حكومة بنكيران الإئتلافية هل تحقق آمال الشعب والملك في الإصلاح الهادئ؟!
13 صفر 1433
رضا عبدالودود

تقف حكومة الائتلاف الذي يترأسه حزب العدالة والتنمية المغربي بقيادة رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران أمام تحديات جمة عقب أدائها اليمين الدستورية الثلاثاء 3/1 ، في مقدمتها ملفات التشغيل والبطالة وتعميق الحوار الوطني ومواجهة التصاعد السياسي للاحتجاجات الشبابية بجانب تنزيل أحكام ومبادئ الدستور الجديد على أرض الواقع...

 

ملامح التغيير:

حكومة بنكيران هي أول حكومة في ظل الدستور الجديد وأول حكومة في المغرب يقودها حزب ذو توجه إسلامي، وجاءت بعد مطالب بالإصلاح من الشارع المغربي أسوة باحتجاجات الربيع العربي التي عرفتها عدد من الدول العربية. وبالإجمال فقد جاءت الحكومة الجديدة في إطار موازنة القوى السياسية الفائزة بالانتخابات البرلمانية وبين رغبات ملكية بإحداث تغيير وإصلاحات لمواجهة تحديات المجتمع المغاربي المتصاعدة .

 

ولعل أبرز ملامح الحكومة الجديدة ؛ تقليص عدد الوزراء اللا منتمين للأحزاب الذي انخفض إلى خمسة وزراء بدلا من عشرة في الحكومة السابقة وذلك للتتناسب مع الترويكا الحكومية التي تضم أربعة أحزاب سياسية، وكذا  استحداث وزارتين جديدتين هما الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية والوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، وذلك لمواجهة تحديات البيروقراطية والملف الاقتصادي.

 

حظي حزب العدالة والتنمية بعدد من الوزارات المهمة، ومنها ؛ وزارة العدل التي تعد من الوزارات السيادية وكان الملك يعهد بها لأقرب مساعديه وشغلها المحامي والحقوقي بحزب العدالة والتنمية مصطفي الرميد الذي اشتهر بانتقاداته لسجل قوات الأمن. كما تولى وزارة الخارجية والتعاون الدولي الأمين العام السابق للحزب سعد الدين العثماني. وعين محمد نجيب بوليف من الحزب أيضا وزيرا للشؤون العامة للحكومة، وتولت بسيمة الحقاوي وزارة الشؤون الاجتماعية والمرأة لتكون السيدة الوحيدة في الحكومة الجديدة، كما عين عبد الله باها رفيق بن كيران في الحياة الحزبية والسياسية وزير دولة.

 

ومن الأحزاب الأخرى، تولى نزار بركة من حزب الاستقلال الحاصل على المركز الثاني في الانتخابات منصب وزير المالية، وشغل منصب وزير الداخلية مجند العنصر من الحركة الشعبية. في حين أحتفط أحمد التوفيق، وهو وزير مستقل بمنصبه في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وذلك لضمان الحيادية في التوجهات الدينية عن أفكار تيار إسلامي معين.

 

كما حافظ أربعة وزراء على وجودهم ضمن التشكيلة الحكومية السابقة وهم إدريس الضحاك الأمين العام للحكومة، وأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وعبد اللطيف لوديي الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، وعزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري.

 

وفي المقابل تغيرت مناصب أربعة وزراء في الحكومة السابقة، وهم امنحد العنصر وزير الداخلية الذي كان يشغل منصب وزير دولة، ونزار بركة وزير الاقتصاد والمالية الذي يتولى وزارة الشؤون العامة والاقتصادية، ومحمد أوزين وزير الشباب والرياضة الذي كان كاتبا للدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، وعبد اللطيف معزوز الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج الذي كان وزيرا للتجارة الخارجية.

 

مؤشرات:

وعلى أية حال فإن التشكيل الحكومي حمل العديد من المؤشرات، التي تدشن مرحلة جديدة من العمل الوطني التشاركي بقيادة الإسلاميين خلال الخمس سنوات القادمة ستفرز الكثير من الاصطفافات وتعظم مزيد من المكتسبات الشعبية تتماهى إلى حد ما مع أجواء الربيع العربي الذي يعم المنطقة العربية...

 

ومن ضمن تلك المؤشرات:

-التشارك السياسي يتجاوز الخلاف الأيديولوجي: حيث تتوزع الحقائب الوزارية وفق ترويكا بين الأحزاب الأربعة المشكلة للتحالف الحكومي على الشكل التالي، حزب العدالة والتنمية الإسلامي حصل على 12 حقيبة وزارية بما فيها رئاسة الحكومة ووزير الدولة بدون حقيبة الوحيد في الحكومة، وحصل حزب الاستقلال المشارك في التحالف والحاصل على المرتبة الثانية في المقاعد البرلمانية، على 6 حقائب، فيما حزبا الحركة الشعبية اليميني والتقدم الاشتراكي اليساري فكان من نصيبهما أربعة من الحقائب الوزارية، مع وعد بأن يتولى حزب الحركة الشعبية اليميني رئاسة مجلس المستشارين الغرفة الثانية في البرلمان عقب الانتهاء من الانتخابات المحلية والمرتقبة في الربيع المقبل. وذهبت خمس حقائب وزارية لشخصيات مستقلة، وهي حقائب سيادية يعينهم العاهل المغربي بعيدا عن أي اقتراح من الأحزاب السياسية.

 

-تسمية وزير الداخلية بعيدا عن القصر، يحمل مؤشرا هاما بتحمل الحكومة مسئولياتها الكاملة إزاء الملف الأمني في ظل التوترات التي يشهدها الشارع المغربي، وجاء اختيار امحند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية اليميني، حقيبة الداخلية كضمانة لتخفيف حدة التوترات التي تقودها أطراف يمنية وحركات شبابية على خلاف مع التيار الإسلامي. ولموازنة المعادلة الأمنية مع السياسية تم تكليف الشرقي الضريس، المدير العام السابق للأمن في المغرب، وزيرا منتدبا في الداخلية، ليكون الرقم الثاني في هذه الوزارة الهامة في تدبير الملفات الأمنية.

 

وفي نفس السياق احتفظ عزيز أخنوش بحقيبة الزراعة (الفلاحة) والصيد البحري للحكومة الثانية على التوالي، إلا أنه في الحكومة الجديدة وزير بدون انتماء حزبي عقب استقالته يوم الأحد الماضي من حزب التجمع الوطني للأحرار اليميني الذي فاز باسمه في الانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر الماضي بمقعد في مجلس النواب الغرفة الأولى في البرلمان.

 

-كما لم يتمكن الإسلاميون من انتزاع حقيبة الأمانة العامة للحكومة التي تلقب بمطبخ القوانين والتي حافظ عليها إدريس الضحاك للحكومة الثانية على التوالي، ما يؤشر إلى نزع الصفة التشريعية إلى حد ما بعيدا عن نفوذ الإسلاميين، فيما تطلق يدها في الملفات التنفيذية وتسيير  حياة المغاربة.

 

- قصر فترة التشاور التي لم تتجاوز شهرا واحدا، وهي أقصر فترة تشهدها عملية التشكيل الحكومي، يؤشر ذلك على ميلاد مرحلة هامة في تاريخ المغرب التي تجاوزت صعوباتها عن طريق إصلاحات سياسية دون تمزقات وهو ما يمكن أن يكون نموذجا يحتذى ويعطي تجربة جديدة للعديد من البلدان العربية.

 

تحديات ومهام:

يمثل احتلال المغرب للرتبة 130 ضمن مؤشر التنمية العالمي أبرز التحديات أمام حكومة بنكيران ، بجانب بقاء 6 ملايين من المغاربة في وضعية الأمية ومثلهم يرزحون تحت عتبة الفقر بينما يعيش أكثر من مليون وربع مليون مغربي في وضعية البطالة.

 

أما مؤشرات التغطية الصحية ونسبة وفيات الأمهات والأطفال عند الولادة، فإنها تشكل بدورها تحديا كبيرا، علاوة على مشاكل البيئة والمحيط وحالة العزلة التي تعاني منها بعض المناطق الريفية في الجبال والصحاري وفي عشوائيات المدن الكبرى الأكثر هشاشة.

 

وستبقى، فيما يبدو، الملفات الإستراتيجية، بيد القصر، بعد انتداب العاهل المغربي لشخصيات مؤثرة كمستشارين بالديوان الملكي لمباشرة العمل على الملفات التي تحمل الرؤية الملكية لمستقبل المغرب على المدى المتوسط والبعيد، وفي طليعتها ملف الصحراء ومشروع الجهوية المتقدمة ومعضلة الأمن ومكافحة الإرهاب وقضايا الاستثمار والعلاقة مع الشركاء الإقليميين والجهويين والعالميين.

 

وسيشكل التنزيل السليم لأحكام الوثيقة الدستورية الجديدة أهم مهام الفريق الحكومي الجديد  في أفق الاستحقاقات المقبلة التي ستعمل خلالها الأحزاب المختلفة على تصحيح وضعيتها بما يمكنها من تحصيل أكبر قدر من المكتسبات سواء على مستوى المجالس المحلية والجهوية أو على مستوى مجلس المستشارين.

 

وإلى جانب ملفات مكافحة الفساد ودعم الحريات، فإن الحكومة ستجد نفسها مطالبة بالمحافظة على السلم الاجتماعي وخلق الجو المناسب للاستثمار الداخلي والخارجي والتعامل مع تحديات الأزمة الاقتصادية العالمية وتدبير رهانات تحديث الإدارة وإصلاح القضاء ومعالجة اختلالات المنظومة التعليمية والصحية والاهتمام بملف السكن الاجتماعي ومكافحة الفقر والبطالة.

 

ومع الإحساس المتزايد بالأمل في التغيير الذي يحدو عامة الشعب المغربي، فإن المسئولية ستتضاعف وهامش الخطأ المسموح به لفريق بنكيران سيكون أكثر ضيقا من ذي قبل. فيما تبقى التجربة المغربية للإصلاح الهادئ في ظل النظام الحاكم على المحك في زمن الربيع العربي...