تونس: إلى اللقاء في القدس أبا العبد
15 صفر 1433
عبد الباقي خليفة

حظي رئيس الوزراء الفلسطيني الشيخ المجاهد اسماعيل هنية ( أبو العبد) باستقبال حافل وتوديع مهيب في تونس التي حل بها ضيفا مبجلا وقائدا ملهما وأخا كريما ومناضلا شهما، وذلك على مدى 5 أيام زار خلالها تونس العاصمة، والقيروان أول مدينة اسلامية في افريقيا، وعاصمة دولة الأغالبة، وسيدي بوزيد منطلق الثورة العربية في القرن الواحد والعشرين، وصفاقس عاصمة الجنوب التونسي، والقاعدة الاقتصادية الكبيرة.
وقد لمس المجاهد الكبير في كل مكان حل به، مدى حب التونسيين لفلسطين والفلسطينيين المجاهدين، والقدس.

 

لبيك يا قدس:
كانت زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية، أول زيارة يؤديها إلى تونس، ولم يكن أحد يتخيل، كما أكد كثيرون" للمسلم" وربما هنية نفسه أن يحل" أبو العبد" في تونس، ويسجد على أرضها، وتخرج الجماهير بعفوية لاستقباله بالأهازيج والرايات والأعلام الفلسطينية والتونسية، ويستقبل بالأحضان وتتدافع الركب والأكتاف في محاولة الآلاف مصافحته ومعانقته.
لقد كان مشهد نزوله من الطائرة التابعة للخطوط التركية، وقد اصطفت فرقة من الجيش التونسي لتؤدي له التحية صحبة رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي، مشهد من الأحلام التي تجسدت حقيقة يوم الخميس الماضي واستمرت حتى يوم الاثنين 9 يناير الجاري.

 

وقد لمس هنية في زيارته إلى تونس التحولات الكبرى على المستوى الشعبي، قائلا" لقد جئنا بتصور ونعود إلى فلسطين بتصور آخر، لقد وجدنا القضية الفلسطينية في قلب ووجدان كل تونسي وتونسية".

 

جاء أبو العبد إلى تونس، يتلمس آثار الثورة، وما تركته السنون العجاف على عقلية ونفسية ومزاج وتوجهات التونسي، وقد وجد أن أصفى وأنقى ما في ضمير التونسيين وكل المسلمين لا يزال حيويا دفاقا وقويا" لبيك يا قدس" و" لبيك يا فلسطين" وهي الأشرطة القماشية التي أحاط بها كثير من الشباب جباههم.

 

لبيك يا قدس قالها الشباب والكهول وحتى الشيوخ والنساء في تونس على مسامع هنية، الذي أيقن كما قال بأن ليل فلسطين لن يطول أكثر مما طال حتى الآن والذي تجاوز بحسابات الزمن الستين سنة.

 

عندما يقول شباب تونس، وكهولها" لبيك يا قدس" فإنهم لا يلعبون، فالتونسيين عمليين رغم كل ما يمكن أن يخفي هذه الحقيقة من المظاهر الشاذة ، والتي هي إفراز لسنوات الإحتلال ومن ثم التغريب الذي عمل على مدى يزيد عن نصف قرن، على إبعاد الشباب عن قضاياه المصيرية وفي مقدمتها قضية فلسطين والأقصى.

 

وإلهائه بكل مظاهر الفساد الخلقي السمعي والبصري، ومكر الليل والنهار الساعي لإغراق البلاد في أتون اللهو والدونية الاخلاقية. 

 

فوائد لتونس:
 تحدث شباب تونس، إبان زيارة الشيخ اسماعيل هنية عما يمكن فعله للقضية الفلسطينية، ونوع الدعم الذي يمكن أن يقدموه. وحدث بعضهم بعضا بالانخراط في الجهاد بدل البطالة والجلوس في المقاهي. وتحدثوا عن ضرورة وضع صناديق في المساجد والمؤسسات العامة لصالح فلسطين. وطالب بعضهم بمخصصات من ميزانيات الدول العربية لدعم القضية الفلسطينية تكون شهرية تكون بمثابة حق مكتسب دون من أو تأثر بموقف دولي أو مزاج سياسي شخصي لأن القضية الفلسطينية يجب أن تكون فوق كل الخلافات والحزازات والحساسيات وما إلى ذلك من الأمراض النفسية التي تصيب الكبار والصغار على حد سواء. بل تصيب الصغار فقط، لأنه إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد. وبالحلم يسود المرء، وبالجهل (  بمعنى الخطأ والخطيئة في حق الناس والحط من أقدارهم ) يسقط ولو من عيون الناس.

 

( قال الشاعر الجاهلي: فلا يجهل أحد علينا .. فنجهل فوق جهل الجاهلينا).وقد أوضح كيفية ذلك في قصيدته الجاهلية.

 

زيارة هنية لتونس، لم تحي القضية الفلطينية في نفوس التونسيين فحسب، وإن زادتها زخما وأعطتها دفعة جديدة لا يمكن تخيلها، بل نقت نفوس بعض التونسيين وطهرتها من أطماع الدنيا، ولا سيما في الصف الاسلامي، فهناك ربما من تحدثه نفسه لماذا لم أحصل على منصب في الحكومة، ولماذا لم يتم توظيفي هنا أو هناك في المؤسسات السيادية والتابعة للدولة، وربما كانت هناك مماحكات جانبية على مستويات دنيا انتهت بزيارة الشيخ أبي العبد، بعد أن أدرك الجميع أن هناك قضية مركزية يجب أن ينظر إليها وتنسى خويصة النفس وأطماعها. وكان مثال هنية هو التجرد والتضحية والفداء ماثلا أمام أعين جميع التونسيين ولا سيما الفئة الأخيرة التي تحدثنا عنها آنفا.

 

كما ساهمت زيارة الشيخ اسماعيل هنية إلى تونس في رفع الكثير من اللبس الذي أحاط علاقة الحركة الاسلامية في تونس بالقضية الفلسطينية في محاولة من بعض اليساريين الفاشلين للمزايدة الرخيصة، حيث تمت محاولة إبرازها كما لو كانت صديقة للوبي الصهيوني في واشنطن من خلال لقاء وفد لحزب حركة النهضة بالسيناتور ليبرمان المؤيد للكيان الصهيوني، واستخدم ذلك اللقاء ضد حزب حركة النهضة في الحملة الانتخابية التي جرت نهاية نوفمبر وحتى 22 أكتوبر 2011 م. وبصورة فجة تحاول فلول اليسار أن تبرز الحركة كما لو كانت ناسية القضية الفلسطينية وما فعله الصهاينة والأمريكان وما ارتكبوه من جرائم ضد الانسانية في فلسطين والعراق وأفغانستان، رغم أن الأمر لم يكن كذلك، ورغم أنهم يدركون أن الاسلاميين أكثر وفاءً والتزاما من الجميع حيال قضايا الأمة، ولكنها لعبة السياسة وخداع الانتخابات.

 

إن أهم ما في زيارة الشيخ المجاهد اسماعيل هنية، لتونس، هي تعبير عن حق وواجب التواصل بين العمق الفلسطيني والمحيط الاسلامي وفي القلب منه الدائرة العربية وتجديد العهد مع القضية التي تمثل مع الوحدة والخروج من التخلف واكتساب المعرفة التكنولوجية أولى أولويات الأمة في القرن 21. ولذلك ودع الكثير من التونسيين الشيخ اسماعيل هنية بنداء" إلى اللقاء في القدس".

 

 
هكذا تحدث هنية:
 هناك الكثير من الأمور التي تجعل زيارة الشيخ المجاهد اسماعيل هنية إلى تونس زيارة تاريخية بامتياز، ومنها اعتلاؤه منبر جامع عقبة بن نافع وإلقاؤه خطبة الجمعة حيث بكى الآلاف لكلامه وبكى الآلاف لقراءته للقرآن أثناء الصلاة. وأعرب كثيرون عن رغبتهم في تسجيل الإخوة في غزة ، القرآن الكريم في سي دي، بصوت الشيخ المقرئ المجاهد اسماعيل هنية، وتوزيعه كمنتج خيري في مختلف أنحاء العالم دعما للقضية الفلسطينية، وتذكير السامعين بقضيتهم الأولى عند سماع القرآن. أوليس الأقصى ذكر في آية من كتاب الله.

 

تحدث هنية فبكى التونسيون، وصلى بالناس فبكوا ، وكان كاتب هذه السطور بين الصفوف يسمع بكاء أناس كما لو لم يبكوا من قبل. وقال هنية من جملة ما قاله الشعوب المسلمة تستلهم الثورة وتردد اليوم ما قاله شاعر تونس العظيم الشاب أبو القاسم الشابي: "ومن لم يرم صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر".

 

وذكر بأن هذا البيت يردده الثوار في كل مكان، بمن فيهم أطفال الحجارة في فلسطين، وكتائب الشهيد عزالدين القسام. وأن" الشعب التونسي يحب صعود الجبال ويأبى أن يعيش بين الحفر" و" إننا نرى نصركم نصر لفلسطين، وعزكم عز لها" وقد ردد الناس" كلنا فلسطين" وجدد رفض أي تنازل عن أي شبر في فلسطين، لأن فلسطين" أرض وقف اسلامي، أوقفها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله" وأكد أن لا تنازل عن القدس.

 

وأن الجهاد هو الطريق الأقصر والوحيد لتحرير فلسطين، فلسطين من البحر إلى النهر، كل فلسطين، وهي عربية اسلامية، لا تفريط في القدس والأقصى. لا تنازل ولا تقسيم للقدس، من البحر المتوسط إلى نهر الاردن، ومن رأس الناقورة إلى أم الرشراش في الجنوب، هذه فلسطين التي نعرفها. هذه فلسطين التي تربينا عليها وملكناها ونطالب بها"
وذكر بأن هناك تشابها بين شوارع تونس العتيقة والقدس "ما اشبه القدس بجامع الزيتونة في تونس وجامع عقبة بن نافع في القيروان، وما أشبه هذه القيصرية بقيصرية الأقصى". وأردف" إن ارتباطكم بالقدس ليس خيارا بل هو ارتباط عقائدي وارتباط ديني وقومي واخلاقي وشرعي ،القدس سيحررها أمثالكم".

 

لقد قدمت تونس رسالة مفادها كما قال"أن الثورة تصنع إرادة.. لقد كسرتم الحصار السياسي، الذي فرض على الحكومة الفلسطينية المنتخبة، ورئيس الوزراء استقبلنا حفظه الله  كما استقبلنا رئيس الدولة ورئيس المجلس التأسيسي، والشعب التونسي" ودعا للحاضرين بالمشاركة في تحرير القدس وفي أن" يجمعنا واياكم في القدس وتصلون الجمعة في المسجد الأقصى".

 

وتوعد الكيان الصهيوني في فلطسين " تنتظركم أيام كالحات بإذن الله " وقال للتونسيين " فلسطين تنتظركم والاقصى ينتظركم ومسرى رسول الله ينتظركم" وردت عليه الجموع الهادرة " لبيك يا قدس، لبيك فلسطين" . وتابع هنية " لكم علينا الثبات وأن لا تنازل وأن لا نخذلكم ولنا عليكم العون" .

 

وتحدث عن حصار غزة وتحالف بعض الفلسطينيين والعرب مع الأعداء "ولكن الله أحبط مكرهم وانتصرت غزة على المؤامرة وحملات العدو فشلت في غزة ونحن أقوى مما كنا عليه في الحرب السابقة". واضاف أتينا إليكم وإرادتنا قوية وعزائمنا فتية" وأوصى التونسيين لعدم الاصغاء للتخويف" لا تخشو الامركيان ولا بعض العرب" وذكرهم بماساة الحركة الاسلامية في تونس وكيف أن وزير الداخلية الحالي كان محكوما بالاعدام وقضى في السجن 17 سنة منها 9 سنوات في حبس انفرادي وكذلك رئيس الوزراء ولكن ذلك انتهى بإرادة الله ثم الجماهير وعندما عاد الشيخ  راشد الغنوشي من المنفى بعد أن مشردا أكثر من 20 عاما رفعه الشعب على الأعناق" واضاف " أمامكم مشوار وتحديات وعقبات وسيتآمر عليكم القريب والبعيد فثقوا بالله عز وجل واجعلوها لله ، هي لله ، هي لله ،هي لله، لا لسلطة ولا لجاه ". وقال"لعل ربكم أن يهلك عدوكم فينظر ماذا تعملون". وتابع" لا تخشوا أحدا إلا الله وإن الله مؤيدكم على قدر الاخلاص يكون الانجاز وتونس فيها من الخير ومن الاماكنات والانجازات ما تقوى بها الدولة بعون الله".

 

وعند المغادرة كرر ما قاله في تونس والقيروان وسيدي بوزيد وصفاقس وغيرها" جئنا بتصور ونغادر بتصور آخر. جئنا بعقل ونغادر بعقل آخر،إن فلسطين في قلب كل تونسي وتونسية، تونس مليئة بالرجال.