معركة الدستور ببلاد الربيع العربي ومنطق التحايل
24 صفر 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تدخل بلاد الربيع العربي التي شهدت ثورات أطاحت بأنظمتها الاستبدادية بعد حكم استمر عشرات السنين من القمع والظلم, تدخل هذه البلاد في معركة على صناعة الدستور الذي يمثل ورقة صناعة المستقبل من أجل نفض الغبار المتراكم والذي أعادها للوراء مئات السنين وأدخلها في ركب الدول المتخلفة التي تعاني من أجل توفير أدنى متطلبات المعيشة لسكانها رغم أنها تمتلك ثروات هائلة كانت من نصيب فئة صغيرة سطت على الحكم وجمعت حولها حاشية فاسدة أورثت البلاد خرابا مدمرا...

 

وتاتي صناعة الدساتير في دول الربيع العربي في وقت تشهد حالة شديدة من الاستقطاب حيث حازت التيارات الاسلامية ثقة الاغلبية وتمكنت من تنظيم صفوفها سريعا واستطاعت الفوز في الانتخابات مما أثار حالة من الهياج في صفوف العلمانيين الذين توهموا أن سيطرتهم على الاعلام وبعض منظمات المجتمع المدني وصلاتهم الخارجية بدوائر صنع القرار في الغرب ستكفل لهم تواجد قوي على الساحة السياسية إلا أنهم استيقظوا على كابوس مزعج فقدوا معه توازنهم وأصبحوا كالثور الهائج يضرب يمينا ويسارا ويلقي الاتهامات جزافا..

 

من أطرف وأعجب المفاهيم التي يسعى العلمانيون لفرضها بعد فشلهم في وضع قيود عليا على صناعة الدستور هو أن على الاغلبية ألا تفرض رايها على الاقلية وأن تعلم بأنه "لا دستور دون موافقتها" وهو أمر يثير الدهشة؛ فمن حقهم أن يطالبوا بالمشاركة في صنع الدستور ولكن أن ياتي الدستور على مزاجهم مهما كان راي الاغلبية فهو أمر لا يحدث في أي دولة "ديمقراطية"  في العالم من الدول التي يتاسون بها ويرفعون رايتها عاليا؛ فعند الخلاف إلى من يحتكم الجميع أليس لرأي الاغلبية؟! نعم يسعى الجميع للتوافق والاجماع إذا امكن ولكن مع الاختلاف الجذري في التوجهات خصوصا في مرجعية الشريعة وتفعيل دورها ستكون هناك خلافات فهل يعقل ان ينصاع أصحاب الاغلبية للأقلية؟! هل يعقل أن ينصاع الثلثين للثلث؟!

 

ثم ما هذا الهياج وقلب الحقائق بالقول: "إن الإسلاميين يريدون السيطرة على شاكلة أحزب السلطة السابقة" دون الوضع في الاعتبار أن هذه الاحزاب كانت تزيف إرادة الجماهير وهو مربط الفرس وأساس الخلاف معها وليس لأنها كانت تنفذ ما تريد؛ فمن أحق الاغلبية في أي نظام أن تنفذ ما تريد ما دامت تراه في الصالح ومن حق الناس أن يحكموا بعد ذلك على التجربة إما أن يجددوا ثقتهم بها أو يسحبوها أما أن تتعسف الاقلية وتسعى لاخفاء فشلها في الحصول على ثقة الناس بادعاء استبداد الاغلبية فهو اتهام متهافت..من الطرائف الاخرى هو تزايد المطالبات من جميع الفئات للمشاركة في وضع الدستور فالممثلون والمطربون والشعراء والمؤلفون يريدون المشاركة وليس من المستبعد أن تطالب الراقصات أيضا بالمشاركة في وضع الدستور بحجة الخوف على "عملهم الحر" من "استبداد الاغلبية"..

 

ماذا لو عكسنا الوضع وكان العلمانيون هم من فازوا بالاغلبية هل كانوا سيسمحون لاحد مهما كان أن يفرض عليهم رأيه؟ ....

 

لقد أظهر العلمانيون تنازلا شكليا بشأن وضع الشريعة الاسلامية في الدستور, ولكنهم فعلوا ذلك على طريقة بعض الانظمة السابقة كأيقونة للبركة دون تفعيل لهذا البند وهي المعركة التي ستشهدها الفترة القادمة من اجل صناعة الدستور بين الاسلاميين والتيارات لليبرالية واليسارية التي تريد جذب المجتمع رغما عنه لرؤيتها للحياة والتي تتفلت من القيم الدينية بدعوى "إطلاق الحرية للابداع"..

 

المخيف في الموضوع هو أن هناك أطرافا علمانية متطرفة تسعى لتفجير الاوضاع إذا لم تسر الامور على هواها وتستغل في ذلك بعض الشباب المتحمس وهي تختبئ خلف دعوات لاستمرار الثورة حتى تصل إلى كل اهدافها ولكن الحقيقة أنها تريد الانقلاب على إرادة الشعب ولا تعلم أنها بذلك قد تعيد البلاد إلى أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة فهل ستصل الانانية والنرجسية بهذه الاطراف لدرجة التضحية بمصلحة البلاد والشعب لتظل هي في الصورة وتنفذ أفكارها المرفوضة من الاغلبية؟