دفاعا عن حرائر مصر
8 صفر 1433
علا محمود سامي

تحت هذا العنوان العريض انتفد نفر من المصريين والمصريات واقعة الدفاع عن سحل فتاة أمام مجلس الوزراء المصري بعد منتصف شهر ديسمبر الماضي، على إثر فض قوات الجيش اعتصاما لمحتجين أمامه، تسبب على إثره الهجوم على مبنى المجلس ومعه مجلس الشعب، الغرفة الأولى للبرلمان، إلى أن كان من تداعيات ذلك إحراق المجمع العلمي ، الذي يضم نحو 200 ألف وثيقة ومخطوطة نادرة.

 

ومنذ واقعة سحل الفتاة ، التي لايقرها شرع أو دين أو عرف أو قانون، وهناك حالة من الاستياء إزاءها، التي تم ترويجها بما يخدم القوى التي تسعى إلى تقويض أركان الدولة المصرية، وعلى رأس مؤسساتها القوات المسلحة، بدعوى أن هذه كانت خطة ممنهجة للجيش لتعرية الفتيات المصريات وسحلهن بالمظاهرات.

 

الأقلام التي انتفضت دفاعا عن حرائر مصر، ومعها الكاميرات التي استنفرت للدفاع عن كرامة المصريات، وبرفقتها منظمات حقوقية أبدت استياء بالغا لهذه الواقعة، ظهرت فقط في جانب من المشهد دون أن تتعرض هذه الأبواق متعمدة إلى بقية المشهد، الذي أظهر قيام أحد الجنود بتغطية الفتاة المسحولة، ما عكس أن فعل سحل الفتاة كان فرديا ولم يكن ممنهجا ، ضمن طبيعة الجيش، ومن ثم طبيعة المصريين، الذين لم يعرف عليهم القيام بمثل هذا الفعل أو غيره تجاه نسائهم.

 

الجانب السلبي من مشهد السحل استثمرته منظمات المجتمع المدني التي بدأت تتكشف أهداف عملها بمصر، بعد اتهامها بتلقي تمويلا خارجيا، للدعاية السلبية بحق الجيش المصري، والسعي إلى تشكيل رأي عام مؤسسات الدولة والعمل على إسقاطها، على خلفية هذا المشهد، الذي لوحظ فيه ودعم هذه الحملة من جانب الإعلام الليبرالي ، وهو الإعلام الذي يعرف قيادته لحملات منظمة ضد الإسلاميين ، وتقويض روافد الدولة، التي يبدو أن المتماسك فيها حتى اللحظة المؤسسة العسكرية، منذ خلع الرئيس السابق حسني مبارك، وإسقاط نظامه.

 

وكما كان الاستهلال ، فإن واقعة السحل مرفوضة بكل المقاييس، غير أن الإمعان في المشهد يعكس أن ذلك لم يكن في عقيدة المؤسسة العسكرية باللجوء إلى العنف ضد الشعب، الذي ينظر بعين التقدير لقواته المسلحة ، ويعتبرها نسيجا واحدا متلاحما معه، دون أن يكونا عنصرين كما يشاع.

 

هذه الحادثة، لاتزال تكشف في المجتمع المصري عن مزيد من مخططات ونفاق القوى الليبرالية والعلمانية بحق مصر الدولة بمختلف مؤسساتها، وأنها تسعى إلى توظيف أية ظواهر سلبية لتنفيذ مخططات قوى إقليمية ودولية في داخل القطر المصري لتكسير عظام الدولة، وإضعاف مؤسساتها، وتغييب هيبتها، ومن ثم  الحيلولة دون وصول الإسلاميين لسدة الحكم.

 

وحتى لا يكون الإطار نظريا، فإن مثل هذه التيارات التي انتفضت دفاعا عن حرائر مصر ، وأصبحت تهيج وتستثير الرأي العام من المصريين للانتفاض في الذكرى الأولى لثورة 25 يناير لحماية الحرائر، لم تنتفض مثل هذه القوى في الدفاع الحقيقي عن حرائر مصر، خاصة وأن الأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، ما يكشف نفاق مثل هذه القوى، وأن هدفها ليس الدفاع عن حرائر مصر، بقدر ما هو استثمار لوقائع يتم توظيفها على نطاق محلي للتهييج والاستثارة لإسقاط الدولة والسعي لتعطيل الاستحقاق الانتخابي، الذي اكتسح فيه الإسلاميون معظم نتائجه.

 

أمثال هؤلاء لم يتحركو ضد حملات التنصير التي تستهدف حرائر مصر من المسلمات، ولم يكلف هؤلاء أنفسهم أيضا للدفاع عن المنتقبات اللاتي يتم منعهن من دخول الجامعات أو تولي الوظائف  فأليس هؤلاء من حرائر مصر، حتى لو كن غير حرائر ، فإن النصرة والدعم واجب على مثل هذه المنظمات التي ترفع عناوين الحريات وحقوق الإنسان، ما يعكس أن عناوينها ما هى إلا شعارات براقة لجذب رؤوس الأموال الخارجية، على نحو ما باتت تتكشف من تحقيقات قضائية.

 

أمثال هؤلاء من دعاة حقوق الإنسان وحرياته لم تتحرك لهم جفن دفاعا عن حقوق المرأة المصرية في التمسك بإسلامها، بدلا من تنفيذ حملاتهم لتشوية صورة حرائر مصر والسعي لإفسادهن عن طريق إعلامهم الهابط، الذي يسعى إلى نشر الرذيلة، وتوظيف المرأة على نطاق واسع لإفسادها باستيراد أنماط غربية ، تحت دعاوى الحرية، وما واحدة من هؤلاء عندما نشرت صورتها كيوم ولدتها أمها على "الانترنت" عنا بعيد.

 

 

على هذا النحو يفهم أمثال هؤلاء حرية المرأة، فلم يتحركوا نقدا لتعرية مثل هذه الفتاة على الشبكة العنكبوتية، وكما لم يتحركوا لحماية المرأة المصرية من مخططات تعريتها عبر وسائل وأجهزة الإعلام، ولم يتحركوا أيضا للدفاع عن كل حملات الاضطهاد التي تمارس بحق المنتقبات، بل وهى نفسها ذات المؤسسات التي تقود حملة ضد الحجاب والنقاب بدعوى تحرير المرأة، في الوقت الذي يبدو فيه تناقضهم عندما يقومون بالدفاع عن سحل وتعرية فتاة على نحو ما حدث في واقعة مجلس الوزراء المصري.
هؤلاء النفر أنفسهم يقودون حملة- وحتى بعد الثورة- ضد المرأة المصرية التي تفهم حقيقة دينها، وترعى ضوابط وأخلاقيات مجتمعها، لحثها على التعري والمتاجرة بجسدها في أجهزة الإعلام، بل وتدشين حملات منظمة ضد حرائر مصر بالفعل، فما فعالية أو وسيلة إعلامية إلا ويصب فيها أمثال هؤلاء حمم غضبهم على المرأة المتمسكة بدينها.

 

 

كما أن أمثال هؤلاء لم يتحركوا دفاعا عن قرار حرائر مصر بالتحول إلى الإسلام ، والانتقال إليه من النصرانية، فلم نسمع لأمثال هؤلاء صوتا بالدفاع عن حرائر مصر وحقهن في الاختيار والقرار ، ووقفت مثل هذه المنظمات صامتة وعاجزة ، بل وفاشلة في الدفاع عن كل من حاول الدفاع عن حرائر مصر من المتحولات إلى الإسلام، بل وتنظيم حملات مضادة ضد كل من حاول الدفاع عن وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة وغيرهن ممن تم احتجازهن داخل الكنائس، فكان مصير كثيرات منهن التغييب والإقصاء، وسط صمت من دعاة الحرية ومتشدقي الليبرالية.

 

كل هذا يكشف أن أمثال هؤلاء استثمروا واقعة السحل للذود عن فهمهم للحرية، والذود عن مخططاتهم لإجهاض مؤسسات الدولة بدعوى حماية حرائر مصر، على حد فهمهم لنوع الحرية وطبيعة الحرائر.