى الأفضل طبعا، فالإنسان يمكنه أن يغير المظهر ولكنه قلما يستطيع أن يغير الجوهر.
استمعي إلى أحاديثهن، وراقبي سلوكياتهن وطريقة تعاملهن وتفاعلهن مع الأمور والأحداث، لتتعرفي على أساليبهن وعلى شخصياتهن جيدا، ولتتكيفي أيضا مع أوضاعك الحالية، ولتعتبري نفسك منذ هذه اللحظة في مرحلة اكتساب مهارة حسن الاستماع التي تعتبر من أساسيات فن التحاور مع الآخرين، وشاركيهن الحديث وعلقي على ما يقال ولو بابتسامة لطيفة، وحذار من تقديم أي اقتراحات على شكل أوامر.
عزيزتي ..
تأكدي أنه ليس من الحكمة أن نتعجل في تكوين الصداقات مع أي كان، فالصداقة الحقة لا تتكون بسرعة أبدا ولكنها تنشأ وتترسخ عبر الأيام والسنين. فمن الضروري ان نحسن اختيار الصديق أو الصديقة، فالاختيار الموفق هو البداية الصحيحة لاستمرار العلاقة ونجاحها.
حاولي أن تتقبلي الأخريات كزميلات في الدراسة كوضع مؤقت وتعاملي معهن بحدود الزمالة. فالتعامل مع الآخرين يزيد من خبراتك الاجتماعية ويزيد من مهاراتك في فن التعامل مع الناس ويجعل لديك القدرة على التمييز بين السيئ والحسن. تقربي منهن وحاولي أن لا تنفري منهن فقد تجدي بينهن من تكون لك الصديقة الوفية.
اشتركي في إحدى النشاطات الجامعية المناسبة لك وستجدين هناك من تشاركك اهتماماتك وتتناسب شخصيتها مع شخصيتك. فالعلاقات الإنسانية والاجتماعية تنمو عادة من خلال الاهتمامات المشتركة. لذا ركزي على اهتماماتك وميولك وهواياتك، وحاولي أن تطوريها وتنميها مع من حولك. وسيكون هذا بحد ذاته منطلقا يمكنك من خلاله الارتباط بصداقات متعددة وقوية.
احرصي على مخالطة الصحبة الصالحة والبحث عنها وملازمتها، فالصحبة الصالحة تعينك على مواجهة الحياة بشكل صحيح. ولا تحاولي أن تكوني صدقات مع الجنس الآخر. ابحثي عن صاحبة الدين والمبادئ، ويمكنك أن تكتشفي صاحبة المبادئ الطيبة من المواقف المختلفة التي تحدث في نطاق الجامعة أو غيرها، وكيف تتصرف كل واحدة منهن لعلاج الموقف.
تأكدي أن هناك من تبحث عنك أنت أيضا وعن صداقتك، فاتركي لها الفرصة في أن تجدك. دعي الأخريات يتعرفن عليك وحاولي أن تكسبي ودهن واحترامهن بالمعاملة الحسنة. فالاحترام الحقيقي المتبادل هو أساس العلاقات الناجحة والمعاملات الجيدة المريحة. والاحترام لا ينحصر في وجودهن فقط، بل يجب أن يكون هذا الاحترام في غيابهن أيضا. فلا تتحدثي بما يسوئهن في غيابهن فهذا سيزيد من احترامهن لك وثقتهن بك.
حاولي أن تركزي على نقاط القوة في شخصيتك، كوني ايجابية دوما، ولا تكوني سلبية وتتأثري بالظروف المحيطة حولك بشكل سلبي. أقبلي على الحياة الجديدة واشعري بالحماس، وتذوقي طعم التغيير، اهتمي بدراستك وركزي عليها، تعاملي مع زميلاتك ببساطة وكوني كما أنت دون تكلف، لتجدك من تبحث عنك وتناسبها شخصيتك وقد تكون هي الصديقة المناسبة لك.
تعاملي معهن بالحب والتسامح، والتمسي الأعذار لمن أخطأت في حقك، خاصة إن لم تكن تقصد الخطأ، وتجاوزي عن الأخطاء البسيطة، وأحسني الظن بمن حولك مع توخي الحذر، وحاولي أن لا تخسري من حولك حتى لو لم تكسبيهن لتعيشي بأمان وسلام.
عززي ثقتك بنفسك وبقدراتك، ولا تتعدي نطاق الثقة فتقعي في دوامة الغرور وتعتقدي انك الأفضل. ولا تنظري إلى الأخريات بنظرة تعالي لمجرد أنهن من الأرياف أو من مستوى اجتماعي أقل من مستواك الاجتماعي. ففي هؤلاء الخير الكثير والصدق في المحبة والمعاملة.
تذكري انك تبحثين عن الصداقة الخالصة لوجه الله التي لا ترتبط بالمستويات أو المصالح. لذا عليك أن تجلسي مع نفسك جلسة مصارحة حاولي أن تعرفي الأسباب الحقيقية التي تجعلك لا تتمكنين من تكوين صداقات جيدة مع أقرانك، لا تعتقدي انك ستجدين الصديقة الكاملة المثالية، فالكمال لله وحده، حددي معنى الصداقة الحقيقية بالنسبة لك.. ومن ثم طبقي ذلك على نفسك أولا قبل أن تطبقيه على الآخرين.
ابحثي عن الصديقة التي تتصف بالصفات الإسلامية الحميدة كحسن المعاملة والبشاشة ، والاحترام والتقدير، ومناصحة الآخرين دون امتهان أو سخرية، والإيثار، والعطاء ، والتسامح، والمبادرة في عون الآخرين، والمساندة ، والتشجيع، وكتمان السر، وستر العيوب، وغيرها من الصفات الحميدة. وحاولي أن تتصفي أنت أيضا بهذه الصفات، فالصداقة رابطة متبادلة بين الطرفين.
إذا وجدت الإنسانة التي تتقارب ميولها مع ميولك، وتعتقدين أنها الشخص المناسب الذي يستحق صداقتك، لا تترددي في التقرب إليها، شرط أن لا تفرضي نفسك عليها. يمكنك أن تبدئي الحديث معها في المواضيع التي تهمها وتجذبها. فإذا لم تكوني على علم باهتماماتها، يمكنك أن تبدئي الحديث معها عن موضوع مشترك بينكما كالدراسة وأساليبها أو الامتحانات أو المدرسين والمدرسات والجامعة ونشاطاتها أو غيرها.
استخدمي أسلوب الدعابة والبشاشة في الحديث، وابتعدي عن أسلوب السخط أو التذمر أو السخرية والانتقاد. وابتعدي عن المفاخرة والمباهاة، ولا تبالغي في وصف نفسك ومدحها أمامهن وعاملي الجميع باحترام صغيرهم وكبيرهم. وتذكري أن حسن المعاملة والبشاشة من أهم مقومات الاحترام المتبادل بين الآخرين.
اظهري الاحترام والتقدير والإعجاب بما يفعله الآخرون من أمور إيجابية. و لا تنسي أن تشكري كل من يقدم لك أي معلومة أو مساعدة أو خدمة ولو بسيطة. كوني مجاملة وابتعدي عن النفاق أو التملق.
أظهري الاهتمام بمعاناة الآخرين وحاولي أن تقدمي لهن المساعدة ولو بإبداء الرأي أو السؤال عن أحوالهن ولو بمكالمة هاتفية أو رسالة جوال، على أن يكون ذلك خالصا لوجه الله دون أن تنتظري المقابل لذلك.
تعودي على البذل والعطاء غير المبالغ به، كوني معطاءة تبذل الخير دوما للآخرين، وتمني لهم كل ما تتمنيه لنفسك، وليكن ذلك لوجه الله.
كوني نعم الأخت والصديقة، و حاولي أن تشاركيهن لحظات فرحك وتفوقك ، وكوني عونا لهن في أحزانهن أو عند الأزمات حتى لو كان بينكن سوء تفاهم.
إذا استودعتك أحداهن أي سر فلا تفشيه أبدا مهما كان، ولا تستهيني به مهما كان صغيراً أو غير هام من وجهة نظرك. وكوني ملتزمة دوما بكلماتك ووعودك مهما كانت الظروف.
يمكنك أن تنمي قدراتك بقراءة الكتب التي تتكلم عن مهارات التواصل وكيفية التعامل مع الآخرين.
أخلصي نيتك دوما لله، واطلبي منه أن يرزقك بالصديقة المخلصة الصالحة المحبة لك في الله، وسيرزقك بها في القريب العاجل بإذن الله.